أوضح المؤلف أن القصد من إعادة نشر الكتاب، الصادر عن منشورات النادي الجراري، وهو في الأصل مقال سبق نشره باللغات الثلاث في مجلة "الإسلام اليوم" (عدد 30 السنة 29) التي تصدرها المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (إيسيسكو)، هو تسهيل تداوله بين القراء المهتمين بموضوعه. ولخص أهم ملامح هذه المرجعية الإسلامية في أنها لا تعني استبعاد ما هو دنيوي أو مدني، "مع العلم أن ما هو مدني أو دنيوي ليس بالضرورة لائكيا أو علمانيا يعارض الدين أو يخاصمه"، وأنها تقوم على ركيزتين اثنتين (أولاهما أحكام فقهية مصدرها الشرع انطلاقا من الكتاب والسنة والإجماع، وثانيهما أحكام دنيوية مرنة قابلة للتطوير والتغيير)، وأن النصوص الشرعية تحتاج إلى الاجتهاد في فهمها، والاستنباط منها بقراءة مدنية تراعي المصالح الوقتية، وأن اعتماد المرجعية الإسلامية على بعض الجوانب المدنية لا يعني التخلي عما هو ثابت في الدين. وأضاف عباس الجراري أن أهم معادلة تحتاج المرجعية الإسلامية إلى حلها هي التي تتطلب التوفيق بين الديمقراطية التي تمارسها الدول الغربية كأسلوب للحكم بأوجه متعددة لا تخلو من عيوب وسلبيات رغم إغرائها، وبين الشورى كمبدإ إسلامي للحكم عرف، هو كذلك، صيغا عديدة منذ العهد النبوي والراشدي إلى الآن. وأفاد مؤلف الكتاب أن الإسلام لم يحدد نظاما معينا ومفضلا للحكم، ولكنه وضع مبادئ وأصولا ورسم خطوطا عامة، حصرها في أربعة أركان تتمثل في اعتبار الله هو الحاكم الحق الذي يتصرف في الكون ويدير شؤونه، والإنسان إنما هو مستخلف من الله لحمل هذه الأمانة، وأداء الإنسان لهذه الأمانة مشروط بأن يتحلى في نفسه بالاستقامة والتقوى وأن يقيم العدل بين الناس دون أدنى تمييز بينهم، وضبط الإسلام كيفية تحمل هذه الأمانة وربطها بالبيعة التي هي عقد شفوي أو مكتوب يتم بحرية واختيار بين الحاكم والأمة (صاحبة السيادة) ويمثلها نوابها (أهل الحل والعقد)، وحث الإسلام على مبدأ الشورى "حتى يتحقق العدل، بعيدا عن أي تحكم أو استبداد وفي غير تسيب أو فوضى". ويرى عضو أكاديمية المملكة المغربية أن "مدونات الفقه الإسلامي تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى المراجعة، ليس فقط بقصد تحديثها، ولكن بهدف الإضافة إليها، لا سيما في ما يتعلق بقضايا الواقع وما يثار فيه من مشكلات طارئة تتطلب، وما أكثرها، إيجاد الحلول الناجعة لها، اعتمادا على الثوابت الشرعية، لكن برؤية وسطية ومنظور معتدل"، موضحا أن "هذه المشكلات لا تقتصر فقط على الجانب السياسي - كما يظن - ولكنها تشمل سائر مجالات الحياة، ولا سيما الاقتصاد الذي ينبغي أن يوجه إلى تحقيق عدالة اجتماعية تراعي كرامة الإنسان وتشيد بالعمل والإتقان، وتتجنب ما هو ظلم وباطل واستغلال واحتكار وإسراف وسفه". عباس الجراري نبوغ مغربي متجدد يعتبر عباس الجراري عميدا للأدب المغربي نظرا لسجله الحافل في مختلف مجالات المعرفة والأدب المغربي، وتكوينه الجامع بين الآداب والعلوم الشرعية، وممارسته الطويلة للعمل السياسي الدبلوماسي بوزارة الخارجية المغربية وفي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ثم العمل الجامعي الأكاديمي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، وأخيرا بعمله مستشارا للملك محمد السادس. ولد بالرباط يوم 15 فبراير 1947، وأنهى بها تعليمه الابتدائي والثانوي، ظهرت ملامح اهتماماته بالبحث العلمي حول التراث، منذ بداية تحصيله الجامعي في القاهرة عام 1964، حيث نال الإجازة في اللغة العربية وآدابها عام 1961، وشهادة الماجستير عام 1965 في موضوع "أبو الربيع سليمان الموحدي"، ثم دكتوراه الدولة في الآداب عام 1969، في موضوع "الأدب المغربي الشعبي- قصيدة الملحون"، الذي نشره عام 1970 تحت عنوان "الزجل في المغرب- القصيدة"، كما قضى فترة في جامعة السوربون بباريس، وشارك عام 1981في برنامج فولبرايت بالولايات المتحدةالأمريكية. أغنى المكتبة المغربية والعربية بكتب مهمة تظهر عمق ثقافته الغزيرة والجادة. ومن هذه المؤلفات "من وحي التراث" (1971)، و"الثقافة في معركة التغيير" (1972)، "في الشعر السياسي" (1974)، و"من أدب الدعوة الإسلامية" (1974)، و"وحدة المغرب المذهبية" (1976)، و"الفكر الإسلامي والاختيار الصعب" (1979)، و"الفكر والوحدة" (1984) و"مكانة المقدس في الثقافة المعاصرة" (2003) بالعربية والفرنسية والإنجليزية، "الإسلام واللائكية" (2003) مترجم إلى الفرنسية والإنجليزية، و"الدولة في الإسلام: رؤية عصرية" (2004)، و"لا تطرف ولا إرهاب في الإسلام" (2004)، والإصلاح المنشود (2005). واعترافا بمساهمته الكبيرة في إثراء المكتبة المغربية والعربية بأبحاث رصينة، حصل الجراري على العديد من التكريمات والأوسمة منها وسام الاستحقاق المصر (1965)، ووسام العرش المغربي من درجة فارس (1980)، وسام المؤرخ العربي (1987)، وميدالية أكاديمية المملكة المغربية (1990)، وجائزة الاستحقاق الكبرى (1992)، وسام العرش المغرب من درجة ضابط (1994)، ووسام الكفاءة الوطنية من درجة قائد (1996)، ووسام الجمهورية التونسية من الطبقة الأولى (2000)، ووسام العرش المغربي من درجة قائد (2000)، ووسام العلوم والفنون المصري من الطبقة الأولى (2004)، ووسام الإيسيسكو من الدرجة الأولى (2006). تقلد الجراري عدة مهام منها العلمية والإدارية، حيث التحق بالسلك الدبلوماسي بسفارة المغرب في القاهرة سنة 1962، وانضم بعد ذلك إلى هيئة التدريس بجامعة محمد الخامس في فاس ثم في الرباط، كما عين سنة 1982 مديرا للدراسات الجامعية العليا لتكوين أطر التدريس بالجامعة، وأستاذا بالمدرسة المولوية ( 1979 - 2000)، وعميدا لكلية الآداب، جامعة القاضي عياض بمراكش (1980)، وعضوا بأكاديمية المملكة المغربية. وشغل منصب الأمين العام لمركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات، ورئيس المجلس العلمي الإقليمي لولاية الرباط و سلا (1994- 2000)، وأصبح مكلفا بمهمة في الديوان الملكي (1999-2000)، ثم مستشارا لجلالة الملك محمد السادس منذ سنة 2000.