يخلد الشعب المغربي، من 21 إلى 23 نونبر 2015، الذكرى 59 لانطلاق عمليات جيش التحرير بالجنوب المغربي، والذكرى 58 لانتفاضة قبائل آيت باعمران، هذه الملاحم التي تعتبر محطات بارزة ووازنة في مسيرة الكفاح الوطني من أجل استكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية الوطنية. وذكرت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، في مقال بهذه المناسبة التي يخلدها المغاربة في غمرة أجواء الاحتفاء بالذكرى 40 للمسيرة الخضراء المظفرة، والذكرى 60 لعيد الاستقلال المجيد، أن المغرب، "خاض عبر التاريخ نضالات مريرة وملاحم بطولية في مواجهة الاستعمار الذي لم يفوت فرصة لبسط نفوذه وهيمنته على التراب الوطني قرابة نصف قرن، فقسم البلاد إلى مناطق نفوذ موزعة بين الحماية الفرنسية بوسط المغرب والحماية الإسبانية بشماله وجنوبه، فيما خضعت منطقة طنجة لنظام دولي، وهذا ما جعل مهمة تحرير التراب الوطني صعبة وعسيرة، قدم العرش والشعب في سبيلها كل غال ونفيس في سياق كفاح وطني عالي المقاصد، متلاحق المراحل، طويل النفس، ومميز الصيغ، لتحقيق الحرية والاستقلال والوحدة والسيادة الوطنية". ومن الصفحات المشرقة في سجل التاريخ النضالي والأمجاد الوطنية، وقف المقال عند روائع ومنارات وضاءة على درب التحرير، كحركة الشيخ أحمد الهيبة بالجنوب المغربي سنة 1912، ومعركة الهري بالأطلس المتوسط سنة 1914، ومعارك أنوال بالريف سنة 1921، ومعارك بوغافر بتنغير ومعارك جبل بادو بالرشيدية سنة 1933، وغيرها من المحطات التاريخية الطافحة بالمواجهات والمقاومات ضد المحتل الأجنبي. كما تجلت أشكال وأساليب النضال السياسي في مناهضة ظهير التمييز بين أبناء الوطن الواحد، والتفريق بين العرب والأمازيغ سنة 1930، وتقديم مطالب الشعب المغربي الإصلاحية والمستعجلة في 1934 و1936، ووثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944 وكان انطلاق طلائع قوات جيش التحرير بالجنوب المغربي سنة 1956 تعبيرا قويا يجسد إرادة العرش والشعب في استكمال الاستقلال وتحقيق الوحدة الترابية. وهكذا خاض أبناء القبائل الصحراوية وإخوانهم من كافة الجهات والمناطق المحررة، غمار عدة معارك بطولية على امتداد ربوع الساقية الحمراء ووادي الذهب. وانتشر أبطال جيش التحرير في الأجزاء المغتصبة من التراب الوطني بالأقاليم الصحراوية ليحققوا ملاحم بطولية وانتصارات باهرة لم تجد القوات العسكرية الإسبانية أمامها إلا أن تتحالف مع القوات الفرنسية في ما سمي بعملية "ايكوفيون ومن هذه المعارك البطولية هناك معارك الدشيرة والبلايا والمسيد وأم العشار والرغيوة واشت والسويحات ومركالة وغيرها من الملاحم الخالدة التي ما من شبر بربوع الصحراء إلا ويذكرها ويشهد على روائعها. وضمن معارك التحرير، أيضا، كان يوم 23 نونبر 1957 يوما خالدا في تاريخ المغرب، حينما انتفضت قبائل آيت باعمران ضد الصمود الاستعماري، مواصلة نضالاتها الوطنية لتدخل في معارك طاحنة لقنت خلالها المحتل درسا في الشجاعة والصمود، حيث شهد هذا اليوم هجومات مركزة على ستة عشر مركزا إسبانيا في آن واحد، تراجع على إثرها الجنود الإسبان إلى الوراء ليتحصنوا بمدينة سيدي إفني، ودامت هذه المعارك البطولية حتى الثاني عشر من شهر دجنبر من السنة نفسها، تكبدت خلالها القوات الاستعمارية خسائر فادحة في الأرواح والعتاد رغم قلة عدد المجاهدين الباعمرانيين ومحدودية عتادهم الحربي. ومن هذه البطولات الخالدة هناك معارك تبلكوكت وبيزري وبورصاص وتيغزة وامللو وبيجارفن وسيدي محمد بن داوود والالن تموشا ومعركة سيدي إفني، وتمكن مجاهدو قبائل آيت باعمران من إجبار القوات الإسبانية على التمركز بسيدي إفني، كما أقاموا عدة مواقع أمامية بجوار المواقع الإسبانية كي لايتركوا لقوات الاحتلال مجالا للتحرك أو النجاة. وتواصلت مسيرة التحرير المباركة على كافة الواجهات الوطنية، وفي المحافل الدبلوماسية الدولية، وظل المغفور له محمد الخامس يجاهر بحق المغرب في تحرير صحرائه، ومن ذلك خطابه التاريخي بمحاميد الغزلان في 25 فبراير 1958، حيث استقبل جلالته وفود وممثلي واعيان قبائل الصحراء، الذين هبوا رغم الحصار المضروب على مناطقهم للقاء الملك المجاهد وتجديد البيعة له وتأكيد تجندهم دفاعا عن مقوماتهم وهويتهم الوطنية. وشهدت سنة 1958 كسب رهان من رهانات مسيرة استكمال الوحدة الترابية، تمثل في استرجاع مدينة طرفاية.