عاشقة للأدب، تتقن لغة الضاد ما جعل الكلمات لعبتها المفضلة. فإلى جانب اهتماماتها السابقة كتبت في قضايا مجتمعية راهنة تخص معاناة الإنسان عموما والمرأة خصوصا. فالمبدع حسب حوار خصت به "المغربية" يجب أن يكون لصيقا بهموم مواطنيه. شدتها القصة القصيرة جدا، بما يثار حولها ومن خلالها للخوض في مجال النقد فيها، فأبدعت عدة دراسات نقدية نشرت في منابر إعلامية داخل الوطن وخارجه، قبل أن تصدر باكورة أعمالها في مجال النقد تحت عنوان "البرق وحلم المطر: قراءات في القصة القصيرة جدا". في حوار ل"المغربية" تحدثنا الناقدة نادية الأزمي عن كتابها النقدي، وعلاقتها بالإبداع والنقد. من هي نادية الأزمي؟ يصعب أن يتحدث المرء عن نفسه، حيث يمكن أن تحضر النرجسية وتغيب الموضوعية، مع ذلك يمكن القول إنني كاتبة أحاول أن أجد موطئ قدم على أرضية الكتابة الخصبة، أطور نفسي ما استطعت، لأتجدد كل يوم فأنا في بحث مستمر عن الكاتبة التي في خيالي. وأفق انتظاري أبعد مما وصلت إليه، خطواتي بطيئة نوعا ما، لكنها مدروسة. بعد سنوات من الكتابة النقدية التي كانت تنشر فقط في الصحافة الورقية والإلكترونية داخل المغرب وخارجه، اليوم نرى باكورة أعمالك بعنوان "البرق وحلم المطر: قراءات في القصة القصيرة جدا" تخرج في إصدار مستقل. لماذا الآن؟ هو الحقيقة كان إنتاجي الأول في مجال القصة القصيرة، من خلال مجموعة مكتملة تنتظر الطبع، ومن حظ "البرق وحلم المطر: قراءات في القصة القصيرة جدا" أن يرى النور أولا برغم أن اشتغالي في النقد جاء متأخرا جدا عن القصة، لكن هذه الخطوة كانت ضرورية، احتفاء بإبداع كتاب طرزوا واقع القصة القصيرة جدا بإنتاجاتهم، وأسهموا في إثراء الساحة الأدبية بمجاميع قصصية مهمة، رغم التباين بينها في طريقة الاشتغال والمواضيع المطروقة والرؤيا للمشهد العام. كتابي جاء احتفاء بهؤلاء الذين انزاحوا للقصة القصيرة جدا وكان من بينهم نقاد لهم مكانتهم وتنظيراتهم المهمة في هذا المجال. في"البرق وحلم المطر" هناك قراءات في إنتاجات لقاصين ينتمون لدول عربية مختلفة، لماذا هذا التنوع الثقافي؟ وأين تصنفين القصة المغربية ضمن هذا التنوع؟ أردت أن تكون القراءات عربية حتى تكون متنوعة، وغنية بتجارب أكثر من بلد للاطلاع على ما ينتجه غير المغاربة، فجاءت الدراسات الثلاث عشرة ثرية بثراء الكتاب اللذين قمت بدراسة إنتاجهم. في كتابي لم أكن شغوفة بالتصنيف، أي البحث عن واقع القصة القصيرة المغربية بين المجاميع الأخرى بقدر ما كانت لدي رغبة في إطلاع القارئ على تجارب متنوعة تكمل بعضها بعضا، في تيمات قد تتقاطع في ما بينهما، لكن تقدم بصورة مغايرة من كاتب لآخر. القصة القصيرة جدا نوع أدبي جديد في المغرب. هل تعتقدين أنه أخذ مكانته في الساحة الثقافية؟ راكمت القصة القصيرة جدا عددا من الإصدارات المهمة سواء على المستوى المغربي أو العربي، والحقيقة أن ما بتنا نعيشه من حراك ثقافي كتابة ونقدا تمخض عنه مجموعة من اللقاءات والملتقيات التي تهتم بهذا الفن، وهذا ما يؤكد أن القصة القصيرة جدا، لها مكانتها بين الأنواع الأدبية الأخرى. أكيد أن هذا الحراك إن دل على شيء فإنه يدل على أهمية هذا النوع الأدبي، إذ أن الآمال معقودة عليه في المستقبل، خاصة أن السرعة سمة هذا الوقت، والقارئ يساير هذه السرعة بقراءات لا تأخذ من وقته الكثير، وتحقق له المتعة والفائدة وتساعده على الغوص في عمق قضاياه. لماذا اختارت نادية الأزمي جنس القصة القصيرة جدا مادة للاشتغال النقدي؟ القصة القصيرة جدا نوع أدبي يحتمل كثيرا من التطور، خاصة مع الانفتاح على عالم الإنترنيت، غير أن هناك نوعا من الاستسهال في الكتابة، حيث يتم الاحتفاء بكل إنتاج قصير تحت مسمى القصة القصيرة جدا حتى لو لم تتوفر فيه أركانها الأساسية. هناك إنتاج ضخم في هذا النوع الأدبي والأرقام التي نطلع عليها مرعبة تنبئ عن انفجار حقيقي في هذا المجال. وربما كانت المجاملة التي تنخر الواقع الثقافي التي ترفع من شأن الأعمال الضعيفة، هي ما جعلني أفكر بإظهار مجاميع أرى فيها قدرة على تطويع الحكاية. أكيد أن تلك المجاميع لها ما لها وعليها ما عليها. وهنا يأتي دور النقد الذي يجب ألا يكون مجاملا ولا قدحيا يضرب في الإبداع من دون أن يقنع المتلقي. وسط هذا الكم الهائل من المبدعين في مجال الأدب، نلاحظ قلة النقاد، كيف يمكن الخروج من هذه المعادلة غير المتوازنة؟ للأسف ما ذكرته حقيقة ونحتاج للمواكبة، فالإنتاج الأدبي في حاجة إلى النقد لإبراز ميزاته ونقائصه، ومن دون هذا التفاعل، يظل النص الأدبي فقيرا. بوصفك ناقدة كيف ترين اليوم العلاقة بين الناقد والكاتب؟ العلاقة بين الكاتب والناقد علاقة تعاون، كل منهما يرفد من الآخر، غير أن الكاتب المبدع هو الذي يهضم ما يقوله النقاد، ويتجاوز نظرياتهم. ما هي مشاريعك المقبلة؟ مازلت في البداية، وسأظل أغترف من البداية، بالشغف نفسه وبالحب نفسه في الاستزادة. وتطوير الذات مسألة ضرورية من خلال القراءة والاطلاع على تجارب الآخرين، لأن الحضور القوي يحتاج للعمل الجاد مع مرونة تقبل الآخر. والوقت الذي نملكه يجب تطويعه واستثماره، من أجل تحقيق طموحنا. لدي الكثير مما لم أقله بعد، وتجربة كتاب واحد لم تحدد ملامحي، فلكي أظهر بشخصية واضحة أمام الآخرين، أحتاج لمزيد من الحضور.