دعا المغرب، أول أمس الاثنين، المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، استنادا إلى الاختصاصات المخولة لها، إلى إعادة توطين المحتجزين بمخيمات تندوف في بلدان أخرى. وأكد عمر هلال، السفير الممثل الدائم للمغرب لدى مكتب الأممالمتحدةبجنيف، في تدخل له أمام الدورة 60 للجنة التنفيذية للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، أنه أمام المأزق الإنساني الحالي، فإن المغرب يطلب من المفوضية السامية اتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل تفعيل هذا الحل، وإطلاع سكان المخيمات على حقهم في مغادرة هذه المخيمات، واختيار الاستقرار في بلدان أخرى بشكل حر. وأضاف هلال أن قرار المغرب تمليه عدة أسباب، موضحا، بالخصوص، أن المملكة ترفض بشدة الدوافع السياسية التي تقف وراء اعتراض الجزائر على العودة الحرة لهؤلاء السكان المغاربة إلى وطنهم الأم، كما أنه لن يقبل أبدا أن تحرمهم من حقهم المشروع في إعادة التوطين. وتابع الدبلوماسي المغربي أن هذا القرار يمليه أيضا كون حالة مخيمات تندوف تشكل جزءا من "وضعيات اللاجئين المطولة" ومن ثمة، فهم معنيون مباشرة بتطبيق حلول دائمة تقرها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين طبقا لمهامها، مشيرا إلى أن سكان المخيمات يعيشون ظروفا مأساوية لا تحتمل. كما استنكر تنصل الجزائر من مسؤوليتها الدولية في مخيمات تندوف لفائدة البوليساريو والعمل على عسكرتها في خرق للقانون الدولي الإنساني، وإقدام البوليساريو على إحداث محاكم بهذه المخيمات لمحاكمة من يجرؤ على إبداء المعارضة نظامها السلطوي أو من يحاول الفرار من المخيمات، مشيرا إلى مواصلة انتهاكات حقوق الإنسان في حق سكان المخيمات على مرأى ومسمع من البلد الجار وبتواطؤ مع الجزائر. وجدد التأكيد، بهذا الصدد، على استحالة انصياع المغرب لاستمرار احتجاز مواطنيه في مخيمات تندوف لخدمة الأجندة الخفية للجزائر. وفي ما يتعلق بتوقيت تقديم الطلب المغربي إلى المفوضية السامية للاجئين، أوضح هلال أن اعتبارات عدة أملت تقديم هذا الطلب خاصة كون تجميد الجزائر، منذ 35 سنة، لمهمة المفوضية في مخيمات تندوف، يعد أمرا غير مقبول أخلاقيا وسياسيا وغير مشروع قانونيا. وأشار إلى أنه يتعين على المفوضية ألا تقتصر، في مخيمات تندوف، على مهمتها الوحيدة المتمثلة في المساعدة الغذائية، بل يتوجب عليها أن توسعها لتشمل، كما تنص على ذلك مقتضياتها، توفير الحماية عموما، ووضع حلول دائمة على الخصوص، لكون السكان بحاجة أكبر للحرية والكرامة الإنسانية أكثر من حاجتهم للدقيق والحليب المجفف. وحسب الدبلوماسي المغربي، فإن هذا التوقيت يفسر، أيضا، بتأكيد الجزائر، خلال الجولة التي قام بها المفوض السامي، أخيرا، للمنطقة، معارضتها لإحصاء سكان الصحراء، وبالتالي حقهم في العودة الطوعية، وهو ما يشكل، يضيف هلال، مرادفا لحكم جماعي يقضي بنفي مؤبد. كما أبرز هلال قناعة المغرب العميقة، التي يعززها تقرير المفوض السامي خلال هذه الدورة، أن المساعدة الإنسانية، مثل تحقيق الاكتفاء الذاتي، لا تشكلان وبأي حال من الأحوال، حلولا دائمة لمشكل اللاجئين على المدى الطويل، ولانشغالات المملكة لمواجهة الآثار السلبية المترتبة عن تمديد نفي هؤلاء السكان، لا سيما الفئات الأكثر هشاشة، ومنها الأطفال والنساء، وكذا التخوف من أن يجري استغلال الإحساس باليأس، الذي يخيم على سكان المخيمات، من قبل الشبكات الإرهابية التي تنتشر في منطقة الساحل والصحراء. وتابع هلال قائلا "لهذه الأسباب جميعا، لا يمكن للمغرب أن يقف مكتوف الأيدي أمام هذه المأساة، ويترك مواطنيه المحتجزين في تندوف يكبرون ويموتون في المخيمات، ولا أمام جعلهم في مواجهة الاختيار المر ما بين قبول المنفى في المخيمات أو تعريض حياتهم للخطر لدى محاولتهم الفرار. وقال إن المسعى المغربي يتوخى، فقط، تمكينهم من الحق في التحرر من معاناة المنفى من خلال خيار العيش بحرية وكرامة ومنحهم الأمل في حياة أفضل في بلدان أخرى. وأكد أن طلب المغرب تفعيل حل إعادة التوطين لن يكون له أي تأثير على مسلسل التسوية السياسية النهائية التي