هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء        الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    "دور الشباب في مناصرة حقوق الإنسان" موضوع الحلقة الأولى من سلسلة حوار القيادة الشبابية    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    وفاة ضابطين اثر تحطم طائرة تابعة للقوات الجوية الملكية اثناء مهمة تدريب        أمن البيضاء يوقف شخصا يشتبه في إلحاقه خسائر مادية بممتلكات خاصة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحامي خالد هلال يكتب "المحاكمة الزجرية عن بعد ومبدأ الشرعية الإجرائية"

تعتبر المحاكمة العادلة حق من حقوق الإنسان الأساسية التي تهدف إلى حماية الأفراد من المساس بحقوقهم أو الانتقاص أو الحرمان منها، ولأهميتها نصت عليها الاتفاقيات الدولية وكرستها الدساتير الوطنية وعملت التشريعات الداخلية الإجرائية على تنظيمها، كما أنها مؤشر على مدى احترام الدولة لكرامة المواطن وفق ما هو متعارف عليه دوليا. ومقياسا أصيلا في بناء دولة الحق والقانون ودليلا على صحة وسلامة النظام القضائي والجنائي.
وإذا كان المشرع الجنائي في قانون الأبرياء أقر صراحة بمبدأ قرينة البراءة في مادته الأولى ونص في ختامه على أن الإجراءات القانونية المتخذة من قبل الأجهزة المتدخلة في سير المسطرة الجنائية يجب أن تتم وفق ما أقره المشرع من قواعد تحت طائلة اعتبارها كأنها لم تنجز.
وأن تمسك المتهم أمام المحكمة الزجرية ببطلان الإجراءات المرتبطة بالبحث التمهيدي أو المتابعة أو التحقيق او المحاكمة لوجود اخلالات مسطرية ماسة بحقوقه وحرياته لا يتأتى إلا في شكل دفوع أولية وشكلية وقتية قد تسقط بفوات الحق فيها.
ولذلك لا يقبل منطقا ولا قانونا تصور محاكمة تختل فيها شرعية قواعد المسطرة والتي أحاطها المشرع بجزاءات مختلفة ومنها البطلان والإبطال.
وبما أن مبدأ الشرعية الإجرائية صار من المبادئ الهامة، وهو بلا شك يمثل ضمانة لكل أفراد المجتمع قبل أن يعتبر من أهم ضمانات المتهم لأنه مبدأ موحد في كل دساتير العالم ويكاد مختلفا عن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، الذي يثير الكثير من الاختلاف عل مستوى الأنظمة الوضعية المقارنة.
وفي ظل الوضع الوبائي الذي تعيشه جل دول العالم، و منها بلادنا في تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد (كوقيد 19) شرعت وزارة العدل في تطبيق و أجرأة نظام "المحاكمة الزجرية عن بعد" باستخدام تكنولوجيا التواصل بين المتهمين نزلاء المؤسسات السجنية من جهة، والقضاة من جهة ثانية، بتنظيم جلسات التقاضي والمحاكمة عن بعد في إطار تنفيذ التدابير الاحترازية، وتعزير الأمن الصحي للسجناء ومكونات أسرة العدالة ولا شك أن هذا الإجراء الاحترازي في هذه الظرفية مرتبط بأفق المحكمة الرقمية مستقبلا في إطار المشاريع الاستراتيجية التي تشتغل عليها الوزارة في سياق تنفيذ خطة الإصلاح الشامل لمنظومة العدالة.
لا أحد منا يجادل في هذه المبادرة الاحترازية والمؤقتة في ظل غياب تشريع، إذا كان هدفها الأمن الصحي وحماية الأفراد وسلامتهم من الأخطار وتكريسا للحق في الحياة كما ينص على ذلك الفصل 20 من دستور2011، لكن احتراما لمبدأ الأمن القانوني، الذي يعد غاية القانون، وظيفته تأمين النظام القانوني من العيوب والإخلالات وهو مبدأ أسست له المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
وإذا كان تصدير دستور 2011 أسس على حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني من جهة وجعل الاتفاقيات الدولية المصادق عليها في نطاق أحكام الدستور والقوانين تسمو على التشريعات الوطنية من جهة ثانية.
