الأزمة داخل الحزب، الذي يقود الحكومة إلى جانب ثلاثة أحزاب أبرزها حركة (النهضة)، طفت على السطح منذ أشهر عدة، بعد بروز تباعد في أفكار وتصورات عدد من قيادييه بخصوص عدد من القضايا ذات الأولوية سواء منها الأمنية أو الاقتصادية أو الاجتماعية. تحولت في أغلبها إلى مواقف بلغت حد الطعن في أبرز مقترح تقدم به الرئيس المؤسس للحزب، الذي هو رئيس الجمهورية، والمتمثل في مقترح المصالحة الاقتصادية والمالية، الذي أحدث شرخا داخل مكونات (نداء تونس) بل ووسط الطبقة السياسية ككل حيث انقسمت بين مؤيد للمقترح ورافض له. وما لبثت أن خرجت أزمة الحزب إلى العلن بعد ازدياد حدة الخلافات الداخلية، مقسمة هذا البيت إلى مجموعات أقطاب بتصورات مختلفة بشأن طريقة تسييره وبشأن أداء الحكومة ورئيسها الحبيب الصيد، لتختزل هذه الأقطاب في تيارين اثنينº واحد يقوده الأمين العام ل(نداء تونس) محسن مرزوق، وآخر يتزعمه نائب رئيس الحزب حافظ قايد السبسي. وفرض هذا الوضع صدور دعوات من مختلف الفاعلين السياسيين في البلاد بتهدئة الوضع، خاصة في ظل الظرفية الحساسة التي تجتازها البلاد حيث الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية على صفيح ساخن، مما يفرض تماسك الحزب الحاكم لقيادة تونس إلى شط الأمان. ولعل الضربة القوية التي تلقاها الحزب، تلك التي أتت من داخله مع مطلع الشهر الجاري بعد تقديم الوزير المكلف لدى رئيس الحكومة بالعلاقات مع مجلس نواب الشعب، لزهر العكرمي، استقالته من الحكومة، احتجاجا على "تفشي الفساد"، وفق تعبيره. وصرح العكرمي، الذي هو أحد مؤسسي حركة (نداء تونس)، وتعتبر استقالته الأولى من نوعها في حكومة الحبيب الصيد منذ تشكيلها في فبراير الماضي، "قدمت استقالتي بعد تأمل، وبعد مدة من التفكير، لأنني أحسست أنني في وضع سأتحمل نتائجه، دون أن أكون شريكا في اتخاذ القرارات والسياسات"، مضيفا "لم أتمكن من أن أقدم شيئا في الحكومة، فليس هناك إمكانية لذلك، وحاولت محاربة الفساد، لكن المؤلم هو هزيمتي أمام الفساد". وأمام هذا الوضع، حرك الحزب هياكله باجتماعات عدة طيلة الأسبوع الماضي، أبرزها اجتماع قيادييه برئيسه السابق الباجي قايد السبسي، بهدف تهدئة الأوضاع ووضع حد لنزيف التصريحات والخلافات والصراعات بين القياديين والتوصل إلى صيغة ترضي جميع الأطراف لعقد مؤتمر الحزب في أقرب وقت ممكن، والقطع نهائيا مع هذه الصراعات، وفق الصحف المحلية. وبدأ برنامج هذه الاجتماعات المكثفة بلقاء طارئ بشأن تصريحات داخلية بخصوص المكتب السياسي، تلاه اجتماع مع رئيس الجمهورية ثم اجتماع للكتلة البرلمانية، واجتماع للمكتب التنفيذي وآخر غير رسمي بجربة (جنوب)، لتكون "الرؤية غير واضحة في ما يتعلق بلم شمل الحزب والتخلي عن الصراعات"، كما ذهبت إلى ذلك الصحافة، التي حصرت الصراعات في تيارين اثنين لا ثالث لهما الأول يقوده نائب رئيس (نداء تونس) حافظ قايد السبسي "الذي يثير موقعه المؤثر غضب العديد من مؤسسي الحزب وقيادييه خاصة في تيار اليساريين والنقابيين وعلى رأسهم محسن مرزوق الأمين العام للحزب" متزعم التيار الآخر المضاد. ووفق افتتاحية لصحيفة (المغرب)، فإن وحده محسن مرزوق بإمكانه "إيقاف، ولو بصفة مؤقتة، زحف حافظ قايد السبسي وأنصاره، وأن بقية من يطلق عليهم اسم "جنرالات" الحزب إما غير معنيين بهذا الصراع أو لا ثقل تنظيمي لهم"، محذرة من أن اجتماع جربة "قد يطلق رصاصة الرحمة على الحزب في شكله الحالي". وقد خلص اجتماع جربة، الذي عقد أمس الأول السبت واستمر يوما واحدا عوض يومين كما كان مقررا، إلى جملة من المقترحات والتوصيات ستتم إحالتها على الهيئة التأسيسية للحركة، وتنص بالخصوص على المضي قدما نحو الإعداد لعقد المؤتمر التأسيسي للحزب. ونقلت وكالة الأنباء التونسية عن حافظ قايد السبسي قوله إن "موعد انعقاد المؤتمر سيحدد صلب الهيئة التأسيسية"، معربا عن الأمل في أن يكون قبل نهاية السنة الجارية، وأن تجد المقترحات المتمخضة عن اجتماع جربة "أرضية توافق" بين مختلف إطارات وقيادات الحركة. وفي هذا الصدد، ترتفع التحذيرات من أي يؤدي الوضع داخل (نداء تونس) إلى حدوث فراغ سياسي في البلاد لكون الحزب الحاكم يمثل حلم شريحة واسعة من التونسيين، معتبرة هذه الخلافات "مربكة لأداء الحكومة التي تشتغل في ظل ائتلاف حزبي رباعي لا بد أن يكون متناسقا ومتحدا في مواقفه". (و م ع)