توجت الليلة بسهرة فنية أحياها الفنان سعيد الصنهاجي والفنان عابدين الزرهوني، هذا الأخير الذي تجاوب معه الحضور، من خلال وصلات غنائية بإيقاعات دسمة من صميم الوجدان الفني المغربي، وتميز أداؤه بتنويع الأنماط الموسيقية، حيث استطاع الفنان عابدين الجمع ما بين العيطة الحصباوية، التي تفتخر بها منطقة عبدة والإيقاع الموسيقي للفن الأمازيغي. لوحات فنية نقلت الجمهور الحاشد إلى سماء النغم الأصيل وإيقاعات اللحن العذب الرفيع، مستحضرة العمق التاريخي للمغرب من خلال أداء أغاني مزج فيها الفنان عابدين بين إيقاعات الأطلس المتوسط وأغاني السهول المغربية، سحرت آذان السامعين وأسكرتهم أحاسيسهم بإيقاعاتها الكثيفة وانزياحاتها نحو النغمة الموسيقية القصيرة والنبرة الغوانية الحزينة، وانسياباتها النبرية التي تجمع بين طبقات صوتية خفيضة وتوليفات نغمية متواشجة ومتآلفة لآلات الوتر والبندير. واستطاع الفنان عابدين أن يخلق جو من المتعة والسرور، فكان منه أن غنى وتفنن في عزف مقطوعاته التي اتسعت وانتشرت وصار لها ذوي عبر ألحانه الطروبة الشجية، كما انطلق صوته القوي ليلامس مسامع العامة في العديد من الأغاني التي كان لها مفعول السحر في تأجيج مشاعر المحبة والإخاء وإذكاء نار الحماس وسط الجماهير. من جهته، ألهب سعيد الصنهاجي حماس الجماهير المسفيوية الحاضرة بساحة مولاي يوسف، التي تم تأثيثها بشكل منظم، بحيث ردد معه الجمهور الذي حج من مختلف أحياء ومناطق مدينة آسفي، أغانيه المشهورة في حفل بهيج على مدى ساعة من الزمن، واستمتع الجمهور العريض الذي قدر بأزيد من 100 ألف متفرج بأفضل الأغاني، خاصة تلك المشهورة والمميزة، التي تجاوب معها الجمهور الحاضر بشكل فني رائع، بحيث تفاعل مع لونه الموسيقي بحفاوة وحرارة تجاوزت حدود الإعجاب والتصفيق. ولم يخف الفنان الصنهاجي اعجابه بحماس وانضباط الجمهورالذي استقبله بهتافات وزغاريد،وقد تفاعل هذا الحضور المتحمس والمتعطش لكل ما هو تراثي أصيل، مع مختلف الفنانين والفرق المشاركة، الذين تجاوبوا مع عشرات الآلاف من الشباب الذين حجوا إلى ساحة مولاي يوسف وأغلقوا بحضورهم المكثف كل الشوارع والأزقة المؤدية إليها، وبهذا التتويج تكون الدورة 14 من المهرجان الوطني لفن العيطة، حسب المنظمين قد حقق أهدافه والمتمثلة في خلق فرجة متنوعة وتقريبها للسكان والزوار. كما أن المهرجان ساهم في التعريف بالمدينة والتعرف عليها والمساهمة في إنعاش السياحة بها ، وتوسيع دائرة التنشيط وخلق دينامكية اجتماعية وثقافية واقتصادية والمساهمة في إشعاع وإبراز غنى الموروث الثقافي لمنطقة عبدة ودكالة وأسفي على الخصوص،وقد وجهت الجهات المنظمة في آخر فقرات المهرجان كلمة شكر خاصة لولاية جهة دكالة عبدة ولمصالح الأمن والقوات المساعدة والوقاية المدنية للجهود الكبيرة التي بذلتها من أجل المساهمة في حسن سير وتنظيم المهرجان الذي شهد إقبالا جماهيريا كبيرا، تمت تعبئة جميع المصالح الأمنية، من أجل ضمان نجاح جميع فقراته وتحقيق الفرجة وسلامة المتفرجين. وتميز مهرجان فن العيطة في افتتاح دورته بفقرة التكريم شملت هذه السنة رمزين من شيوخ فن العيطة، هما الفنانة زهرة خربوعة رائدة العيطة الزعرية والفنان بوشعيب بن عكيدة كواحد من فرسان العيطة الحصباوية، عرفانا بإسهام هذين الفنانين المشهود في خدمة هذا التراث وتثمينا لمسيرتهما وعطاءاتهما المميزة.