فإلى أي حد ستساهم تقنية المحاكمة الزجرية عن بعد كإجراء احترازي مؤقت مع حالة الطوارئ في حماية سلامة وصحة المتهمين نزلاء المؤسسات السجنية وأطراف الخصومة الجنائية ومكونات أسرة العدالة؟ وهل هذه التقنية تتعارض مع مبادئ وحقوق الدفاع المتعارف عليها دوليا؟ وما هو الإطار والسند القانوني لهذه التقنية؟
يحق لنا من خلال الإشكالية طرح الأسئلة الفرعية التالية:
- ما هو سند اعتماد تقنية -video conférence - في إطار محاكمة زجرية عن بعد؟
- هل هذه التقنية مباحة ولا تتعارض مع قواعد المحاكمة العادلة ؟
- هل حالة الطوارئ والظرفية الوبائية تبرر اللجوء إلى هذه التقنية الاحترازية لمحاكمة السجناء عن بعد؟
- هل هذه المحاكمة تساير مبادئ حقوق الإنسان وما أملته المواثيق والاتفاقيات الدولية ؟
- هل هذا الإجراء الاحترازي يضمن أليات الحضورية والعلانية في المحاكمة؟
- كيف يمكن للقاضي الجنائي أن يحكم حسب اقتناعه الصميم في ظل محاكمة عن بعد؟
- وهل هذه المحاكمة تتوقف على إذن كتابي أو شفوي أو موافقة صريحة من أطراف الخصومة الجنائية؟ وهل الموافقة الصريحة لأحد أطراف الخصومة الجنائية دون الأطراف الأخرى تجيز المحاكمة؟
تلكم مجموعة من التساؤلات التي قضت مضجع العديد من أقلام الباحثين والحقوقيين والإعلاميين، سنحاول بكل تواضع المساهمة في الإجابة ولو عن بعضها بقلم حر مليء بمداد من ضمانات وحقوق المتهم من خلال الواقع والقانون والممارسة المهنية.

أولا: التأطير القانوني والتشريعي لتقنية المحاكمة الزجرية عن بعد
كان للتطور العلمي و التكنولوجي الكبير الحاصل في عصرنا الراهن أثره الواضح في كافة مرافق الحياة المعاصرة، الأمر الذي أدى إلى استفادة العديد من القطاعات العامة والخاصة من هذا التطور وفي ظل تطور المعطيات التكنولوجية الحديثة و متطلبات القواعد الجزائية، جعل بعض التشريعات الجزائية تحاول إعادة النظر في المبادئ القانونية المستقرة و استحداث قواعد ووسائل جديدة تواجه كل المشكلات و الظروف الطارئة لخدمة العدالة الجزائية ولمسايرة التطور العلمي الحاصل.
وتعد تقنية المحاكمة الزجرية عن بعد عبر وسيلة- video conférence - من أهم ثمار تلك الجهود، اذ تعتبر هذه الوسيلة خروجا عن الطابع التقليدي في ميدان التحقيق والمحاكمة الذي أتسم به مرفق العدالة الجنائية، إلى طابع تكنولوجي و إلكتروني عصري لتحقيق محاكمة جزائية عن بعد، والتي تعتمد إحدى وسائل الاتصال المرئي السمعي –البصري من خلال الأنترنيت ، حيث يثم نقل الصوت و الصورة لمجموعة من الأشخاص المجتمعين في مكان ما إلى مجموعة أخرى من الأشخاص المجتمعين في مكان آخر، وهي تقنية تطلبت وجود أنترنيت ذات سرعة عالية و ميكروفونات وسماعات ذات جودة معقولة وكذلك كاميرات الويب أو" webcam " يستطيع المشتركون فيه التحقيق أو المحاكمة سماع ورؤية الطرف الأخر في نفس الوقت كما لو كان الاجتماع في نفس المكان وليس في مكانين متباعدين.
وأنه ارتباطا بهذا التطور التكنولوجي العلمي، لم نجد ضمن التشريع الجنائي ببلادنا أية نصوص إجرائية سواء في قانون المسطرة الجنائية أو سواء ضمن مجموعة القوانين الجنائية ما يوثق ويؤطر لاستعمال تقنية -video conférence -في إطار المحاكمة الزجرية عن بعد.
