لا نبالغ في"الصحراء المغربية" حين نتحدث عن دخول المغرب في الألفية الثالثة مرحلة صناعة التاريخ. وفي هذا الصدد يمكن اعتبار الإقلاع الاجتماعي إحدى الحلقات المهمة من حلقات مسلسل هذه الصناعة متعددة المجالات، وإن كان هدفها الأساسي والمشترك هو الارتقاء بالمواطن وتثمين الرأسمال البشري للمملكة. ويعد مشروع القانون الإطار رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية، الذي صادق عليه مجلس النواب في الأسبوع الماضي التوجه الاجتماعي الجديد للمملكة، من أهم لبنات الإقلاع الاجتماعي الحقيقي، الذي باتت المملكة المغربية مقبلة على تنزيله، باعتباره تجسيدا فعليا لأهمية المكانة، التي أضحت مختلف فئات المجتمع المغربي تحظى بها بفضل العناية الملكية. ويشكل خطاب العرش الذي وجهه صاحب الجلالة إلى الأمة في يوليوز الماضي أرضية للحل في ظل ثنائية الجرأة في طرح المشاكل ووضع الأصبع على جرح الاختلالات، وابتكار الحلول لتوقيف أي نزيف محتمل، وفي هذا الصدد قال جلالته في خطاب العرش "إن عملنا لا يقتصر على مواجهة هذا الوباء فقط، وإنما يهدف أيضا إلى معالجة انعكاساته الاجتماعية والاقتصادية، ضمن منظور مستقبلي شامل، يستخلص الدروس من هذه المرحلة والاستفادة منها". وكان للنواقص التي كشفت عنها الأزمة الناجمة عن وباء فيروس كورونا المستجد كوفيد 19 خاصة كما قال جلالته "في المجال الاجتماعي. ومن بينها حجم القطاع غير المهيكل؛ وضعف شبكات الحماية الاجتماعية، خاصة بالنسبة للفئات الأكثر هشاشة، وارتباط عدد من القطاعات بالتقلبات الخارجية"، تأثير فرض التفاعل للتصدي للظاهرة التي من شأنها كبح جماح التطور المنشود. وفي إطار الثنائية التي أشرنا إليها قدم جلالته الحل، وقال في هذا الصدد "لذا، نعتبر أن الوقت قد حان، لإطلاق عملية حازمة، لتعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة، خلال الخمس سنوات المقبلة. وندعو للشروع في ذلك تدريجيا، ابتداء من يناير 2021، وفق برنامج عمل مضبوط، بدءا بتعميم التغطية الصحية الإجبارية، والتعويضات العائلية، قبل توسيعه، ليشمل التقاعد والتعويض عن فقدان العمل". مع التأكيد على ما يتطلب المشروع من إصلاحات حقيقية "للأنظمة والبرامج الاجتماعية الموجودة حاليا، للرفع من تأثيرها المباشر على المستفيدين، خاصة عبر تفعيل السجل الاجتماعي الموحد". إن المشروع الذي نحن بصدد الحديث عنه والذي وضع جلالة الملك أهدافه في المدة الزمنية، التي ينبغي أن يكتمل فيها تعميمه يجسد إقلاعا اجتماعيا حقيقيا لكونه موجها يهدف إلى "حماية الفئات الفقيرة والهشة والأسر ذات الدخل المحدود ضد مخاطر الطفولة، والمرض، والشيخوخة، وفقدان الشغل". نعم، نحن بصدد إقلاع اجتماعي حقيقي، فكما قال وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة أمام البرلمان يستهدف المشروع "حوالي 22 مليون مغربي (من بينهم 11 مليون منخرط في نظام المساعد الطبية "راميد" الحالي، و11 مليونا من المهنيين والتجار والفلاحين والصناع التقليديين وأصحاب المهن الحرة)، سيستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض بنفس الخدمات وسلة العلاجات التي يستفيد منها الأجراء في القطاع الخاص حاليا". وسيمكن هذا المشروع رغم ضخامة اعتماداته المالية من القطع مع اعتبار التغطية الاجتماعية استثناء وامتيازا، فالأرقام التي تحدث عنها وزير المالية كبيرة جدا، لكن انعكاساته على فئة عريضة من الشعب، وهي غاية جلالة الملك، أكبر من كل الأرقام، إذ يتطلب هذا المشروع المجتمعي الرائد تعبئة حوالي 51 مليار درهم سنويا، وستتحمل الدولة حسب الوزير نفسه "تكاليف الاشتراكات بالنسبة ل11 مليون منخرط في نظام المساعد الطبية "راميد" الحالي، الذين ينتمون للفئات الهشة والفقيرة بغلاف مالي سنوي يناهز 9 ملايير درهم، أي بزيادة سنوية تقدر ب7 ملايير درهم مقارنة مع النفقات الخاصة بشراء الأدوية في إطار نظام راميد الحالي". فضلا عن التعويضات العائلية التي ستهم "حوالي سبعة ملايين طفل في سن التمدرس" حسب ما أكده رضا بن عمار، مدير الدراسات والتواصل والتنمية بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الأسبوع الماضي خلال لقاء مناقشة نظمه حزب التقدم والاشتراكية. نحن مقبلون على رهان سيعكس دون شك التميز المغربي، لهذا ينبغي أن تتضافر جهودنا جميعا من أجل إنجاح التجربة، التي لن تخص انعكاساتها الإيجابية الفئات المستهدفة فقط، وهذا ما ينبغي أن نعيه جميعا، فالإقلاع الاجتماعي هو المخرج، وسبيلنا للارتقاء.