رغم ما رافق مباراة مصر والجزائر الحاسمة بالقاهرة والفاصلة بالسودان، فإن عشاق الكرة العربية المحايدين مرتاحون، لأنهم ضمنوا على الأقل رؤية منتخب عربي في عرس الكرة العالمية بجنوب إفريقيا الصيف المقبلالمنتخب الجزائري حطم حلم المصريين وانتزع تأشيرة المرور إلى المونديال (أيس بريس) الجماهير العربية محبطة من المحيط إلى الخليج، بسبب فشل المنتخبات العربية في حجز أكثر من هذا المقعد، الذي عرف "حربا" إعلامية لا مثيل لها، الأمر الذي أدى إلى أقل حضور عربي منذ مونديال 1982 بإسبانيا، مع غياب عرب آسيا عن المحفل الكبير. وشكل سقوط العرب تباعاً في تصفيات مونديال جنوب إفريقيا 2010، مفاجأة كبيرة، ولاسيما على صعيد بعض المنتخبات، التي رشحت للذهاب إلى النهائيات قبل انطلاق الإقصائيات. ففي القارة الآسيوية، سجل منتخب العراق أولى المفاجآت، وخاصة أنه ضم لاعبين كباراً، استحقوا التتويج بلقب كأس أسيا، قبل عامين فقط، فخرج منتخب يونس محمود ورفاقه من المرحلة الثانية من المجموعة، التي ضمتهم إلى جوار الصين وأستراليا وقطر. في الدور الحاسم انصبت التوقعات في مصلحة السعوديين، بالنظر إلى الخبرة والتجربة والإمكانيات الفنية الكبيرة، وبشكل أقل لقطر والإمارات والبحرين، والأخير، حقق نتائج كبيرة في المرحلة الأخيرة وكان قاب قوسين من بلوغ المونديال الألماني، لكن الذي حدث أن المنتخبات الأربعة، تراجعت لتحتل المركز الثالث في المجموعتين وما دون... وبقيت الآمال معلقة بأقدام لاعبي البحرين، عقب تأهلهم لمواجهة نيوزيلندا على البطاقة المونديالية، لكنهم فشلوا في استغلال فرص الذهاب والإياب، وأهمها ضربة الجزاء في مباراة ويلينغتون، فكان الخروج حزيناً. في إفريقيا، اختلف الوضع، فكانت الآمال مختلفة لكنها كبيرة في الوقت نفسه، مع تأهل خمسة منتخبات إلى الدور الحاسم، بل إن المحايدين انزعجوا من وجود مصر والجزائر في مجموعة واحدة، ما يعني خسارة مقعد شبه مضمون. لكن الذي حدث أن المنتخب السوداني لم يتمكن إلا من إحراز تعادل وحيد، ما أبعده باكراً عن المنافسة في مواجهة عمالقة غانا ومالي. أما السقوط المريع، فسجله المنتخب المغربي، الذي ضم في صفوفه مجموعة من اللاعبين من مستوى عال، من قبيل الشماخ والحمداوي وبصير والزايري وحجي وبوصوفة وتاعرابت وغيرهم، لكنهم لم يظهروا بالشكل الذي كان مأمولا فيهم، ولم يسجلوا أي فوز من 6 مباريات كاملة، ففشلوا حتى في حجز بطاقة التأهل إلى نهائيات كأس إفريقيا للأمم بأنغولا مطلع السنة المقبلة. بدورهم نسور قرطاج، ساروا بشكل جيد طوال المرحلة الحاسمة، وتصدروا المجموعة الثانية حتى الجولة الأخيرة، لكنهم انهزموا في المباراة الأخيرة أمام مضيفهم المنتخب الموزامبيقي بهدف دون رد، بميدان الموزامبيق فخسروا البطاقة في الأنفاس الأخيرة، حيث آلت في النهاية إلى نيجيريا. منتخبات المغرب العربي كان الحضور العربي الأخير بمنتخب واحد في الأرجنتين 1978، يوم حضر المنتخب التونسي وحيداً بين 16 منتخباً، وحقق يومها الفوز الأول لفريق عربي في المونديال بعدما هزم المكسيك 3/1، ومنذ رفع عدد المنتخبات المشاركة في النهائيات إلى 24 فريقاً بدأ عدد العرب في الارتفاع، فاستقر على منتخبين موزعين بين القارتين، فجاء تأهل منتخب الكويت إلى مونديال 1982 ليفتح الطريق أمام عرب آسيا وهناك خرج من الدور الأول، لكنه قدم أداء جيداً أمام تشيكوسلوفاكيا وإنجلترا بفضل نجوم الحقبة الذهبية أمثال الطرابلسي ويعقوب والدخيل وكميل والعنبري... يومها شارك المنتخب الجزائري وصعق العالم بفوزه الشهير على ألمانيا، وأصبح أول منتخب عربي يفوز بمباراتين، لكن مؤامرة رتبها الألمان وجيرانهم النمساويين أبعدت مادجر وبللومي وعصاد وبن صوله عن الدور الثاني. طفرة عربية ثلاثية في بطولة