وأنه بالرجوع الى مشروع قانون المسطرة الجنائية في مجمل مستجداته ومن خلال التجربة المهنية لأسبوع من الممارسة بعد انطلاق تنظيم جلسات المحاكمة الزجرية عن بعد تنفيذا للتدابير الاحترازية وتعزيزا للأمن الصحي للسجناء ومكونات أسرة العدالة.
وغير خاف أنه بغض النظر عن غياب النص التشريعي والسند القانوني الذي يؤطر هذه المحاكمات عن بعد. إلا أنه وإحساسا من المحامي بما تمليه الظرفية المؤقتة وما تعيشه بلادنا من تفشي لجائحة فيروس كرونا المستجد (كوفيد19) لبى المحامون نداء رسالة الدفاع النبيلة ونداء الوطن الحبيب بكل تضحية وتفان وخروجهم إلى إعلاء رسالة الدفاع الإنسانية و المشاركة في تجربة المحاكمة الزجرية عن بعد محاولة منهم لإبراز مكامن سلبيات وإيجابيات هاته التجربة وما تتطلبه المحاكمة العادلة من حقوق وضمانات مسؤولين عن حمايتها وإثارة كل خرق أو إخلال بشأنها.
وإذا كان كما سبق الإشارة إليه وفي ظل غياب أي نص تشريعي أو سند قانوني يمكن من الاستناد اليه لتبرير اللجوء إلى هذه التجربة ، من غير مشروع ق.م.ج في بعض نصوصه أتاح استثناءات في بعض مقتضياته إمكانية اللجوء الى تقنية (video conférence ) عنونها باستعمال وسائل الاتصال عن بعد، وفق ما نصت على المادة 1-193 في الباب العاشر مكرر بعنوان (استعمال تقنيات الاتصال عن بعد) و التي خولت لقاضي التحقيق تلقائيا عندما تحول أسباب جدية دون حضور الضحية أو المتهم أو الشاهد أو الخبير أو المطالب بالحق المدني أو لسبب البعد عن المكان الذي يجري فيه التحقيق إمكانية تلقي التصريحات أو الاستماع اليهم عبر تقنية الاتصال عن بعد تضمن سرية البث .
كذلك المادة 2 -193 من المشروع منحت لقاضي التحقيق إمكانية الاستماع إلى الشهود عن طريق وسائل الاتصال عن بعد في إطار إنابة قضائية يوجهها الى قاضي التحقيق بالمحكمة التي يوجد بدائرتها الشخص المراد الاستماع إليه عن بعد.
وكذلك ما جاء النص عليه في المادة 4-347 التي منحت للمحكمة إمكانية تلقائية أو بناء على ملتمس النيابة العامة أو أحد الأطراف أو من ينوب عنهم تطبيق مقتضيات المادة 1-193 من هذا المشروع بسبب البعد الجغرافي عن مكان المحاكمة.
كما أن المشروع في مادته 5 - 347 قيد سلطة هيئة المحكمة وألزمها بتعليل وتبيان أسباب اللجوء لتقنية الاتصال عن بعد للاستماع إلى الأشخاص موضوع الإجراء القانوني، وخولت لهيئة المحكمة توجيه إنابة قضائية إلى المحكمة التي يوجد بدائرتها الشخص أو الأشخاص المعنيون بالأمر للسهر على عملية الاستماع إليهم عن بعد ، يتولاها رئيس المحكمة الموجهة إليها الإنابة القضائية في الإشراف على هذا الاجراء بتعينه لقاضي تكون مهمة تنفيد الإنابة القضائية باستدعاء الشخص أو الأشخاص و الاستماع اليه أو استنطاقه أو المواجهة أو تلقي تصريحات مباشرة من قبل الهيئة القضائية التي أصدرت الانابة.
وحيت نسجل أنه في ظل هذا المشروع الذي نعتبره من حيث المبدأ نقلة تشريعية مهمة في مواكبة التطور التكنولوجي الدولي وضرورة ملحة في استحداث قواعد ووسائل أتصال جديدة لخدمة وتطوير العدالة الجنائية.
