"للأسف لم أكن أظن أنه سيأتي يوم ونشتم رائحة كريهة تنبعث من وسط حي سكني بوسط العاصمة الاقتصادية (الدارالبيضاء) بات لسنوات فضاء نظيفا ونقيا مزينا بالورود والأزهار". كان هذا كلام أحد سكان سيدي مومن، الذي استرسل قائلا:" إن تراكم الأزبال بالمكبات يطرح عدة مشاكل صحية منها انبعاث روائح كريهة تزكم الأنوف وتعرض السكان لأمراض الحساسية والربو. وفي هذا الصدد، حمل محمد (بائع سجائر) مسؤولية تراكم الأزبال بالقمامات الخاصة بكل مقاطعة (بلدية) إلى المواطن بالدرجة الأولى الذي لا يحترم معايير وشروط الحفاظ على بيئة سليمة.
تفاقم الظاهرة ويبدو أنه خلال شهر الصيام تتكاثر النفايات ويشتكي السكان من مشكل تراكم مخلفات أزبال عربات الباعة المتجولين وتأخر شاحنات النظافة، مما يفاقم ظاهرة انتشار الأزبال التي تتسبب في أضرار صحية وبيئية خطيرة. وانطلاقا من هنا وجه سكان منطقة سيدي مومن نداء إلى المسؤولين من أجل التدخل لحل المشكل، كما طالبوا الشركة التي تدير قطاع النظافة بالوصول إلى جميع الأحياء التي تراكمت فيها الأزبال. ويرى محمد أنه من أجل تجنب تراكم الأزبال وانبعاث روائح نتنة يجب تحسيس المواطنين بأهمية فرز الأزبال من البيت، أي عزل المواد البلاستيكية في كيس خاص والشيء نفسه بالنسبة لبقايا الخضر. ولم يفت محمد أن تحدث عن المشاكل الصحية التي تسبب فيها عصارة النفايات التي قد تتدفق وتنبعث منها رائحة كريهة، بالإضافة إلى أنه سئم من اصطحاب زوجته التي تعاني ضيقا في التنفس إلى المستشفى بشكل يومي من أجل الاستفادة من الأوكسجين. وأما الغالية وهي ربة بيت كسر صوتها العالي الصمت ورددت "هل سنظل نعاني من انتشار الأزبال ووجهت اللوم إلى سكان الحي مطالبتهم بوضع النفايات داخل القمامة بدل رميها بجانبها". واسترسلت الغالية "حقا تعبت من مرافقة ابني إلى المركز الصحي من أجل عرضه على الطبيب المدوام (في حالة دوام) لأنه أصبح يعاني من حساسية مفرطة تسببت له في ظهور دمل بحجم كبير في جميع أنحاء جسمه". وقالت المتحدثة ذاتها إن المسؤولين عن تسيير الشأن المحلي وشركة النظافة المفوض لها تدبير قطاع النظافة مطلوبون بتنظيم حملات تحسيسية وتوعوية وسط الأحياء من أجل حث المواطنين على خطورة رمي الأزبال خارج القمامات وإتلافها وبعثرتها ما يتسبب في مشاكل صحية خطيرة. ويتمنى السكان عودة الحي إلى حالته الطبيعية، ويطالبون المنتخبين بزيارة الأحياء والوقوف على المشاكل الصحية التي يعانونها جراء تدفق كميات من الأزبال . ابتعدنا عن الحي بكيلومترات، لكن رائحة نتنة تزكم الأنوف، علقت بملابسنا، لأن هذا التلوث لم يبق حبيس مكان واحد بل وصل إلى محيط عدد من الأحياء المجاورة. ومن أجل تبير مشكل تراكم النفايات في شهر رمضان بادرت شركة الدارالبيضاء بيئة إلى إطلاق شريط فيديو من أجل تحسيس المواطنين بأهية وضع الأزبال في القمامات مساء كل يوم من أجل تيسير عملية جمعها من طرف عمال الشركة وتنظيف الأحياء والشوارع من بقايا وروائح النفايات. ويتبين أن الوضع البيئي بالمنطقة مقلق جدا ويستدعي تدخلا سريعا من أجل إنقاذ أطفال الحي المعرضين للوفاة بسبب تزايد نسبة التلوث.