المكسيك 1986 حدثت طفرة كبيرة فتأهلت ثلاثة منتخبات للمرة الأولى، فحضر العراق بعد التقسيم الغربي والشرقي للمنتخبات الآسيوية، وتابع منتخب الجزائر حضوره بالجيل ذاته تقريباً، وعاد المنتخب المغربي إلى النهائيات بعد 16 عاماً من الغياب، وأحدث ثورة إفريقية وعربية بتأهله إلى الدور الثاني متجاوزاً ثلاثة منتخبات أوروبية، وانتظر حتى الدقيقة 88 ليخسر أمام وصيف بطل العالم ألمانيا يومها بهدف واحد أحرزه ماتيوس وبرز من ذلك الجيل الذهبي التيمومي وبودربالة وكريمو وخيري والحداوي والزاكي، أما المنتخب الجزائري، ففشل في إعادة كرة 1982 بينما اكتفى العراقيون (حسين سعيد وأحمد راضي وناطق هاشم ورفاقهم) بتمثيل مشرف بعدما خسروا لقاءاتهم الثلاثة بفارق هدف. حضور لافت للسعودية في مونديال 1990 سجل منتخب الإمارات حضوره الأول، ولم يقدم المستوى المأمول، بينما عاد منتخب مصر بعد غياب استمر 46 عاماً وهناك في إيطاليا سجل أبناء الكنانة تعادلين رائعين مع هولندا وإيرلندا، قبل أن يخرجوا أمام إنجلترا بهدف دون رد، وفي أميركا بدأ الوجود السعودي بحكاية مع المونديال امتدت إلى 3 بطولات متتالية، لكن بقي إنجاز 1994 راسخاً بالذاكرة المونديالية والعربية الآسيوية على وجه الخصوص، فقد أبدع الدعيع وفؤاد أنور والغشيان والعويران، وسجلوا فوزين كأول منتخب آسيوي يفوز في مباراة في كأس العالم، فتأهلوا إلى ثمن النهائي للمرة الأولى والأخيرة لعرب آسيا، حيث خرجوا أمام أحفاد الفايكنغ السويديين، وأحرز سعيد العويران هدفاً صنف أحد أجمل خمسة أهداف في تاريخ البطولة وكان هدف الفوز على بلجيكا. أسود الأطلس يخطفون الأضواء أعاد العرب الكرة في مونديال 1998 بفرنسا بحضور ثلاثي جاء للمرة الأخيرة ، فعاد التونسيون إلى البطولة بعد 16 عاماً ، بينما تابع المغاربة والسعوديون الظهور للمرة الثانية على التوالي، وسجل أسود الأطلس النتائج الأفضل عقب فوز هو الأكبر في تاريخ المنتخبات العربية بثلاثة أهداف نظيفة على اسكتلندا، وتعادل مع النرويج (2-2) وأعادت الجماهير العربية عدم تأهل مصطفى حجي وعبد الجليل حدة ورفاقهما إلى تساهل البرازيل في مباراتها أمام النرويج، وفشل منتخبا تونس والسعودية بتسجيل أكثر من تعادل وحيد. وتابع المنتخبان الأخيران تمثيلهما للعرب في مونديال 2002 بكوريا الجنوبية واليابان، دون جديد لنسور قرطاج الذين خرجوا بتعادل وحيد بينما تلقى السعوديون ثلاث هزائم منها أكبر خسارة لفريق عربي في المونديال، وكانت أمام ألمانيا بثمانية أهداف نظيفة. وحقق منتخبا تونس والسعودية حضورهما الرابع في النسخة الأخيرة 2006 وجمعتهما القرعة في مجموعة واحدة خرجا منها بتعادل وحيد بين المنتخبين (2-2)، مقابل هزيمتين أمام إسبانيا وأوكرانيا. في انتظار دورة 2014 الآن، وانتهت مرحلة التصفيات الخاصة بأول دورة تقام بالقارة السمراء العشرية، يجب البدء في فتح نقاش حول كيفية خلق الآليات والصيغ الممكنة لتحقيق الوثبة التي يتمناها الجمهور العربي، والمتمثلة في تسجيل حضور متميز في التظاهرات الكروية العالمية، ليس بناء على قاعدة "المشاركة فقط"، لأنه لم يعد من المستساغ الذهاب إلى النهائيات بغاية وجود اسم بلد عربي في أرشيف الاتحاد الدولي لكرة القدم ليس إلا. طموح التنافس على اللقب مشروع، وأن يكون في مستوى الحماس والتشجيع الذي أبدته وتبديه الجماهير العربية، مثل ما عايشناه طيلة الفترة التي سبقت مباراتي مصر والجزائر بالقاهرة والخرطوم، فمن العار أن تكون تلك المتابعة بمختلف مظاهرها وتجلياتها، من أجل حجز البطاقة الخامسة فقط؟ نتمنى أن تشكل نهائيات البرازيل المقبلة، انعطافة في تاريخ مشاركات عرب شمال إفريقيا وآسيا في أكبر تظاهرة كروية في العالم، في انتظار تحقيق حلم احتضانها بالأرض العربية.