لكن نسجل أنه مشروع غير متكامل من حيث البنية التحتية اللوجستيكية وغير منسجم من حيث نصوصه مع مستجدات الظروف العملية والتطبيقية له مستقبلا ومن ذلك فاللجوء إلى تقنية المحاكمة الزجرية عن بعد من خلال المشروع لم توضح أطراف الخصومة وباقي الأشخاص المتدخلين فيها بحيث جاءت شاملة بجميع الأطراف دون تحديد دور كل واحد عكس إجراءات التحقيق التي استثنت المتهم من هذه التقنية وخاصة المادة 1-193.
كما أن المشروع حصر الأسباب المبررة للجوء الى هذه التقنية وربطها بتعذر حضور المتهم وباقي الأطراف والمتدخلين في الخصومة أو لبعد أحدهم عن مكان المحاكمة أو التحقيق. والتي يتعين معه الثريت وإعادة الصياغة التشريعية وفق مقومات مبادئ حقوق الإنسان ومبادئ المحاكمة العادلة مع إشراك هيئات المحامين بالمغرب وهي المعنية بالممارسة المهنية اليومية والمسؤولة عن حماية حقوق الدفاع ومنظومة حقوق الإنسان.

ثانيا: التأطير الحقوقي لتقنية المحاكمة الزجرية عن بعد
إن الشرعية الإجرائية هي القاعدة الثانية من قواعد الشرعية الجنائية وهي تشترك مع باقي حلقاتها في اشتراط أن يكون القانون هو المصدر لكل إجراء يسمح بالمساس بالحرية أو انتهاك الحقوق فلا يجوز القيام باي إجراء ضد المتهم أو إخضاعه لأي إجراء من إجراءات المحاكمة، لم يكن منصوصا عليه في قانون المسطرة الجنائية.
ويترتب على مبدأ قانونية الإجراءات الجنائية أن المشرع هو المختص وحده بتحديد قواعد المسطرة الجنائية ، وعليه يمنع على باقي السلط أن تشاركه في ذلك، سواء كانت تابعة للجهاز التنفيذي أو للجهاز القضائي، وتبعا لما ذكر فانه يمنع على الحكومة إصدار دوريات أو مناشير تتضمن إجراء أو تعديلا لقواعد المسطرة الجنائية ، وكل ما تملكه هو إصدار المراسيم المتعلقة بتنفيذ هذه القوانين ، ذلك أن أي قرار إداري يتولى معالجة أمر يتعلق بالخصومة الجنائية يكون مشوبا بعدم الدستورية، الشيء نفسه يقال بالنسبة للسلطة القضائية التي عليها الامتناع عن تطبيق إجراءات تمس سريان الدعوى العمومية دون أن يكون منصوصا عليها في قانون المسطرة الجنائية ، ولو كان ذلك بتفويض من المشرع .
وإذا كان المبدأ الحقوقي شموليا في تكريس مبادئ حقوق الإنسان ومنها الحق في الحياة كأول الحقوق وحق الفرد في السلامة الصحية وصحة أسرته الفصل 20و21 من دستور 2011.
وإذا كانت المقاربة الصحية في ظل الوضع الوبائي الذي تعيشه جل دول العالم ومنها بلادنا تعرف تفشي جائحة خطيرة من فيروس مستجد (كوفيد19) تدعوا إلى اتخاذ إجراءات احترازية ، فإن اللجوء في اعتقادنا والمتواضع إلى تقنية المحاكمة الزجرية عن بعد، هو إن كان موضوعي يهدف إلى حماية سلامة وصحة الأفراد من خطر جائحة فيروس كرونا الذي يعد من الأخطار التي قد تذهب بحياة الأفراد و أسرهم ، فإن المقاربة الحقوقية تقتضي احترام ما هو قانوني من حقوق المتقاضين وقواعد تسيير العدالة كما نص على ذلك الفصل 117 وما يليه من دستور 2011، وأن الفصل 120 منه أسس لشروط المحاكمة العادلة بأن تكون المحاكمة داخل أجل معقول، لأن تأجيل محاكمة أشخاص يوجدون رهن الاعتقال يتعارض مع مبدأ قرينة البراءة التي هي حق من حقوق المتهم و التي تلازمه مند ولادته وطيلة حياته وقاعدة الشك يفسر لصالح المتهم، فاحترام هذه الضمانات الإجرائية كلها رهين بسلامة نظام قضائي جنائي .
