الإدارة السورية الجديدة تُعلن أحمد الشرع رئيساً للبلاد    مجلة الشرطة تسلط الضوء في عددها الجديد على الشرطة السينوتقنية (فيديو)    بسبب سوء الأحوال الجوية.. وزارة التجهيز تهيب بمستعملي الطرق توخي الحيطة والحذر    جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام 2025 تكرّم جهود بارزة في نشر المعرفة الإسلامية    المغرب التطواني يتعاقد مع مدير رياضي تداركا لشبح السقوط    وزارة التجهيز تحذر مستعملي الطرق من سوء الأحوال الجوية على خلفية نزول أمطار رعدية قوية    طنجة: تساقطات مطرية غزيرة وسيول جارفة تغرق عددا من الأحياء الشعبية (فيديو)    رسمياً..أحمد الشرع رئيسًا لسوريا    محكمة الاستئناف بطنجة: البت في 328.704 قضية خلال سنة 2024    وفاة الكاتب الصحفي والروائي المصري محمد جبريل    الحموشي يجري سلسلة اجتماعات بمدريد لتوسيع مجالات التعاون الأمني مع إسبانيا وألمانيا    نادي "غلطة سراي" يودع زياش    بلجيكا تؤكد دعمها لمبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي لقضية الصحراء.. توجه أوروبي متزايد لدعم السيادة المغربية    أخنوش يذكر بالولوج العادل للأدوية    أونسا يؤكد إخضاع مشروبات "كوكا كولا" لمراقبة صارمة    جهة طنجة-تطوان-الحسيمة تستفيد من استثمارات استراتيجية ضمن 17,3 مليار درهم صادقت عليها اللجنة الوطنية للاستثمارات    الشبكة الكهربائية.. استثمار يفوق 27 مليار درهم خلال السنوات الخمس المقبلة    قيادة حزب الاستقلال تدعم سعي نزار بركة إلى رئاسة الحكومة المقبلة    معهد التاريخ يبرز عالمية المغرب    رسميا.. الوداد يعزز صفوفه بضم مالسا    حصيلة أداء اليوم ببورصة البيضاء    جائزة عبد الله كنون تكرّم الإبداع الفكري في دورتها الثانية عشرة حول "اللغة العربية وتحديات العولمة"    مركز الإصلاح يواجه الحصبة بالتلقيح    انهيار الطريق بين الحسيمة والجبهة..اتخاذ عدة إجراءات لضمان استمرار حركة السير    6 أفلام مغربية ضمن 47 مشروعا فازت بمنح مؤسسة الدوحة للأفلام    حزب "النهج" يستنكر التعسف في هدم المنازل بالأحياء المهمشة    إفران تطمح إلى الحصول على العلامة الدولية لمدينة نظيفة 100 في المائة    طقس المغرب: رياح قوية وأمطار رعدية وتساقطات ثلجية بهذه المناطق    مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة يطلق منصة رقمية لتعزيز الشفافية في دعم الجمعيات والتعاونيات    الفنان المغربي علي أبو علي في ذمة الله    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    ساعة نهاية العالم تقترب أكثر من منتصف الليل.. 89 ثانية تفصلنا عن الكارثة    الريان يعلن إنهاء التعاقد مع المغربي أشرف بن شرقي    تقرير: 66% من أسئلة النواب دون جواب حكومي والبرلمانيات أكثر نشاطا من زملائهن    ترامب يأمر بتقييد إجراءات عمليات التحول الجنسي للقاصرين    الطيب حمضي ل"رسالة 24″: تفشي الحصبة لن يؤدي إلى حجر صحي أو إغلاق المدارس    أمراض معدية تستنفر التعليم والصحة    المؤسسة الوطنية للمتاحف وصندوق الإيداع والتدبير يوقعان اتفاقيتين استراتيجيتين لتعزيز المشهد الثقافي بالدار البيضاء    ليفاندوفسكي:" أرغب في إثبات أن العمر مجرد رقم"    دلالات ‬الموقف ‬المغربي ‬المتزن ‬و ‬المتفرد ‬من ‬رؤية ‬الرئيس ‬ترامب    توقيف مروج للبوفا مبحوث عنه بموجب مذكرات بحث وطنية    توقيف شخص بتهمة التخطيط لقتل وزير في الولايات المتحدة    المَطْرْقة.. وباء