ميزانية هزيلة وفي هذا الصدد أكد الأستاذ عبد الله آيت أوعدي، خبير في مجال معالجة النفايات والتثمين الطاقي، ل "الصحراء المغربية"، أن قطاع النفايات المنزلية دخل منعرجا جديدا منذ سنة 2000، وخصوصا بعد دخول قانون 28.00 حيز التطبيق، فبعد التدبير المباشر من طرف الجماعات بميزانيات هزيلة وأساليب بدائية في ما يتعلق بمعالجة النفايات جاءت الفترة الحالية التي سيطبعها انخراط جل الجماعات في تفويت تدبير القطاع إلى فاعلين خواص ضمن أسلوب التدبير المفوض، الذي يعتمد على طلب العروض.
مشكل التمويل وأفاد المتحدث نفسه أنه بإبعاد أي مجال للاجتهاد من طرف الخواص وغياب هيأة للبحث تزود المهتمين بالقطاع بالمعطيات والطرق الكفيلة بالتخلص من النفايات وتثمينها وتمكينهم من ضبط المعايير والمقاييس الخاصة بالنفايات المنزلية، فقد اعتمد الخواص المتدخلون حسابات عند وضع عروضهم تقوم على مبدأ الاحتياط في ما يخص التوازن المالي للمشروع مما أدى إلى غلاء الأثمان المقترحة عند طلب العروض م من 70 درهما إلى ما يناهز 300 درهم للطن في الجماعات المتوسطة، ولم يكن من الإدارة إلا أن ترضخ للأثمان التي جاءت أثر مسطرة المنافسة . إلا أن القدرة التمويلية للجماعات أو مجموعاتها، يضيف آيت أوعدي، أصبحت عائقا أمام اعتماد العروض الأقل كلفة، وللحيلولة دون تجميد عمليات التدبير المفوض والخروج من مأزق ارتفاع الأثمنة فظلت الإدارة المركزية ممثلة في وزارة البيئة والداخلية، واعتمادا على الصندوق الوطني للنفايات المنزلية، منح مساعدات ضخمة تفوق غالبا ثلث الكلفة ( على مدى 20عاما )، للجماعات دون ضمان مردودية واضحة . وقال آيت أعدي إنه بالرجوع إلى منح الدعم المالي لمشاريع تنفذ في إطار التدبير المفوض ثم التخلي من طرف الدولة عن المبادئ التي اعتقدت عند اللجوء إلى هذا النوع من التدبير، ومن بينها مبدأ التمويل الخاص لهذه المشاريع من طرف شركات يفترض أن تتوفر على قدرة تمويلية ذاتية، تمكن الجماعات من الاستفادة من المشروع وتسديد كلفته على مدى عمر العقد الذي يصل بالنسبة لمعالجة النفايات إلى 20عاما. وللخروج من هذا المأزق الجديد لقطاع النفايات المنزلية يؤكد محاورنا أنه لابد من اعتماد أسلوب التدرج في مسألة التثمين بصفة خاصة، بحيث ينبغي إعادة النظر في الاختيار الحالي المبني على الفرز مع إنتاج الأسمدة والمحروقات الصلبة، واعتماد حلول رخيصة أخرى يدخل فيها العمل اليدوي بصفة أكثر وبذلك نستطيع إعطاء مزيد من الوقت في السنوات المقبلة للبحث العلمي والتكنولوجي الخاص بالنفايات المنزلية المغربية، مما يمكننا من وضع المعايير وضبط التقنيات الكفيلة بإدراك نتائج أحسن بكلفة أقل. وفي هذا الإطار، أشار الخبير نفسه إلى أن جل معامل الفرز المعتمدة حاليا بالمغرب قد تعرف تقريبا مشاكل تقنية لا نتوفر على حلها بالنظر إلى عدم إنتاج قطع الغيار محليا، ويؤكد في الأخير على ضرورة إحداث الهيأة الوطنية المكلفة بالبحث العلمي في هذا المجال متصلة مباشرة برئاسة الحكومة. وبخصوص تقييم الوضعية الحالية لمعالجة النفايات بكل أنواعها والتثمين الطاقي ببلادنا، يقول الأستاذ عبد الوافي سعيد الفيكيكي، الرئيس المدير العام لمجموعة SOD-NDD، الخاصة بالنظافة، والخبير في مجال التثمين الطاقي، ل "الصحراء المغربية"، إن ضمان حكامة جيدة للنهوض بهذا الاقتطاع يقتضي بالأساس ضمان التوازن العقدي