وإذا كان مبدأ الملائمة يقضي أن يكون أي تشريع وطني ملائم للاتفاقيات الدولية. وأنه في ظل غياب تشريع إجرائي يبيح المحاكمة الزجرية عن بعد، وإعمالا للقاعدة الفقهية "الضرورات تبيح المحظورات" فإنه في نظرنا المتواضع، تبقى تقنية إجراء المحاكمة الزجرية عن بعد في ظل غياب السند القانوني وفي ظل المقاربة الصحية يتطلب من القاضي الاجتهاد في تدبير المرحلة من خلال اتخاذ إجراءات لا تتعارض مع قانون المسطرة الجنائية من جهة ومبادئ المحاكمة العادلة من جهة أولى من خلال استحضار البعد الإنساني والحقوقي لهذه المحاكمة.

ثالثا: التأطير الواقعي والتقني والجزاء القانوني للمحاكمة الزجرية عن بعد
إن إجراء محاكمة زجرية عن بعد في ظل هذه الظرفية لتصريف ملفات السجناء المعتقلين وتمتيعهم بحقهم في محاكمة داخل أجل معقول دون تأخير تجد صعوبات واقعية من حيث عدم توافر نظام دعائم الكتروني يوفر نقل الصورة والصوت من مؤسسة السجن لهيئة المحكمة وأطراف الخصومة الجنائية بشكل جماعي ومشترك يسمح لكل طرف في الدعوى الجنائية أن يتتبع مباشرة إجراءات المحاكمة.
وأن هذا المقتضى هو من أعدم هذه التقنية ، لأن استعمال وسائل الاتصال لإجراء هذه المحاكمة عن بعد يتطلب مبدأ الحضورية والشفوية والعلانية، فحتى الحضورية إن كانت عبر الصورة و الصوت فهي غير مكتملة لأن هيئة المحكمة صعب عليها أن تساير إجراءات استجواب واستسفار المتهم من مكان وجوده بالمؤسسة السجنية لضعف وجود انترنيت ذا سرعة عالية، وميكروفونات وسماعات ذات جودة عالية وكاميرات الويب سهلة النقل دون تعطل، كما أن إمكانية إجراء محاكمة عن بعد تتوقف على موافقة صريحة للمتهم ولكافة أطراف الدعوى الجنائية في استعمال هذه التقنية وهو إجراء كذلك محل مناقشة قانونية من حيث أن وجود المتهم بالمؤسسة السجنية يعدم إرادته، فقد يوافق على التقنية عبثا دون أدنى معرفة بها وبحقوقه القانونية، ودون أن يكون له محام للتخابر معه بشأنها.
وقد يرفض التقنية وفي هذه الحالة يتعين على هيئة المحكمة ارجاء محاكمته إلى أجل اخر بقصد حضوره الذاتي والمادي للمحكمة.
كما أن من بعض الملاحظات التي سجلت على هذه التقنية في الطرح الأول بعد افتراض موافقة صريحة للمتهم على تقنية المحاكمة عن بعد ما يلي:
-صعوبة إطلاع المتهم على ما تضمنه المحضر من إجراءات تمهيدية.
-صعوبة إطلاع المتهم على محضر تصريحه في حالة منازعته في المادة 24 من ق م ج بخصوص توقيعه أمام الضابطة القضائية.
-صعوبة إطلاع المتهم على المحجوزات وعرضها عليه ومواجهته بها.
-في الحالة التي يرفض فيها المتهم الخروج من زنزانته إلى مقر غرفة الاتصال بالمؤسسة السجنية لحضور الجلسة عن بعد، هل ستطبق في حقه المادة 314 من ق م ج؟
-بالنسبة لجرائم الجلسات، إذا كان المتهم نفسه هو من أحدث اضطرابا تطلب طرده من الجلسة بتفعيل المادة 358 ق م ج واستمرت المناقشة في غيبة المتهم كيف يمكن لكاتب الضبط أن ينتقل إلى المؤسسة السجنية في ظل حالة الطوارئ لتلاوة محضر المناقشات والملتمسات والأحكام والقرارات التمهيدية الصادرة مند طرده.
-المادة 385 من ق م ج تنص على حق المتهم في طلب أجل لإعداد دفاعه واختيار محام كيف سيتم اختيار محام من طرفه في ظل انعدام وسائل الاتصال و التواصل و المخابرة مع عائلته في ظل جائحة كورونا مع قرار منع إخراج السجناء من المؤسسة السجنية .علما أن هذا الحق ينتج عنه البطلان في حالة مخالفته.
