تعتبر سوريا مخزن كنوز أثرية من عصور وثقافات مختلفة تتراوح بين المساكن والأسواق من عصور ما قبل التاريخ، وصولا إلى الآثار اليونانية والرومانية والحصون الصليبية. وقال شيخموس علي من جمعية حماية الآثار السورية لوكالة فرانس برس "هناك أكثر من 900 نصب وموقع أثري تعرضت لأضرار آو دمرت آو سويت بالأرض بالكامل. هذا مثير للقلق ليس بالنسبة إلى سوريا فقط، لأن هذا تراث عالمي". وأظهرت صور التقطت عبر الأقمار الصناعية ونشرت الاثنين إقدام تنظيم الدولة الإسلامية على تدمير معبد بل في مدينة تدمر التاريخية، بعد أسبوع على تدميره معبد بعلشمين الأصغر. وهي خسارة فادحة، نظرا إلى أن تدمر واحدة من ستة مواقع سورية مدرجة على لائحة التراث العالمي لمنظمة يونيسكو. واعتبرتها الأممالمتحدة "ذات قيمة لا تقدر بثمن لإرثنا العالمي المشترك". ويتوقع خبراء أن تستمر وتيرة هذا التدمير المنهجي للآثار على أيدي عناصر تنظيم الدولة الإسلامية الذي بات يحتل مساحات واسعة من سوريا. إلا أن التنظيم متهم أيضا بنهب قطع أثرية من سوريا والعراق وبيعها في السوق السوداء، ما يشكل مصدر تمويل له. ولم يتردد في تدمير مواقع وقطع أثرية بغض النظر عن أي مبرر ديني. ويرى محللون أنه يرغب بذلك في استقطاب الاهتمام والإعلام والترويج لنفسه عن طريق أسلوب الترهيب الذي يتقنه. فقد استهدف تنظيم الدولة الإسلامية مواقع إسلامية بينها مسجد أويس القرني الصوفي ومزار أحد صحابة النبي (ص) في محافظة الرقة، إلى جانب مواقع مسيحية كدير مار اليان في محافظة حمص في وسط البلاد. وقبل سيطرة التنظيم على تدمر في أواخر ماي، تمكن مسؤولو مديرية الآثار السورية من إخلاء متحف المدينة ونقل الكثير من القطع الثمينة. ويرى مدير عام الآثار والمتاحف السورية مأمون عبد الكريم أن بعض المواقع والقطع التي تعذر نقلها مهددة حاليا. وصرح لفرانس برس "ما زالت هناك العشرات من المدافن الضخمة والمسرح الأثري ومعبد نابو". وتابع "لقد قتلوا تدمر. الآن سيلجأون إلى ترهيبها". وأعرب خبير الآثار الفرنسي موريس سارتر عن الغضب من تدمير معبد بل واتهم الغرب باللامبالاة. وقال "أشعر شخصيا بغضب كبير تجاه داعش (...)، لكنني لم أتوقع منهم سلوكا مغايرا. غير أنني غاضب كذلك تجاه جميع القادة الأوروبيين والأمريكيين الذين لم يتحركوا". في مسرح تدمر التاريخي الكبير، نفذ فتية في تنظيم الدولة الإسلامية مجزرة فظيعة أعدموا خلالها 25 جنديا سوريا على مرأى من عدد من السكان. وإذا كان تدمير تدمر هو الحدث الأكثر خطورة بالنسبة إلى التراث السوري خلال النزاع، يحذر خبراء من تدمير تدريجي لمواقع أثرية أخرى. في دجنبر 2014، أفادت الأممالمتحدة عن تعرض حوالي 300 موقع بارز للتدمير أو الأذى أو النهب منذ بدء النزاع. وذكرت، استنادا إلى صور أقمار صناعية، أن 24 موقعا دمرت بالكامل، مضيفة أن 104 مواقع تعرضت لأضرار فادحة و85 لأضرار طفيفة و77 قد تكون لحقتها أضرار. ومن المواقع التي مسحتها المنظمة، ستة مدرجة على لائحة اليونيسكو للتراث العالمي، وهي المدن القديمة في حلب ودمشق وبصرى، والقرى الأثرية شمالا وقلعة الحصن وآثار تدمر التاريخية. ونجمت أغلبية الأضرار اللاحقة بالمواقع الأثرية في سوريا عن المعارك العنيفة. فقد دمرت مدينة حلب التي تضم تجمعات سكنية تعود إلى سبعة آلاف عام، في ثلاث سنوات من المعارك الضارية بين قوات المعارضة والنظام. ولحقت بسوق المدينة التاريخي أضرار فادحة نتيجة المواجهات والحرائق، فيما تحولت مئذنة الجامع الأموي العائدة إلى القرن الحادي عشر إلى كومة من الركام. ولحقت أضرار كبيرة بقلعة الحصن الصليبية التي استعادتها القوات الحكومية من المعارضة بعد قتال عنيف. في مواقع أخرى، نجمت الاضرار عن اعمال النهب. إذ استغل مرتكبوها الفوضى السائدة بسبب الحرب لتكثيف وتيرة اعمالهم. وقبل وصول تنظيم الدولة الاسلامية الى تدمر، كان السارقون ينبشون قطعا في المدينة لتهريبها وبيعها في الخارج. وأعلنت الأممالمتحدة في العام الفائت أن موقع الصالحية الأثري في محافظة دير الزور (شرق) بات "التعرف عليه مستحيلا" بسبب النهب. وقال شيخموس علي، الذي تعمل منظمته على توثيق الدمار اللاحق بآثار سوريا، إن "سوريا تدمر على جميع المستويات، سواء البنى التحتية أو الشؤون الإنسانية أو العلاقات بين المجموعات أو التراث". وتابع "إنه تدمير ممنهج مستمر منذ أربع سنوات". (أ ف ب)