والمالي عند صياغة دفاتر التحملات، لأن هذه الأخيرة تغلب مصلحة المفوض أكثر من المفوض إليه، فمعظم الشركات المغربية العاملة في القطاع تعاني الأمرين بسبب عدم سداد مستحقاتها من طرف المفوض، أو بطء مسطرة الأداء، فيجد المفوض إليه أو الشركات المغربية المواطنة نفسها مضطرة لاستكمال العقد، رغم عدم وفاء المفوض إليه بالتزاماته المالية اتجاهها. وذهب المتحدث إلى أن هذا أمر أثر ويؤثر لا محالة على الشركات المغربية المواطنة ويوقعها في أزمات مالية تجعلها أحيانا على حافة الإفلاس، لذلك، توجب على وزارة الداخلية مراعاة التوازن العقدي والمالي عند صياغة دفاتر التحملات قصد النهوض بالقطاع من خلال اعتماد شراكة رابح رابح، لضمان تنافسية الشركات المغربية على المستوى القاري والدولي. وأضاف الرئيس المدير العام "لا تفوتني للتأكيد على أن التطبيق السليم للنصوص القانونية المرتبطة بهذا المجال يبقى كذلك من أنجع سبل تحقيق النهوض بقطاع تدبير النفايات، فعلى المواطن كذلك أن يحس بمسؤولياته تجاه بيئته ويتفادى السلوكات التي من شأنها العصف بالجهود المبذولة في هذا الخصوص".
مواد مسرطنة من جهتها أبرزت عزيزة مخشان، باحثة في مجال البيئة والتنمية المستدامة، ل "الصحراء المغربية"، أن تكاثر النفايات وتفاعل عصارتها ينتج عنه مواد خطيرة سامة ومسرطنة، وهو ما تنتج عنه عدة مشاكل صحية وبيئية. وفي هذا السياق تقول مخشان إنه لمكافحة النفايات السامة والمسرطنة والتخلص منها بطرق صديقة للبيئة تعد رهانا متعدد الأبعاد يظل موقوفا على إرادة حقيقية لحماية صحة وبيئة المواطن المغربي. وأشارت الخبيرة البيئية إلى أن جرى التصديق على القانون 28.00 حول تدبير النفايات والقضاء عليها، الذي يتضمن مقتضيات اتفاقية بازل ويحظر استيراد النفايات الخطيرة، وكذا بتعزيز جهاز المراقبة عبر مرسوم حول شرطة البيئة، وتطبيق التعديل المتعلق بالحظر على نقل النفايات الخطيرة للنهوض بالتدبير المندمج والمستدام للنفايات، وتنظيم منظومات إعادة تدوير وتثمين النفايات، والتقليص من تبذير الموارد الطبيعية، والتخفيف من آثار الأنشطة الصناعية، وتحسين ظروف الصناعة الوطنية وخلق الاستثمارات ومناصب الشغل. يشار إلى "هاينريش بل" الرباط، وهي مؤسسة ألمانية تابعة للحركة السياسية الخضراء، أصدرت أخيرا دراسة جديدة حول التسيير الجيد للنفايات في المغرب من خلال التوصية باعتماد عشرة عناصر رئيسية لإنجاح تدبير النفايات المنزلية والمشابهة بالمغرب. وأكدت الدراسة أن "المغرب يحتل منذ سنوات عديدة مراكز الريادة في التحولات الاجتماعية والبيئية، ولا نستثني مجال إدارة النفايات وبالرغم من ذلك، وأن تحسين إدارة النفايات الحضرية في المغرب أصبح يشكل تحديا حقيقيا يفرضه من جهة النمو الديموغرافي الكبير وتوسع البقعة الحضارية وظهور أنماط استهلاكية جديدة". وأوضحت الدراسة نفسها أنه لمواجهة هذه التحديات، يجب على كل الفاعلين العمل معا في وضع استراتيجيات مشتركة، بعد أن كانت طرق اشتغالهم غير مترابطة أو متناسقة، والحاجة إلى العمل المتضافر وتوحيد للجهود المؤسسية ومبادرات المواطنين بديهية للخروج من أزمة النفايات، مع إمكانية تحفيز مشاركة المواطنين إلى إجراءات تدبيرية جديدة من شأنها أن تسمح لمختلف الأطراف المعنية بالنجاح معا في إدارة النفايات. هذا الربورتاج بدعم من الوكالة الفرنسية للإعلام "ميديا لاب"