تبقى، حصريا، من اختصاصات مجلس الأمن، مضيفا أن المستفيدين المستقبليين من أي عملية إعادة توطين سيحتفظون بحقهم المشروع والكامل للمشاركة، عند حلول الأجل، في أي استشارة بخصوص الحل السياسي النهائي، الذي سينبثق عن المفاوضات الحالية تحت رعاية مجلس الأمن، على أساس المبادرة المغربية للتفاوض بشأن منح حكم ذاتي لجهة الصحراء، في إطار السيادة والوحدة الترابية للمملكة المغربية. ودعا هلال، في أفق تفعيل هذا الحل، المفوضية السامية للاجئين إلى تسخير كافة الإمكانيات لإخبار سكان مخيمات تندوف بحقهم المشروع في اختيار بحرية الاستقرار في أحد البلدان الأخرى. كما طلب من المفوضية البحث عن بلدان توافق على إعادة توطين سكان المخيمات الراغبين في مغادرتها وتحسيس الوكالات الأممية حتى تتمكن من المساهمة في هذه العملية الإنسانية. وأكد هلال، من جهة أخرى، أن الجزائر عرقلت حل العودة الطوعية، ولم تطبق أبدا حل الاندماج المحلي. وأوضح عمر هلال السفير الممثل الدائم للمغرب لدى مكتب الأممالمتحدةبجنيف، في مداخلة له، أول أمس الاثنين، أمام الدورة ال 60 للجنة التنفيذية للمفوضية، أن المفوض السامي لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيريس، الذي قام، أخيرا، بزيارة إلى المنطقة، اطلع بنفسه وعبر عن أسفه للمأساة الإنسانية لسكان مخيمات تندوف، التي تتواصل لأزيد من ثلاثة عقود. وأبرز الدبلوماسي المغربي أن غوتيريس، وقف في الصحراء المغربية، عند مأساة التفرقة بين أفراد العائلات في الصحراء ومعاناة رجال ونساء، لم يسبق لهم رؤية آبائهم، والذين تمكنوا، بفضل تدابير الثقة التي وضعتها المفوضية، من لقاء أقاربهم في الصحراء المغربية. وأضاف أنه أمام وضع كهذا، الذي وصفه المفوض السامي بالمأساوي، وجه المغرب نداء رسميا إلى المفوضية من أجل التفعيل الكامل لاختصاصاتها بهدف البحث عن حلول دائمة لسكان مخيمات تندوف. وأوضح، في هذا الصدد، أن القانون الدولي للاجئين واضح جدا، وينص على ثلاثة حلول دائمة، تتمثل في العودة الطوعية، والاندماج المحلي وإعادة التوطين في بلد آخر. وأشار هلال إلى أن المغرب غذى كل الآمال المتعلقة بحل العودة الطوعية إلى الوطن، الذي تعتبره المفوضية والمجتمع الدولي أكثر الحلول تفضيلا، من خلال إطلاق، منذ بداية النزاع، نداء "إن الوطن غفور رحيم" من أجل عودة السكان الذين اقتيدوا بالقوة إلى مخيمات تندوف بشكل طوعي إلى المغرب. وذكر السفير المغربي بأن المفوضية السامية للاجئين كانت بدأت حملتها من أجل العودة الطوعية للاجئين، غير أن السلطات الجزائرية، يتأسف هلال، حالت دون مواصلة الوكالة الأممية لمهمتها، حيث منعتها من إطلاع سكان المخيمات على حقهم في العودة الطوعية. وهكذا، يضيف هلال، عرقلت الجزائر تفعيل هذا الحل لأزيد من 30 سنة، منددا بكون الجزائر تعد، بشكل مثير للاستغراب، البلد المضيف الوحيد في العالم، الذي عارض، ليس لأسباب إنسانية، وإنما لأسباب سياسية واضحة، عودة السكان النازحين إلى بلدهم الأصلي. أما بخصوص الحل الثاني، المتعلق بالاندماج المحلي، أشار هلال إلى أن الجزائر لم تطبق هذا الحل أبدا، الذي لم تفعله إلا بالنسبة للجزائريين المتحدرين من منطقة تندوف، والذين جرى "زرعهم" في المخيمات من أجل تضخيم الأرقام، مذكرا بأن الجزائر كانت سمحت في السنوات الأخيرة، لأكثر من 20 ألف شخص منهم، بالاندماج في مدن وقرى جزائرية. أما بالنسبة للمغاربة من أصل صحراوي، يضيف السفير المغربي، فقد جرى تهميشهم وإقصاؤهم من هذا الحل الدائم، الأمر الذي يشكل انتهاكا صارخا من جانب البلد المضيف، الجزائر، للقاعدة الأساسية للمساواة أمام الولوج الى الحقوق بالنسبة لهؤلاء السكان. وأكد الدبلوماسي المغربي أنه في حالة عدم إمكانية تطبيق الحلين السالفي الذكر، فإن القانون الدولي للاجئين، خاصة اتفاقية جنيف لعام 1951، والبروتوكول الإضافي لعام 1967، وخلاصات اللجنة التنفيذية وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة تنص على اللجوء إلى الخيار الثالث، وهو إعادة توطين المحتجزين في بلدان أخرى، معبرا عن أسفه لكون هذا الحل لم يجر أبدا اقتراحه على سكان مخيمات تندوف.