بوحمرون / الحوز / المراحيض العمومية (فيديو)    نجم كرة القدم الإسباني المعجزة لامين يامال إشترى لجدته وأمه وأبيه ثلاثة منازل في عمره 16 سنة    إجلاء 176 شخصًا بعد اندلاع النيران في طائرة بكوريا الجنوبية    التعاونيات كقوة دافعة للتنمية: نحو نظم زراعية وغذائية أكثر استدامة في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا    "كاف" يقرر رفع عدد المنتخبات المشاركة في "كان" تحت 17 سنة المقرر في المغرب إلى 16 منتخبا    الرجاء الرياضي يفك ارتباطه رسميا بالمدافع ياسر بالدي خلال فترة الإنتقالات الشتوية الحالية.    المغرب يتصدر قائمة الوجهات السياحية الموصى بها لعام 2025 من قبل كبار منظمي الرحلات البرازيليين    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون متعلق بنظام الضمان الاجتماعي    الذهب يصل إلى هذا المستوى    علاج غريب وغير متوقع لمرض "ألزهايمر"    عائلة الشاب حسني والشاب عقيل تمنع حفلهما بالمغرب    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحامي خالد هلال يكتب "المحاكمة الزجرية عن بعد ومبدأ الشرعية الإجرائية"

تعتبر المحاكمة العادلة حق من حقوق الإنسان الأساسية التي تهدف إلى حماية الأفراد من المساس بحقوقهم أو الانتقاص أو الحرمان منها، ولأهميتها نصت عليها الاتفاقيات الدولية وكرستها الدساتير الوطنية وعملت التشريعات الداخلية الإجرائية على تنظيمها، كما أنها مؤشر على مدى احترام الدولة لكرامة المواطن وفق ما هو متعارف عليه دوليا. ومقياسا أصيلا في بناء دولة الحق والقانون ودليلا على صحة وسلامة النظام القضائي والجنائي.
وإذا كان المشرع الجنائي في قانون الأبرياء أقر صراحة بمبدأ قرينة البراءة في مادته الأولى ونص في ختامه على أن الإجراءات القانونية المتخذة من قبل الأجهزة المتدخلة في سير المسطرة الجنائية يجب أن تتم وفق ما أقره المشرع من قواعد تحت طائلة اعتبارها كأنها لم تنجز.
وأن تمسك المتهم أمام المحكمة الزجرية ببطلان الإجراءات المرتبطة بالبحث التمهيدي أو المتابعة أو التحقيق او المحاكمة لوجود اخلالات مسطرية ماسة بحقوقه وحرياته لا يتأتى إلا في شكل دفوع أولية وشكلية وقتية قد تسقط بفوات الحق فيها.
ولذلك لا يقبل منطقا ولا قانونا تصور محاكمة تختل فيها شرعية قواعد المسطرة والتي أحاطها المشرع بجزاءات مختلفة ومنها البطلان والإبطال.
وبما أن مبدأ الشرعية الإجرائية صار من المبادئ الهامة، وهو بلا شك يمثل ضمانة لكل أفراد المجتمع قبل أن يعتبر من أهم ضمانات المتهم لأنه مبدأ موحد في كل دساتير العالم ويكاد مختلفا عن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، الذي يثير الكثير من الاختلاف عل مستوى الأنظمة الوضعية المقارنة.
وفي ظل الوضع الوبائي الذي تعيشه جل دول العالم، و منها بلادنا في تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد (كوقيد 19) شرعت وزارة العدل في تطبيق و أجرأة نظام "المحاكمة الزجرية عن بعد" باستخدام تكنولوجيا التواصل بين المتهمين نزلاء المؤسسات السجنية من جهة، والقضاة من جهة ثانية، بتنظيم جلسات التقاضي والمحاكمة عن بعد في إطار تنفيذ التدابير الاحترازية، وتعزير الأمن الصحي للسجناء ومكونات أسرة العدالة ولا شك أن هذا الإجراء الاحترازي في هذه الظرفية مرتبط بأفق المحكمة الرقمية مستقبلا في إطار المشاريع الاستراتيجية التي تشتغل عليها الوزارة في سياق تنفيذ خطة الإصلاح الشامل لمنظومة العدالة.
