تشكل معركة الدشيرة حلقة وضاءة، ضمن مسار متكامل ومنتظم من الدلالات والأبعاد، وتسعى من خلالها المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير إلى ترسيخ ركائز عملها القائمة على التطوير والتحديث من أجل تنزيل فلسفتها وأجرأة نصوصها المرجعية، التي تتخذ من البعدين التاريخي والاجتماعي أفقين رحبين للعمل، بغية الاضطلاع بالمهام المنوطة بها وفق منهجية التقائية وتشاركية منفتحة على مختلف الشركاء والفاعلين داخل الوطن وخارجه. وشكل الاحتفال ببطولات المقاومة وجيش التحرير في معركة الدشيرة درسا في الوطنية يكرس مبدأ الحفاظ على الوحدة الوطنية، من منطلق أنها قضية محورية تهم المغاربة جميعا على المستويات العقدية والاجتماعية والمجالية والتضامنية، الأمر الذي استعصى معه على الاستعمار، وغيره، أن يفرق أسسها ويقطع أوصالها ويهد أركانها. وتعتبر معركة الدشيرة الغراء من بين الملاحم البطولية التي ستظل منقوشة في ذاكرة الأجيال المتعاقبة، شاهدة على قوة شكيمة المقاتلين المغاربة وقدرتهم الكفاحية العالية بالرغم من قلة عددهم وعتادهم مقارنة مع قوات الاحتلال المدججة بأحدث الأسلحة وأفتك العتاد الحربي، حيث ألحق المجاهدون المغاربة الصحراويون بفلول العدو أنكر الهزائم وأفدح الخسائر إثر الكمين الذي نصبه رجال جيش التحرير لقوات العدو التي كانت في طريقها لمهاجمة مراكز جيش التحرير بتافودارت، غير أن قيادة المجاهدين تفطنت لهذا العدوان الغاشم فوضعت خطة مضادة أربكت حسابات المستعر وبعثرت أوراق دهاقنته، ودارت معارك شرسة بين الطرفين في المكان المسمى "الدشيرة" تكللت بانتصار ساحق للمقاتلين المغاربة رغم شن الجيوش الغازية لغارات جوية على مواقع المجاهدين بهدف كسر شوكتهم وشل تحركاتهم. وذكر بلاغ للقيادة العليا لجيش التحرير بصحراء المغرب رقم 33 بتاريخ 15 يناير 1958: "وفي 13 يناير 1958 وقع اشتباك عنيف بين قواتنا وجيوش العدو الكثيرة التي تقدر ب 1800 جندي و10 طائرات من بينها 3 طائرات فرنسية في الموضعين المعروفين بالمسيد والدشيرة قرب العيون. واستمرت الاشتباكات مدة يومين كاملين ابتداء من الساعة الثامنة صباحا من يوم 13 يناير 1958 حتى آخر ليلة من 14 منه. وأظهر جنودنا بسالة نادرة وتفوقا كبيرا على قوات العدو وانتهت بانتصار باهر للمجاهدين، وقد اسقطوا من قوات الاحتلال 600 قتيلا من بينهم 20 ضابطا 3 منهم برتبة قبطان وواحد برتبة كولونيل وعدد لا يحصى من الجرحى ظل العدو ينقل فيهم اليوم كله.كما قتل في هذه المعركة عدد من أعوان الاستعمار وأحرقت له قواتنا 19 سيارة كبيرة وغنمت قواتنا 85 بندقية و10 مدافع رشاشة وشاحنة مملوءة بالمؤن والذخائر الحربية و5 مسدسات وراديو للإرسال واستشهد منا 12 مجاهدا كما جرح ستة". وعرفت دروس الوطنية انطلاقتها منذ خمسينيات القرن الماضي، مع الإعلان عن بداية عمليات جيش التحرير بالجنوب والموقف التاريخي للمغفور له محمد الخامس أثناء زيارته الوحدوية لمحاميد الغزلان سنة 1958، الذي اعتبر بداية حقيقية للتعاطي مع العديد من القضايا، وبعدها سيدي إيفني سنة 1969، ليصل هذا المسار قمته مع الحدث الفريد في العشرية الأخيرة من القرن الماضي، وهو حدث المسيرة الخضراء التي اعتبرت بحق معجزة تنضاف إلى سجل نضالات الشعوب التواقة إلى الحرية والاستقلال، وجلاء آخر جندي أجنبي عن الأقاليم الجنوبية يوم 28 فبراير 1976، وهو الحدث الذي اعتبر مفصليا.