ذكر الوسيط في مذكرة أصدرها أول أمس الاثنين، حول مشروع القانون المالي لسنة 2016، أن قصور البرلمان يتبين من خلال حصيلة التصويت على المشروع في مجلس النواب، إذ رفضت الحكومة أكثر من 100 تعديل من 240 تعديلا قدمت من قبل الأغلبية والمعارضة، واكتفت بقبول 51 تعديلا مقابل سحب باقي التعديلات، معلنا أن هذا القصور "يكشف عن انفراد السلطة التنفيذية بمهمة حفظ التوازن المالي بشكل أحادي، بما لا يأخذ بعين الاعتبار التقدم الذي جاءت به المادة 77 من الدستور، إذ أصبحت تلك المسؤولية مشتركة بين البرلمان والحكومة". وسجل الوسيط "تعثر تنزيل مقتضيات القانون التنظيمي للمالية الخاصة بتقديم مشروع القانون المالي بما يعزز مقروئيته لدى النواب، ما من شأنه عدم تمكين المشروعين من ممارسة دورهم التشريعي بفعالية، وعدم تحقيق أي تغيير في طريقة تقديم المشروع خلال أول سنة لدخول مقتضيات القانون التنظيمي للقانون المالي حيز التطبيق". وخلص إلى ان الإطار العام لمناقشة المشروع مازال يحد من إمكانية المبادرة التشريعية في المجال المالي، رغم التزايد الملحوظ لعدد التعديلات المقدمة من طرف الفرق البرلمانية، أو المقبولة من طرف الحكومة، ورغم ارتفاع منسوب المعلومات والوثائق ذات الصلة التي تقدمها الحكومة. كما سجل "التفوق الواقعي للحكومة في مسلسل صياغة القانون المالي، والفارق في الموارد والوسائل المادية والبشرية المرصودة للبرلمان يجعل العلاقة غير متكافئة بين البرلمان والحكومة، على نحو يجعل مناقشة مشروع القانون المالي تبتعد عن المقتضيات المتضمنة في المشروع، لغياب توفر القدرة على تملك المشروع ورصد نقائصه وتوجهاته، التي تأخذ في الغالب طابعا تقنيا". وأبرزت المذكرة "غياب هيكلة موضوعية للحقل السياسي على أسس اختيارات مذهبية"، موضحة أن ذلك "يظهر جليا على مستوى الاصطفافات المسجلة خلال تشكيل الحكومة في نسختيها الأولى والثانية، والأمر نفسه بالنسبة للمعارضة. وبخصوص المحددات الظرفية للنقاش البرلماني حول مشروع قانون المالية، أوضحت المذكرة أن السياق العام المرتبط بمناقشة مشروع قانون المالية هذه السنة، همت "تصدعات حقيقية في صفوف الأغلبية والمعارضة، فضلا عن هشاشة الأغلبية الداعمة للحكومة، ما عمق ضبابية المشهد السياسي واصطفافاته الرئيسية"، متسائلة عن قدرة الحكومة وأغلبيتها على مواصلة تنفيذ التزاماتها البرنماجية في أفق الانتخابات التشريعية المقبلة، ومدى قدرة المعارضة البرلمانية على تقديم بدائل حقيقية، خصوصا على ضوء تعدد المواقف المعبر عنها خلال التصويت على مشروع القانون المالي، التي توزعت بين الرفض والامتناع والموافقة. وبالنسبة للجوانب الإجرائية في مشروع قانون المالية، أبرز الوسيط أن هدف النمو الاقتصادي، الذي حدد في 3 في المائة، يطرح إشكالات تهم أن "نسبة النمو المستهدفة ستظل أقل من النسبة المسطرة في البرنامج الحكومي، وأن النسبة المستهدفة تسائل الاختيارات الاقتصادية المنتهجة طوال الأربع سنوات الماضية، ومدى قدرتها في التأثير بشكل إيجابي في النموذج الاقتصادي الوطني، وحجم مفعولها في تقليص الهشاشة البنيوية للاقتصاد الوطني". وفي السياسات الاجتماعية، اعتبرت المذكرة أن المشروع يطور نفقات التسيير على حساب نفقات الاستثمار المتعلقة بالقطاعات الاجتماعية، مع تراجع الميزانية المرصودة لبعض القطاعات الاجتماعية، بشكل "يعكس عمق تحكم هاجس تقليص تحملات الدولة انسجاما مع هدف التوازنات الماكرو اقتصادية".