لا أحد منا يجادل في هذه المبادرة الاحترازية والمؤقتة في ظل غياب تشريع، إذا كان هدفها الأمن الصحي وحماية الأفراد وسلامتهم من الأخطار وتكريسا للحق في الحياة كما ينص على ذلك الفصل 20 من دستور2011، لكن احتراما لمبدأ الأمن القانوني، الذي يعد غاية القانون، وظيفته تأمين النظام القانوني من العيوب والإخلالات وهو مبدأ أسست له المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
وإذا كان تصدير دستور 2011 أسس على حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني من جهة وجعل الاتفاقيات الدولية المصادق عليها في نطاق أحكام الدستور والقوانين تسمو على التشريعات الوطنية من جهة ثانية.
فإلى أي حد ستساهم تقنية المحاكمة الزجرية عن بعد كإجراء احترازي مؤقت مع حالة الطوارئ في حماية سلامة وصحة المتهمين نزلاء المؤسسات السجنية وأطراف الخصومة الجنائية ومكونات أسرة العدالة؟ وهل هذه التقنية تتعارض مع مبادئ وحقوق الدفاع المتعارف عليها دوليا؟ وما هو الإطار والسند القانوني لهذه التقنية؟
يحق لنا من خلال الإشكالية طرح الأسئلة الفرعية التالية:
- ما هو سند اعتماد تقنية -video conférence - في إطار محاكمة زجرية عن بعد؟
- هل هذه التقنية مباحة ولا تتعارض مع قواعد المحاكمة العادلة ؟
- هل حالة الطوارئ والظرفية الوبائية تبرر اللجوء إلى هذه التقنية الاحترازية لمحاكمة السجناء عن بعد؟
- هل هذه المحاكمة تساير مبادئ حقوق الإنسان وما أملته المواثيق والاتفاقيات الدولية ؟
- هل هذا الإجراء الاحترازي يضمن أليات الحضورية والعلانية في المحاكمة؟
- كيف يمكن للقاضي الجنائي أن يحكم حسب اقتناعه الصميم في ظل محاكمة عن بعد؟
- وهل هذه المحاكمة تتوقف على إذن كتابي أو شفوي أو موافقة صريحة من أطراف الخصومة الجنائية؟ وهل الموافقة الصريحة لأحد أطراف الخصومة الجنائية دون الأطراف الأخرى تجيز المحاكمة؟
تلكم مجموعة من التساؤلات التي قضت مضجع العديد من أقلام الباحثين والحقوقيين والإعلاميين، سنحاول بكل تواضع المساهمة في الإجابة ولو عن بعضها بقلم حر مليء بمداد من ضمانات وحقوق المتهم من خلال الواقع والقانون والممارسة المهنية.

أولا: التأطير القانوني والتشريعي لتقنية المحاكمة الزجرية عن بعد
كان للتطور العلمي و التكنولوجي الكبير الحاصل في عصرنا الراهن أثره الواضح في كافة مرافق الحياة المعاصرة، الأمر الذي أدى إلى استفادة العديد من القطاعات العامة والخاصة من هذا التطور وفي ظل تطور المعطيات التكنولوجية الحديثة و متطلبات القواعد الجزائية، جعل بعض التشريعات الجزائية تحاول إعادة النظر في المبادئ القانونية المستقرة و استحداث قواعد ووسائل جديدة تواجه كل المشكلات و الظروف الطارئة لخدمة العدالة الجزائية ولمسايرة التطور العلمي الحاصل.
وتعد تقنية المحاكمة الزجرية عن بعد عبر وسيلة- video conférence - من أهم ثمار تلك الجهود، اذ تعتبر هذه الوسيلة خروجا عن الطابع التقليدي في ميدان التحقيق والمحاكمة الذي أتسم به مرفق العدالة الجنائية، إلى طابع تكنولوجي و إلكتروني عصري لتحقيق محاكمة جزائية عن بعد، والتي تعتمد إحدى وسائل الاتصال المرئي السمعي –البصري من خلال الأنترنيت ، حيث يثم نقل الصوت و الصورة لمجموعة من الأشخاص المجتمعين في مكان ما إلى مجموعة أخرى من الأشخاص المجتمعين في مكان آخر، وهي تقنية تطلبت وجود أنترنيت ذات سرعة عالية و ميكروفونات وسماعات ذات جودة معقولة وكذلك كاميرات الويب أو" webcam " يستطيع المشتركون فيه التحقيق أو المحاكمة سماع ورؤية الطرف الأخر في نفس الوقت كما لو كان الاجتماع في نفس المكان وليس في مكانين متباعدين.
