لم يعرض مشروعها على مجلس الحكومة بعد ومخاوف قانونية ترافقها.. الخصائص التقنية لتنزيل المحاكم عن بعد وانطلاقتها الرسمية
يبدو أن فيروس كوفيد 19 المستجد لم يطرح فقط تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية وصحية بالأساس، بل تعدى ذلك بفعل تداعياته وتأثيراته على كل مناحي الحياة اليومية للمواطنين، وأبرزها التحديات المهنية لكي تستمر الحياة السياسية و المؤسساتية والإدارية والمهنية ما جعل الجهود تتعاظم لكسب رهانات هذه المرحلة في ظل الحجر الصحي وحالة الطوارئ التي قررتها البلاد للحد من انتشار هذا الوباء الداهم. وباتت وسيلة العمل عن بعد، إحدى الوسائل الأساسية في هذه الفترة، كوسيلة لمواجهة هذا الوباء والحد من انتشاره وتفعيل الحجر الصحي بالمنازل وتنفيذ حالة الطوارئ، لكن الجديد الذي عرفته البلاد مؤخرا بعد أن تعاملت واستعانت العديد من المؤسسات الدستورية للبلاد مع تقنيات التواصل والتكنولوجيات الحديثة، من أجل عقد لقاءاتها كاجتماعات المجلس الحكومي وجلسات المؤسسة التشريعية البرلمان بغرفتيه، وجاء الدور على المؤسسة القضائية، حيث شرعت هذه الأخيرة في انطلاق عملية التقاضي عن بعد. بداية مشروع المحاكمة عن بعد المشروع بدأ بتنسيق مع المجلس الأعلى للقضاء والنيابة العامة، ثم المندوبية العامة للسجون وهيئة جمعيات المحامين بالمغرب، بحيث اجتمعت اللجان الثلاثية كمرحلة أولى بالمحاكم في سائر أنحاء المملكة، وتضم هذه اللجان الثلاثية في عضويتها الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف والوكيل العام للملك ونقيب هيئة المحامين من أجل تفعيل وتنزيل مقاربة المحاكمة عن بعد. وقد شكلت هذه الاجتماعات، بحسب تصريح لوزير العدل محمد بنعبد القادر، لحظة متميزة للتشاور والحوار حول أفضل السبل لتفعيل القرار الاحترازي المؤقت بما يضمن في نفس الآن الأمن الصحي للجميع والأمن القضائي القائم على مبادئ المحاكمة العادلة وحق الدفاع. واستطاعت مخرجات اللجان الثلاثية، استطاعت أن تؤسس لمقاربات ميدانية عقلانية وتشاركية لتنزيل الفكرة إلى أرض الواقع في نطاق مبادئ العدالة والمصلحة العامة، حيث أعلن النقباء ترحيبهم بهذه المبادرة وقدموا اقتراحات مهمة لإغنائها وتحصينها، وذهب جلهم إلى أنه ليس هناك ما يمنع في القواعد العامة للمسطرة الجنائية من اعتماد المحاكمة عن بعد. تعديلات في المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية ولتوفير الأرضية القانونية، لعملية التقاضي عن بعد، تضع وزارة العدل اللمسات الأخيرة في إعداد المشروع والذي يضع القاعدة القانونية للمحاكمة عن بعد، بما يحفظ جميع الضمانات المطلوبة في المحاكمة العادلة، وكشفت مصادر مسؤولة من الوزارة لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» ، أن العمل جار على تعديل أكثر من 60 مادة في المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية لملاءمتها مع عملية التقاضي عن بعد. وأكد وزير العدل محمد بنعبد القادر، أن اعتماد تقنية التقاضي الإلكتروني يتطلب مستقبلا "تدخلا تشريعيا" لتأكيد مبدأ الشرعية ولوضع ضوابط التقاضي وإرساء قواعد خاصة به، مبرزا في نفس الوقت أن "اعتماد تقنية التقاضي الإلكتروني، إن كان في الظرفية الراهنة، يبقى محكوما بشرط استثنائية القوة القاهرة، فإنه مستقبلا يتطلب تدخلا تشريعيا، أولا لتأكيد مبدأ الشرعية الذي يشمل حتى الإجراءات المسطرية، ثم لوضع ضوابط التقاضي الإلكتروني وإرساء قواعد خاصة به". وأشار المسؤول الحكومي، إلى أنه بمجرد ما حصل توافق بين وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة والمندوبية العامة للسجون وإعادة الإدماج حول المبدأ العام بخصوص اعتماد تقنية (فيديو كونفيرنس) لتنظيم جلسات التقاضي عن بعد في إطار تنفيذ التدابير الاحترازية وتعزيز الأمن الصحي للسجناء ومكونات أسرة القضاء، انطلقت اجتماعات اللجان الثلاثية في كل الدوائر الاستئنافية بحضور النقباء والرؤساء الأولين بمحاكم الاستئناف والوكلاء العامين بها. المعالم الكبرى لمشروع التقاضي عن بعد وبخصوص المعالم الكبرى لهذا المشروع، المتعلق بعملية التقاضي عن بعد، والذي سيقدم في اجتماع المجلس الحكومي، أبرزت مصادرنا، أن المشروع يندرج ضمن مشروع كبير يهم إصلاح القضاء بصفة شاملة وإدخال الرقمنة في المساطر القضائية، وهكذا سيهم المشروع شقين، شق مدني وشق جنائي، بحيث ستكون تعديلات على عدد من المواد في المسطرة المدنية ثم تعديلات تهم مواد في المسطرة الجنائية، لإعطاء الصبغة الحجية والأرضية التشريعية والقانونية للمحاكمة عن بعد. ويعتبر مشروع التواصل الإلكتروني وعقد جلسات عن بعد بين محاكم المملكة والمؤسسات السجنية من أجل الاستماع إلى نزلاء هذه المؤسسات، ثمرة مجهود مشترك بين مختلف الفاعلين المتدخلين في هذه العملية، سواء وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنيابة العامة ومختلف محاكم المملكة والمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج ومختلف هيئات المحامين بالمغرب. وللإشارة فإن هذا المشروع يندرج في إطار تنزيل المحكمة الرقمية، وجاءت أجرأته مع هذه الظروف الخاصة التي تعرفها البلاد وفي إطار التدابير الاحترازية وتعزيز الأمن الصحي لنزلاء المؤسسات السجنية وكافة مكونات أسرة العدالة. مخاوف قانونية وحقوقية عجلت كذلك بالمشروع وكان إعلان الوزارة عن الاستعدادات الجارية للشروع في تطبيق نظام "المحاكمة عن بعد" باستخدام تكنولوجيا التواصل بين المتهمين نزلاء المؤسسات السجنية من جهة، والقضاة والمحامين في المحاكم من جهة ثانية، أثار بعض المخاوف القانونية والحقوقية خاصة ما يتعلق بالحق في المحاكمة العلنية، وضرورة استماع المتهمين للقضاة والمدعين من دون حواجز، في الوقت الذي اعتبر العديد من الفاعلين في منظومة العدالة أن الإكراهات التي تفرضها جائحة فيروس كورونا تمثل فرصة سانحة لتعبئة كل الطاقات من أجل أن القيام بالخطوة الحاسمة التي طالما تم التردد فيها، وهي الخطوة نحو تحديث قطاع العدالة بتسريع وتيرة التحول الرقمي في العملية القضائية. وأعلنت نقابة المحامين بالمغرب في بلاغ لها توصلت الجريدة به، رفضها القاطع للأسلوب الذي تم به إطلاق و تنزيل المحاكمات عن بعد، بدون اعتماد المقاربة التشاركية للهيئات المهنية الممثلة للمحامين، منبهة في نفس الوقت إلى الأساس القانوني المؤسس للمحاكمة عن بعد، كما دعت إلى التعجيل بتعديل المسطرة الجنائية قصد تنظيم استعمال تقنية الاتصال للاستماع عن بعد للمتهمين والشهود وجميع الأطراف. تنزيل مشروع المحاكمة عن بعد ولتنزيل هذا المشروع الذي له أهمية كبرى في ضمان المحاكمة العادلة، عملت وزارة العدل على مراعاة عدة جوانب تقنية أثناء عملية الإعداد لتنزيل هذا النظام، كتوفير