على مرتفع يفوق 1400 متر عن سطح البحر، وعلى بعد نحو 90 كيلومترا جنوب غربي مدينة تارودانت، تقع منطقة «تالوين» المعروفة بزراعة الزعفران الحر المغربي وإنتاج ما بات يعرف ب»الذهب الأحمر»، فصار ينتسب إلى المنطقة ويكنى باسمها «زعفران تالوين»، الذي نعته الفقيه العلامة أبو العباس سيدي أحمد بن صالح الإدريسي الدرعي (المتوفى عام 1731 ميلادية) في كتابه «الهدية المقبولة في الطب» ب «حشيش الجنة». ويعد «زعفران تالوين» منتوجا زراعيا مغربيا الأجود والأرفع عالميا، ذا الشعر الأحمر الذي ليس في أطراف شعره صفرة، ومن أفضله الطري الحسن اللون الزكي الرائحة الغليظ الشعرة. وينتشر «الزعفران الحر المغربي» في منطقة تالوين على مساحة تناهز 540 هكتارا على تراب خمس جماعات ترابية قروية من «أكادير ملولن» و»أسايس» و»تاسوسفي» و»سيدي احساين» و»أسكاون» في مواقع محاذية لمنطقة جبلية قريبة تدعى «سيروا» بسلسلة جبال الأطلس المتوسط. ويشكل زعفران تالوين مصدر عيش سكانها الوحيد إلى جانب بعض من أعمال الزراعة المعاشية، يتناوله الأهالي كل يوم، في شرب الشاي ويقدمونه للسياح المغاربة والأجانب نظرا لقيمته الغذائية والدوائية المهمتين، فهو يعالج 90 مرضا كما يروي عدد من سكان تلوين في لقائهم مع مراسل «الصحراء المغربية». ولأن منافعه الغذائية والصحية كبيرة، فإن بعضا من الفنانين يوظفونه في لوحاتهم التشكيلية عبر خلطه مع الماء الدافئ والبارد، فينتج اللونين الأصفر والأحمر الذي يشكل ألوان لوحات كما هو حال التشكيلي محمد الجعفري، حيث رائحة الزعفران تشتم من لوحاته كما روى ذلك لمراسل وكالة الأناضول. أكتوبر ونونبر..موسم الجني يروي الحسين بوفران، وهو مزارع شمال منطقة تالوين (في اتجاه ورزازات)، أن «نشأة زعفران تالوين تعود إلى نحو 238 عاما، تم استقدامه من بلاد اليمن خلال رحلات حج أهالي المنطقة للمشرق العربي، حيث نجحت زراعته وإنتاجه بالمنطقة نظرا لطبيعة التربة والمناخ هنا في منطقتنا». وأوضح المزارع بوفران أن سكان تالوين «يباشرون زراعة الزعفران ما بين شهر يونيو وشتنبر من كل عام، في حين أن شهور مارس وأبريل وماي تخضر، ليتم حشه دون سقيه بالماء، في انتظار أن يزهر في منتصف أكتوبر حتى أواسط نونبر من كل عام، حيث يشرع في عملية قطف أزهار زعفران تالوين». وينتهي قطف الزعفران مع شهر نونبر الذي لم تتبق سوى حقول صغيرة منه، ليتم لمه داخل فضاءات التخزين من أجل تجفيفه لتعليبه وتسويقه، بعد أن صار الاستثمار في زراعة الزعفران بالمنطقة محط إقبال أهالي المنطقة خلال العقد الأخير.
تنامي زراعة زعفران وسط تنافسية حادة ويعزي محمد أفراس، وهو فلاح من بلدة تاسوسفي، تنامي زراعة الزعفران بالمنطقة إلى ارتفاع ثمنه وازدياد إيراداته (مداخيله) وقيمته الغذائية والطلب عليه، بعدما تأسست العشرات من التعاونيات والجمعيات ذات النفع الاقتصادي التي تهتم بتثمينه وتسويقه. ومما زاد من قيمته ومداخيله لدى مزراعي تالوين، يروي أفراس، «التحفيزات التي تمنحها وزارة الفلاحة من أجل الرفع من الإنتاج وتنافسيته، سواء على مستوى الأسواق الوطنية وحتى الدولية لمنافسة زعفران الهند وإيران واليونان». ويقام كل سنة موسم (مهرجان) الزعفران ما بين أكتوبر ونونبر منذ عام 2007 غير أن سنوات جائحة كوفيد19 عطلت المهرجان الذي كان مناسبة لتسويق المنتوج وعقد اتفاقيات وإطلاق مشاريع موازية لتثمين المنتوج وزراعته في المنطقة. بدورها، قالت نعيمة بنعيسى، وهي فلاحة قروية بالمنطقة، إن «موسم جني الزعفران هو مناسبة سنوية للسكان كي نشتغل ونحصد مدخولا سنويا طيلة شهر الحصاد». وزادت موضحة «حصاد هذا العام لم يكن كما كان في السابق بسبب تتالي سنوات الجفاف وتأُثيرات البيئة والحرارة، لأنه لم يسق بالماء كما يجب حيث أن حجم وردته أقل مما هو معهود، وهو ما انعكس على حجم شعيرات الزعفران ومردوديتها في كل وردة».