وأنه ارتباطا بهذا التطور التكنولوجي العلمي، لم نجد ضمن التشريع الجنائي ببلادنا أية نصوص إجرائية سواء في قانون المسطرة الجنائية أو سواء ضمن مجموعة القوانين الجنائية ما يوثق ويؤطر لاستعمال تقنية -video conférence -في إطار المحاكمة الزجرية عن بعد.
وأنه بالرجوع الى مشروع قانون المسطرة الجنائية في مجمل مستجداته ومن خلال التجربة المهنية لأسبوع من الممارسة بعد انطلاق تنظيم جلسات المحاكمة الزجرية عن بعد تنفيذا للتدابير الاحترازية وتعزيزا للأمن الصحي للسجناء ومكونات أسرة العدالة.
وغير خاف أنه بغض النظر عن غياب النص التشريعي والسند القانوني الذي يؤطر هذه المحاكمات عن بعد. إلا أنه وإحساسا من المحامي بما تمليه الظرفية المؤقتة وما تعيشه بلادنا من تفشي لجائحة فيروس كرونا المستجد (كوفيد19) لبى المحامون نداء رسالة الدفاع النبيلة ونداء الوطن الحبيب بكل تضحية وتفان وخروجهم إلى إعلاء رسالة الدفاع الإنسانية و المشاركة في تجربة المحاكمة الزجرية عن بعد محاولة منهم لإبراز مكامن سلبيات وإيجابيات هاته التجربة وما تتطلبه المحاكمة العادلة من حقوق وضمانات مسؤولين عن حمايتها وإثارة كل خرق أو إخلال بشأنها.
وإذا كان كما سبق الإشارة إليه وفي ظل غياب أي نص تشريعي أو سند قانوني يمكن من الاستناد اليه لتبرير اللجوء إلى هذه التجربة ، من غير مشروع ق.م.ج في بعض نصوصه أتاح استثناءات في بعض مقتضياته إمكانية اللجوء الى تقنية (video conférence ) عنونها باستعمال وسائل الاتصال عن بعد، وفق ما نصت على المادة 1-193 في الباب العاشر مكرر بعنوان (استعمال تقنيات الاتصال عن بعد) و التي خولت لقاضي التحقيق تلقائيا عندما تحول أسباب جدية دون حضور الضحية أو المتهم أو الشاهد أو الخبير أو المطالب بالحق المدني أو لسبب البعد عن المكان الذي يجري فيه التحقيق إمكانية تلقي التصريحات أو الاستماع اليهم عبر تقنية الاتصال عن بعد تضمن سرية البث .
كذلك المادة 2 -193 من المشروع منحت لقاضي التحقيق إمكانية الاستماع إلى الشهود عن طريق وسائل الاتصال عن بعد في إطار إنابة قضائية يوجهها الى قاضي التحقيق بالمحكمة التي يوجد بدائرتها الشخص المراد الاستماع إليه عن بعد.
وكذلك ما جاء النص عليه في المادة 4-347 التي منحت للمحكمة إمكانية تلقائية أو بناء على ملتمس النيابة العامة أو أحد الأطراف أو من ينوب عنهم تطبيق مقتضيات المادة 1-193 من هذا المشروع بسبب البعد الجغرافي عن مكان المحاكمة.
كما أن المشروع في مادته 5 - 347 قيد سلطة هيئة المحكمة وألزمها بتعليل وتبيان أسباب اللجوء لتقنية الاتصال عن بعد للاستماع إلى الأشخاص موضوع الإجراء القانوني، وخولت لهيئة المحكمة توجيه إنابة قضائية إلى المحكمة التي يوجد بدائرتها الشخص أو الأشخاص المعنيون بالأمر للسهر على عملية الاستماع إليهم عن بعد ، يتولاها رئيس المحكمة الموجهة إليها الإنابة القضائية في الإشراف على هذا الاجراء بتعينه لقاضي تكون مهمة تنفيد الإنابة القضائية باستدعاء الشخص أو الأشخاص و الاستماع اليه أو استنطاقه أو المواجهة أو تلقي تصريحات مباشرة من قبل الهيئة القضائية التي أصدرت الانابة.
وحيت نسجل أنه في ظل هذا المشروع الذي نعتبره من حيث المبدأ نقلة تشريعية مهمة في مواكبة التطور التكنولوجي الدولي وضرورة ملحة في استحداث قواعد ووسائل أتصال جديدة لخدمة وتطوير العدالة الجنائية.