في البداية بيئة تقنية ملائمة، حيث إنه وأمام تعدد الخيارات التقنية المتاحة، ونظرا لطبيعة المعلومات التي يتم تداولها من حيث حساسيتها وطبيعتها، فقد تم الاعتماد على نظام السمعي البصري الداخلي الخاص بوزارة العدل والمثبت على خوادمها المركزية الموجودة بمركز بيانات الوزارة. (DataCenter) كما تم إعطاء الأولوية والأهمية القصوى لجانب الأمن المعلومياتي، حيث تم التنسيق في هذا الشأن مع شركاء الوزارة كمديرية أمن نظم المعلومات بإدارة الدفاع الوطني، حيث تم احترام كافة التوجيهات الصادرة عنها لضمان حماية وأمن نظام السمعي البصري المستعمل. وتم التنسيق مع المديريات الفرعية لوزارة العدل، التي تكلفت بتنزيل البرنامج على مستوى محاكم المملكة، حيث تم إنشاء ما يناهز173 حساب تتوزع بين 95 حساب لفائدة المحاكم و78 حساب لفائدة المؤسسات السجنية، حيث تم التنسيق مع المسؤولين القضائيين والمديريات الجهوية لإدارة السجون، وفي هذا الإطار تم تجهيز المحاكم وقاعات مهيأة على مستوى المؤسسات السجنية بحواسيب معدة لهذه العملية وتم تثبيت البرامج اللازمة، وقامت المديريات الفرعية بالتجارب التقنية على مستوى مجموعة من المحاكم التي أصبحت جاهزة للشروع بالعمل بهذه التقنية. انطلاقة رسمية للمحاكمة عن بعد حضر مراسم الإطلاق الرسمي لعملية التقاضي عن بعد، وزير العدل، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئيس النيابة العامة وكل من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالرباط والوكيل العام للملك بها ورئيس المحكمة الابتدائية بسلا ووكيل الملك بها ورئيس قسم قضاء الأسرة بسلا و نقيب هيئة المحامين بالرباط والمسؤولون بالإدارة المركزية وعدد من القضاة والمحامين. وبالموازاة مع هذا الإطلاق الرسمي للعملية، فقد شهدت مختلف محاكم المملكة ابتدائيا واستئنافيا العمل بهذه التقنية بانخراط تام في جو من التعاون والتكامل. الخصائص التقنية لنظام السمعي البصري visio-conférence تتوفر وزارة العدل على نظامها الداخلي الخاص بتقنية السمعي البصري للتواصل عن بعد، وهذا النظام مثبت على البنية التحتية المعلوماتية الخاصة بوزارة العدل على مستوى مركز البيانات المركزي (Datacenter). يتم الاتصال بالنظام باحترام معايير الأمن المعلومياتي المنصوص عليها والمتفق بشأنها مع شركائنا في مديرية أمن النظم المعلومياتية بإدارة الدفاع الوطني. تتم عملية الاتصال بين حاسوبين معدين لهذا الغرض ومرتبطين بشبكة الأنترنيت، حيث يتم الاتصال بالشبكة الداخلية للوزارة ثم ربط الاتصال بخادم نظام السمعي البصري (Serveur de Visio-Conférence) التدابير التقنية المتخذة تم إلى غاية يوم 27 أبريل 2020 إنشاء 173 حساب لفائدة المستعملين من أجل الولوج إلى نظام، 95 حساب لفائدة محاكم المملكة، و78 حساب لفائدة المؤسسات السجنية المعنية. و تم التنسيق مع المديريات الفرعية: حيث تم إرسال الحسابات إلى المديريات الفرعية التي تتولى عملية التثبيت على صعيد مختلف محاكم المملكة. وضع دليل تقني رهن إشارة المديريات الفرعية يوضح طريقة تثبيت واستعمال برنامج نظام السمعي البصري، وتكلفت هذه المديريات بالتنسيق مع المندوبيات الجهوية قصد التثبيت وتجريب عملية الربط بين المحاكم والمؤسسات السجنية. كما تم توفير الأجهزة التقنية للتواصل الأمن بين السجون والمحاكم بكافة مستلزماته.