يشهد المغرب، الذي قرر استقبال الإنترنيت والانفتاح عليه، خلاف ما فعلت بعض الدول، التي فرضت عليه قيودا، تطورا متناميا، إذ تعاطى المغاربة ل"الويب" على اختلاف الشرائح الاجتماعية والفئات العمرية، وازدهرت مقاهي الإنترنيت (السيبير) في الأحياء الشعبية. مع تطور أدوات الاتصال وتقدم المستوى التكنولوجي أصبحت الحواسب الثابتة والمحمولة في متناول نسبة مهمة من المغاربة، وباتت أجهزة ضرورية في البيوت المغربية، مثل الثلاجة والتلفزة. وبمجرد دخول "الهواتف الذكية" السوق المغربية، وتنامي المنافسة بين الفاعلين في مجال الاتصالات، أصبح الإنترنيت في متناول اليد لدى 16 مليونا و477 ألفا و712 شخصا، حسب إحصائيات أجرتها شركة "إيبسو" العالمية لأبحاث السوق مقرها باريس، قبل عامين، محتلا بذلك المرتبة 30 عالميا بعد باكستان وأستراليا، فيما تشير آخر التقديرات للشركة نفسها أن عدد مستعملي الإنترنيت في المغرب وصل حاليا إلى قرابة 18 مليون مستعمل. من جهة أخرى، يعد "الفايس بوك" الموقع الأكثر شعبية في المغرب، بعدد مشاهدات يزيد عن المليار شهريا، يليه محرك بحث "غوغل"، بحوالي نصف مليار مشاهدة شهريا، ثم "اليوتيوب"، والموسوعة الحرة "ويكيبيديا". بدأت برمجيات المعلومات في منتصف الستينيات من القرن الماضي داخل دوائر مغلقة تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، وجرى لأول مرة ربطها بشبكة للتواصل اللاسلكي بداية السبعينيات في شكل برامج في غاية السرية، وكانت أول نواة للإنترنيت في التاريخ تخرج إلى العالم نهاية الثمانينيات من القرن الماضي وتبدأ في الانتشار تحت شعار "دمقرطة الإنترنيت"، وتصبح اليوم على الشكل الذي هو عليه الآن، عالم افتراضي له جمهور يمتد من أقصى شمال الأرض إلى أقصى جنوبها، ومن أقصى شرقها إلى أقصى غربها، فالشبكة العنكبوتية هي عصب نظام "العولمة" بكل تجلياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والأمنية. وتسيطر الشبكة على مساحات كبيرة من أنشطة المجتمع في ميادين العمل والتجارة والترفيه والتعليم والتواصل، وأصبحت توفر قاعدة بيانات مهمة بالنسبة للجهات التي تملك وسائل المراقبة والتحكم فيها. وحسب دراسات حديثة، تعتبر الصين أول بلد في العلم من حيث مستعملي الإنترنيت، نظرا لعدد سكانها، الذي يتجاوز المليار نسمة، فيما احتلت الولاياتالمتحدة الرتبة الثانية، غير أنها تعتبر البلد الأول عالميا من حيث الاستفادة والاستخدام، إذ تتوفر على أكبر خمس وحدات التخزين المركزية للمعلومات في العالم. وحسب إحصائيات المركز العالمي للإنترنيت بالولاياتالمتحدة (بداية 2014)، تحتل اللغة الإنجليزية المرتبة الأولى من حيث الاستعمال (800.625.314 مستعملا)، تليها اللغة الصينية (649.375.491 مستعملا)، وفي المرتبة الثالثة اللغة الإسبانية (222.406.379)، مستخدما، تليها اللغة العربية في المرتبة الخامسة (135.610.819 مستعملا)، فيما احتلت اللغة الفرنسية المرتبة التاسعة بعد اللغات البرتغالية واليابانية والروسية والألمانية. الطريف في استخدام الإنترنيت، أنه، إضافة إلى المعلومات التي يوفرها حول حياة الشعوب والمجتمعات، وطريقة عيشها وتفكيرها واهتماماتها ومشاكلها، أصبح يشكل، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وفضاءات الدردشة، محيطا اجتماعيا افتراضيا مستقلا عن الواقع المعاش، وأصبح لمستعمليه لغاتهم الخاصة، التي تستعمل الحروف اللاتينية بمضمون اللهجات والدارجات الشعبية، وفي حال انعدام ما يقابل الحرف المنطوق في اللغة المستعملة كتابة، ابتكر جمهور الإنترنيت في المغرب والدول العربية رموزا وأرقاما للدلالة على الحروف مثل الحاء، التي يرمز إليها برقم 7 والعين برقم 3، والقاف برقم 9. كما تعتبر كلمة "OK" الأكثر استعمالا في جميع اللغات والمحادثات. ويرى مراقبون أن اللغات الأكاديمية أصبحت مهددة في ظل التقدم الكاسح للغة الإنترنيت، التي يستعملها خاصة الشباب، ولدرجة تثير الدهشة والاستغراب أن بعض الطلبة، خلال امتحانات الباكالوريا، قدموا أجوبة عن أسئلة باللغة التي دأبوا على استعمالها عبر الشبكة العنكبوتية.