جرى تنظيم أمسية تراثية مغربية بشراكة مع المعهد الفرنسي بمراكش، في سهرة فنية كبرى بالمسرح الملكي، من خلال لوحتين موسيقيتين لكل من مجموعة الفنانة رحوم البقالي للحضرة الشفشاونية النسائية، ومجموعة ملتقى السلام من مدينة تولوز الفرنسية تحت قيادة الفنان علي العلوي. ونجح الأشياخ والمنشدون، الذين تعاقبوا على الخشبة، في إبراز روعة وغنى فن الملحون، ومساهمتهم في الحفاظ على استمرارية هذا المكون الغني للتراث الثقافي الوطني. وكان الجمهور المراكشي وعشاق الملحون، من خلال فقرات اليوم الأول من المهرجان، على موعد مع برمجة تراثية متنوعة وغنية، من خلال إحياء أمسية فنية لفن الملحون تكريما لروح فقيد فن الملحون الناظم المغربي الراحل مولاي اسماعيل العلوي السلسولي، تحت إشراف جوق جمعية الشيخ الجيلالي امتيرد برئاسة الشيخ الحاج امحمد الملحوني ، في حين استمتع عشاق فن الملحون خلال حفل فني ساهر تكريما لروح الفنان المغربي الراحل محمد بوزبع، في اليوم الثاني من المهرجان، بقصائد أداها بمهارة رواد هذا الفن، أضفت متعة خاصة على الحفل. وعاش الجمهور المراكشي وهواة فن الملحون، مع أمسيات فنية لهذا الطرب الأصيل بإطلالة جديدة في شكلها ومضمونها وتنظيمها أيضا، نادرا ما اجتمع حولها عدد من العازفين والمنشدين من مدن تراثية مختلفة، ينتمون إلى مدارس ملحونية متباينة بمرجعيتها الخصوصية، بالإضافة إلى المنشدين، الذين تناوبوا ليس فقط على القصائد، بل على القصيدة الواحدة. وتضمن برنامج المهرجان أمسيات موسيقية ومعرض اللوحات التشكيلية لمجموعة من المؤلفين الموسيقيين ممن أغنوا الخزانة الموسيقية والفنية، وساهموا في السمو بآفاق الأغنية المغربية الوطنية. وتهدف هذه التظاهرة الثقافية والفنية، المنظمة تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، واحتفاء بذكرى ميلاد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن، إلى الاحتفاء بفن الملحون وشيوخه ومؤسسيه، والحفاظ على هذا التراث الفني والثقافي والحضاري، وتعد بمثابة تكريم لذاكرة شيوخ الملحون ومناسبة للحديث والحوار والتبادل بين الفنانين والباحثين والمولعين بفن الملحون والمهتمين بتاريخه الحضاري والحس الإنساني الذي طبع روحانية هذا التراث. وتميزت دورة هذه السنة من مهرجان الملحون والأغنية الوطنية، بانفتاحها على المتعلمين، حيث جرى تنظيم مسابقة ثقافية لفائدة تلاميذ السنة الثانية للباكالوريا في موضوع " تنمية الحس الوطني لدى الناشئة، بالإضافة إلى ورشات تكوينية على شكل "ماستر كلاس" لفائدة أساتذة التربية الموسيقية بجهة مراكش تانسيفت الحوز، وبحضور الأستاذين، الفنان الملحن العربي الكوكبي والفنان الملحن عبد الله عصامي ضمن زيارات ميدانية لبعض المؤسسات التعليمية قصد التواصل مع تلاميذها وتلميذاتها، ممن ستكون أمامهم فرصة ذهبية للقاء الموسيقارين المغربيين، مع إطلالة ستمكنهم من الوقوف على مفهوم وتجليات الأغنية الوطنية وأهميتها وعلى ما حققته في متابعة وتخليد ووصف مختلف ملاحم المملكة ومحطاتها التاريخية الخالدة، وفي مدى تجاوبها مع المحطات التاريخية للشعب المغربي، حيث ستتوج بالأمسية الكبرى للمهرجان، والتي سيلتقي الجمهور المغربي خلالها مع بعض تحف وخالدات الجوق الملكي تحت قيادة الفنان المايسترو أحمد عواطف. وحسب عدد من المتخصصين، فإن فن الملحون يعتبر نموذجا مغربيا بامتياز تلتقي فيه عدة عناصر متشعبة من الأدب والفنون الشعبية المغربية، وتختلط فيه موسيقيات الإيقاعات الأندلسية والألحان الشعبية، كما يعد أكثر أشكال نظم الشعر بالدارجة المغربية. وأضافوا في لقاء مع "المغربية"، أن الملحون انطلق من منطقة تافيلالت التي يتحدر منها أغلب شعراء الملحون، الذين حملوا معهم هذا التراث الإنساني عبر هجرتهم ونشروه، ووجد أرضا خصبة للتطور. وأوضحوا أن الملحون فن مغربي أصيل، يزيد عمره عن خمسة قرون، ارتبط بقصائد مكتوبة بعامية أقرب إلى الفصحى، وهي نصوص نظمها شعراء أغلبهم كانوا يزاولون حرفا يدوية في الأحياء العتيقة لبعض المدن التاريخية كفاس ومراكش وسلا ومكناس، رغم أن الباحثين يرجعون جذوره الأولى إلى منطقة الراشيدية.