لكن نسجل أنه مشروع غير متكامل من حيث البنية التحتية اللوجستيكية وغير منسجم من حيث نصوصه مع مستجدات الظروف العملية والتطبيقية له مستقبلا ومن ذلك فاللجوء إلى تقنية المحاكمة الزجرية عن بعد من خلال المشروع لم توضح أطراف الخصومة وباقي الأشخاص المتدخلين فيها بحيث جاءت شاملة بجميع الأطراف دون تحديد دور كل واحد عكس إجراءات التحقيق التي استثنت المتهم من هذه التقنية وخاصة المادة 1-193.
كما أن المشروع حصر الأسباب المبررة للجوء الى هذه التقنية وربطها بتعذر حضور المتهم وباقي الأطراف والمتدخلين في الخصومة أو لبعد أحدهم عن مكان المحاكمة أو التحقيق. والتي يتعين معه الثريت وإعادة الصياغة التشريعية وفق مقومات مبادئ حقوق الإنسان ومبادئ المحاكمة العادلة مع إشراك هيئات المحامين بالمغرب وهي المعنية بالممارسة المهنية اليومية والمسؤولة عن حماية حقوق الدفاع ومنظومة حقوق الإنسان.

ثانيا: التأطير الحقوقي لتقنية المحاكمة الزجرية عن بعد
إن الشرعية الإجرائية هي القاعدة الثانية من قواعد الشرعية الجنائية وهي تشترك مع باقي حلقاتها في اشتراط أن يكون القانون هو المصدر لكل إجراء يسمح بالمساس بالحرية أو انتهاك الحقوق فلا يجوز القيام باي إجراء ضد المتهم أو إخضاعه لأي إجراء من إجراءات المحاكمة، لم يكن منصوصا عليه في قانون المسطرة الجنائية.
ويترتب على مبدأ قانونية الإجراءات الجنائية أن المشرع هو المختص وحده بتحديد قواعد المسطرة الجنائية ، وعليه يمنع على باقي السلط أن تشاركه في ذلك، سواء كانت تابعة للجهاز التنفيذي أو للجهاز القضائي، وتبعا لما ذكر فانه يمنع على الحكومة إصدار دوريات أو مناشير تتضمن إجراء أو تعديلا لقواعد المسطرة الجنائية ، وكل ما تملكه هو إصدار المراسيم المتعلقة بتنفيذ هذه القوانين ، ذلك أن أي قرار إداري يتولى معالجة أمر يتعلق بالخصومة الجنائية يكون مشوبا بعدم الدستورية، الشيء نفسه يقال بالنسبة للسلطة القضائية التي عليها الامتناع عن تطبيق إجراءات تمس سريان الدعوى العمومية دون أن يكون منصوصا عليها في قانون المسطرة الجنائية ، ولو كان ذلك بتفويض من المشرع .
وإذا كان المبدأ الحقوقي شموليا في تكريس مبادئ حقوق الإنسان ومنها الحق في الحياة كأول الحقوق وحق الفرد في السلامة الصحية وصحة أسرته الفصل 20و21 من دستور 2011.
وإذا كانت المقاربة الصحية في ظل الوضع الوبائي الذي تعيشه جل دول العالم ومنها بلادنا تعرف تفشي جائحة خطيرة من فيروس مستجد (كوفيد19) تدعوا إلى اتخاذ إجراءات احترازية ، فإن اللجوء في اعتقادنا والمتواضع إلى تقنية المحاكمة الزجرية عن بعد، هو إن كان موضوعي يهدف إلى حماية سلامة وصحة الأفراد من خطر جائحة فيروس كرونا الذي يعد من الأخطار التي قد تذهب بحياة الأفراد و أسرهم ، فإن المقاربة الحقوقية تقتضي احترام ما هو قانوني من حقوق المتقاضين وقواعد تسيير العدالة كما نص على ذلك الفصل 117 وما يليه من دستور 2011، وأن الفصل 120 منه أسس لشروط المحاكمة العادلة بأن تكون المحاكمة داخل أجل معقول، لأن تأجيل محاكمة أشخاص يوجدون رهن الاعتقال يتعارض مع مبدأ قرينة البراءة التي هي حق من حقوق المتهم و التي تلازمه مند ولادته وطيلة حياته وقاعدة الشك يفسر لصالح المتهم، فاحترام هذه الضمانات الإجرائية كلها رهين بسلامة نظام قضائي جنائي .