هذه بعض الملاحظات الواقعية والتقنية لإجراءات المحاكمة الزجرية عن بعد والتي ستطرح لامحالة مستقبلا جزاءات قانونية من (بطلان وإبطال) اعتبارا للمواد 300و 324 و370 و374 و751 من قانون المسطرة الجنائية.
وفي خصم هذا النقاش القانوني الذي أثير حول مدى صحة إجراءات المحاكمة الزجرية عن بعد من عدمها ومدى سلامتها من الناحية القانونية بعد استحضار كل من البعد القانوني والبعد الحقوقي وكذا البعد التقني والواقعي واستحضارا للأمن الصحي.

يطرح السؤال العريض التالي:
هل المحاكمة الزجرية عن بعد لها تأثير وأثر على السلطة التقديرية للقاضي الجنائي؟ بمعنى هل لها تأثير على الاقتناع الصميم الذي اشترطته المادة 286 من ق م ج وبصورة متكررة من خلال الإشارة المتكررة "... ويحكم القاضي حسب اقتناعه الصميم.... ويجب أن يتضمن المقرر ما يبرر اقتناع القاضي...."
من هنا لا بد أن نقف على تعريف ومعنى الاقتناع ومعنى الصميم:
•فالاقتناع في معجم المعاني الجامع يعني الارتياح والقبول والاطمئنان، والاقتناع في الفقه الجنائي يعني أن للقاضي الجنائي مطلق الحرية في قبول جميع الأدلة التي يقدر جدواها لتكوين قناعته واستبعاد أي دليل لا يطمئن اليه.
• والصميم في معنى معجم المعاني الجامع يعني العمق، الخالص، الوسط، وقانونا يعني أن القاضي الجنائي غير مقيد بوسائل اثبات دون الأخرى في الأدلة المعروضة عليه
ومن هذا نجد أن القاضي الجنائي يبحث في الأدلة والقرائن والوسائل ويأخذ بما اطمئن إليه وجدانه وقلبه بصفة خالصة وعميقة، وهو إحساس ذاتي داخلي لا يصل أليه القاضي الجنائي إلا في إطار محاكمة حضورية للمتهم وباقي أطراف الخصومة الجنائية.
كما أنه لا شك في أن تمكين المتهم من حضور محاكمة عن قرب دور كبير في طمأنته ويشكل ضمانة هامة له تساعد القاضي الجنائي من ملامسة وقائع القضية من خلال حركات المتهم وانفعالاته وطريقة إجابته ومحيا وجهه وتصرفات جسده وملامح سرده وأنه أثناء مواجهته سواء بمعطيات القضية من محجوزات وشهود سيساهم في تعميق القاضي الجنائي ودراسة كل العوامل النفسية والبيئية للمتهم لتكوين قناعته الوجدانية من خلال عملية سلوكية إحساسية، تلتقي فيها المعرفة والإدراك من جهة والإحساس والشعور من جهة تانية لاتخاذ القرار الجنائي المناسب فالتواجهية وسيلة وغاية في آن واحد تمكن القاضي الجنائي من التوصل الى قناعة وجدانية سليمة لا تتأتى الا بحضور المتهم جسدا وذاتا وليس في شكل صورة وصوت عبر وسائل الاتصال.

وكخلاصة لكل ما سبق،
فان المحاكمة الزجرية عن بعد المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد هي محاكمة تعتريها صعوبات لوجستيكية تقنية وأخرى بشرية فرضتها حالة الطوارئ التي تعيشها كل دول العالم وتبقى تجربة ضرورية تبررها حالة الطوارئ الصحية ومقاربة الأمن الصحي في إطار حماية منظومة النظام العام لأن السلامة الصحية جزء لا يتجزأ من النظام العام في انتظار إعادة النظر في الصياغة القانونية لمشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد وشرعنة تقنية المحاكمة الزجرية عن بعد مع ملائمتها لمبادئ حقوق الانسان والمواثيق الدولية.

بقلم الأستاذ خالد هلال
المحامي بهيئة الدار البيضاء
عضو المكتب التنفيذي للجمعية الدولية للدفاع عن حقوق الانسان والاعلام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.