إنتاج لا بأس به رغم الجفاف وحسب معطيات حصلت عليها «الصحراء المغربية»، فإن زعفران تالوين الأصيل الرفيع يصل إلى 4 كيلوغرامات في الهكتار الواحد سنويا، وأن الحصول على 500 غرام من «الذهب الأحمر» يتطلب زراعة ما لا يقل عن 70 ألف زهرة يجب أن تكون كلها صحيحة وصالحة. كما أن الزعفران الطازج لتالوين بعد أن يتم تجفيفه يفقد الكثير من وزنه و25 كيلوغراما منه يصير بعد التجفيف 5 كيلوغرامات فقط. وتتراوح أسعار الكيلوغرام الواحد ما بين 10 آلاف و15 ألف درهم، مما يلزم ما بين 120 ألفا و140 ألف زهرة لإنتاج كيلوغرام واحد من «زعفران تالوين الحر». غير أن إنتاج هذا العام (2021) لا بأس به وأسعار الغرام الواحد تتراوح ما بين 23 و 28 درهما من الحقول والمزارع بسبب تتالي سنتي جفاف بالمنطقة، وفق الإفادات التي تلقتها «الصحراء المغربية» من عدد من فلاحي المنطقة.
متحف للتثمين وفي مركز تالوين، عاصمة الذهب الأحمر، تم إنشاء «دار الزعفران» (متحف) يوم 12 دجنبر عام 2011 تطلب إنجازه مبلغ 6.5 ملايين درهم يلم فضاءات للإنتاج والتسويق ومختبرا وقاعات لفرز الزعفران ومتحفا لوسائل الإنتاج. وتضطلع هاته «الدار» (البورصة)، الأولى في المغرب بها أكثر من 340 امرأة و22 تعاونية، بتنظيم الأسعار وتحديد الثمن المرجعي الذي بلغ 25 درهما. وقال محمد باسعيد، مدير دار الزعفران، إن «زعفران تالوين ذو جودة عالية انطلاقا من خصائص ثلاث: الذوق واللون والرائحة». ومضى قائلا: «نتوفر على علامة الجودة وعلامة تسمية المنشأ المعروفة باسم «Origine de Production « الذي يضمن الجودة في مختلف المراحل استجابة لدفتر تحملات بورصة الزعفران». غير أن مدير دار الزعفران لم يخف أسفه من «وجود غش وتنافسية كبيرين في السوق المغربية والعالمية بسبب كثرة الوسطاء وانخفاض الأثمان عن الذي نسوقه إلى نحو الثلث على الرغم من أن المغرب من الدول المتقدمة في زراعة وإنتاج الزعفران وتسويقه». وأضاف باسعيد أنه «إشعاع دار الزعفران بتسويق أكثر من 40 كيلوغراما من زعفران تالوين، سيتعزز الزعفران الأصيل المغربي عبر رد الاعتبار للفلاح وحفزه وتحسين جودته بدءا من طريقة إنتاجه إلى مراقبته وحفظه بشكل جيد، لأن الزبون يبحث دائما عن الأجود». ومن أجل تثمين هذا المنتوج، بادرت وزارة الفلاحة إلى إدراجه ضمن مشروع تنموي وطني يمتد لأربع سنوات يتوخى ضمان قيمة مضافة عالية وتنمية سلسلة الزعفران وتوسيع مساحة زراعته لتصل إلى 1030 هكتارا في أفق مضاعفة الإنتاج في إطار مخطط المغرب الأخضر، وبعده، الجيل الأخضر، بما يناهز 112 مليون درهم. وسيمكن ذلك، بحسب معطيات المشروع الوطني، إلى رفع المردودية من 2.5 إلى 6.5 كيلوغرامات في الهكتار الواحد، وتحسين دخل المزارعين ليصل إلى نحو 100 ألف درهم عوض 19 ألف درهم في الهكتار كما كان في السابق، إلى جانب إحداث 600 منصب شغل إضافي قار.