وإذا كان مبدأ الملائمة يقضي أن يكون أي تشريع وطني ملائم للاتفاقيات الدولية. وأنه في ظل غياب تشريع إجرائي يبيح المحاكمة الزجرية عن بعد، وإعمالا للقاعدة الفقهية "الضرورات تبيح المحظورات" فإنه في نظرنا المتواضع، تبقى تقنية إجراء المحاكمة الزجرية عن بعد في ظل غياب السند القانوني وفي ظل المقاربة الصحية يتطلب من القاضي الاجتهاد في تدبير المرحلة من خلال اتخاذ إجراءات لا تتعارض مع قانون المسطرة الجنائية من جهة ومبادئ المحاكمة العادلة من جهة أولى من خلال استحضار البعد الإنساني والحقوقي لهذه المحاكمة.

ثالثا: التأطير الواقعي والتقني والجزاء القانوني للمحاكمة الزجرية عن بعد
إن إجراء محاكمة زجرية عن بعد في ظل هذه الظرفية لتصريف ملفات السجناء المعتقلين وتمتيعهم بحقهم في محاكمة داخل أجل معقول دون تأخير تجد صعوبات واقعية من حيث عدم توافر نظام دعائم الكتروني يوفر نقل الصورة والصوت من مؤسسة السجن لهيئة المحكمة وأطراف الخصومة الجنائية بشكل جماعي ومشترك يسمح لكل طرف في الدعوى الجنائية أن يتتبع مباشرة إجراءات المحاكمة.
وأن هذا المقتضى هو من أعدم هذه التقنية ، لأن استعمال وسائل الاتصال لإجراء هذه المحاكمة عن بعد يتطلب مبدأ الحضورية والشفوية والعلانية، فحتى الحضورية إن كانت عبر الصورة و الصوت فهي غير مكتملة لأن هيئة المحكمة صعب عليها أن تساير إجراءات استجواب واستسفار المتهم من مكان وجوده بالمؤسسة السجنية لضعف وجود انترنيت ذا سرعة عالية، وميكروفونات وسماعات ذات جودة عالية وكاميرات الويب سهلة النقل دون تعطل، كما أن إمكانية إجراء محاكمة عن بعد تتوقف على موافقة صريحة للمتهم ولكافة أطراف الدعوى الجنائية في استعمال هذه التقنية وهو إجراء كذلك محل مناقشة قانونية من حيث أن وجود المتهم بالمؤسسة السجنية يعدم إرادته، فقد يوافق على التقنية عبثا دون أدنى معرفة بها وبحقوقه القانونية، ودون أن يكون له محام للتخابر معه بشأنها.
وقد يرفض التقنية وفي هذه الحالة يتعين على هيئة المحكمة ارجاء محاكمته إلى أجل اخر بقصد حضوره الذاتي والمادي للمحكمة.
كما أن من بعض الملاحظات التي سجلت على هذه التقنية في الطرح الأول بعد افتراض موافقة صريحة للمتهم على تقنية المحاكمة عن بعد ما يلي:
-صعوبة إطلاع المتهم على ما تضمنه المحضر من إجراءات تمهيدية.
-صعوبة إطلاع المتهم على محضر تصريحه في حالة منازعته في المادة 24 من ق م ج بخصوص توقيعه أمام الضابطة القضائية.
-صعوبة إطلاع المتهم على المحجوزات وعرضها عليه ومواجهته بها.
-في الحالة التي يرفض فيها المتهم الخروج من زنزانته إلى مقر غرفة الاتصال بالمؤسسة السجنية لحضور الجلسة عن بعد، هل ستطبق في حقه المادة 314 من ق م ج؟
-بالنسبة لجرائم الجلسات، إذا كان المتهم نفسه هو من أحدث اضطرابا تطلب طرده من الجلسة بتفعيل المادة 358 ق م ج واستمرت المناقشة في غيبة المتهم كيف يمكن لكاتب الضبط أن ينتقل إلى المؤسسة السجنية في ظل حالة الطوارئ لتلاوة محضر المناقشات والملتمسات والأحكام والقرارات التمهيدية الصادرة مند طرده.
-المادة 385 من ق م ج تنص على حق المتهم في طلب أجل لإعداد دفاعه واختيار محام كيف سيتم اختيار محام من طرفه في ظل انعدام وسائل الاتصال و التواصل و المخابرة مع عائلته في ظل جائحة كورونا مع قرار منع إخراج السجناء من المؤسسة السجنية .علما أن هذا الحق ينتج عنه البطلان في حالة مخالفته.
هذه بعض الملاحظات الواقعية والتقنية لإجراءات المحاكمة الزجرية عن بعد والتي ستطرح لامحالة مستقبلا جزاءات قانونية من (بطلان وإبطال) اعتبارا للمواد 300و 324 و370 و374 و751 من قانون المسطرة الجنائية.
وفي خصم هذا النقاش القانوني الذي أثير حول مدى صحة إجراءات المحاكمة الزجرية عن بعد من عدمها ومدى سلامتها من الناحية القانونية بعد استحضار كل من البعد القانوني والبعد الحقوقي وكذا البعد التقني والواقعي واستحضارا للأمن الصحي.

يطرح السؤال العريض التالي:
هل المحاكمة الزجرية عن بعد لها تأثير وأثر على السلطة التقديرية للقاضي الجنائي؟ بمعنى هل لها تأثير على الاقتناع الصميم الذي اشترطته المادة 286 من ق م ج وبصورة متكررة من خلال الإشارة المتكررة "... ويحكم القاضي حسب اقتناعه الصميم.... ويجب أن يتضمن المقرر ما يبرر اقتناع القاضي...."
من هنا لا بد أن نقف على تعريف ومعنى الاقتناع ومعنى الصميم:
•فالاقتناع في معجم المعاني الجامع يعني الارتياح والقبول والاطمئنان، والاقتناع في الفقه الجنائي يعني أن للقاضي الجنائي مطلق الحرية في قبول جميع الأدلة التي يقدر جدواها لتكوين قناعته واستبعاد أي دليل لا يطمئن اليه.
• والصميم في معنى معجم المعاني الجامع يعني العمق، الخالص، الوسط، وقانونا يعني أن القاضي الجنائي غير مقيد بوسائل اثبات دون الأخرى في الأدلة المعروضة عليه
ومن هذا نجد أن القاضي الجنائي يبحث في الأدلة والقرائن والوسائل ويأخذ بما اطمئن إليه وجدانه وقلبه بصفة خالصة وعميقة، وهو إحساس ذاتي داخلي لا يصل أليه القاضي الجنائي إلا في إطار محاكمة حضورية للمتهم وباقي أطراف الخصومة الجنائية.
كما أنه لا شك في أن تمكين المتهم من حضور محاكمة عن قرب دور كبير في طمأنته ويشكل ضمانة هامة له تساعد القاضي الجنائي من ملامسة وقائع القضية من خلال حركات المتهم وانفعالاته وطريقة إجابته ومحيا وجهه وتصرفات جسده وملامح سرده وأنه أثناء مواجهته سواء بمعطيات القضية من محجوزات وشهود سيساهم في تعميق القاضي الجنائي ودراسة كل العوامل النفسية والبيئية للمتهم لتكوين قناعته الوجدانية من خلال عملية سلوكية إحساسية، تلتقي فيها المعرفة والإدراك من جهة والإحساس والشعور من جهة تانية لاتخاذ القرار الجنائي المناسب فالتواجهية وسيلة وغاية في آن واحد تمكن القاضي الجنائي من التوصل الى قناعة وجدانية سليمة لا تتأتى الا بحضور المتهم جسدا وذاتا وليس في شكل صورة وصوت عبر وسائل الاتصال.

وكخلاصة لكل ما سبق،
فان المحاكمة الزجرية عن بعد المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد هي محاكمة تعتريها صعوبات لوجستيكية تقنية وأخرى بشرية فرضتها حالة الطوارئ التي تعيشها كل دول العالم وتبقى تجربة ضرورية تبررها حالة الطوارئ الصحية ومقاربة الأمن الصحي في إطار حماية منظومة النظام العام لأن السلامة الصحية جزء لا يتجزأ من النظام العام في انتظار إعادة النظر في الصياغة القانونية لمشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد وشرعنة تقنية المحاكمة الزجرية عن بعد مع ملائمتها لمبادئ حقوق الانسان والمواثيق الدولية.

بقلم الأستاذ خالد هلال
المحامي بهيئة الدار البيضاء
عضو المكتب التنفيذي للجمعية الدولية للدفاع عن حقوق الانسان والاعلام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.