زوجات في مقتبل العمر حلمن بحياة هنيئة مع أزواجهن في بلاد المهجر، ليجدن أنفسهن، بعد السفر، حبيسات جدران بيت الزوجية، متذوقات مرارة العيش بسبب هواجس الشك وانعدام الثقة، التي تسيطر على شركائهن، الذين قيدوا حريتهن ولا يهنأ لهم بال حتى يقفلون عليهن باب المنزل بالمفتاح، مخافة أن يخرجن أثناء غيابهم، وينسجن علاقات قد تؤدي بهن إلى الانفلات من قبضة أيديهم، أو الوقوع في بئر الخيانة، أو تركهم والهروب إلى وجهة مجهولة. كان أول رجل يدق له قلبها، فهو ابن خالتها الذي تربيا سويا، وأعجبا ببعضهما البعض منذ الطفولة. لم تكن تريد فاطمة زوجا إلا محمد، رغم سفره إلى بلد المهجر، أخلصت له وانتظرته سنوات طوال، قبل الزواج وحتى بعده، نظرا للإجراءات القانونية التي تستغرق وقتا طويلا للالتحاق به في البلد الذي يعيش فيه. لا يتردد في إغلاق الباب على زوجته تقول فاطمة ذات 30 سنة "لم أكن أعلم أنه سيقيد حريتي على هذا النحو المريب، ولو علمت بذلك لما وافقت على الزواج به، رغم الحب الذي أكنه له ".. بهذه العبارة التي تحمل في طياتها كثيرا من الحسرة، باحت فاطمة ل''المغربية'' عن حالة الشك التي عانتها مع زوج اختارته عن قناعة وحب، دفعت به منذ أن وطأت قدماها تلك البلد، إلى عدم السماح لها بالخروج والتسوق بمفردها كأي ربة بيت، بل منعها حتى من خلق صداقات تخفف عنها وحدة الغربة، وما جعل فاطمة تندب حظها التعيس هو أن زوجها لا يهنأ له بال حتى يغلق عليها باب المنزل، حتى يتأكد أنها لن تخرج أثناء غيابه، ما يجعلها حبيسة الجدران إلى حين عودته لساعات متأخرة. اعتقدت فاطمة في الأسابيع الأولى من الزواج، أن زوجها، الذي أصبح اليوم طليقها، يخشى عليها من أن يصيبها مكروه، نظرا لكونها مهاجرة حديثا ولا تعرف البلد جيدا، لكن مع مرور الوقت، اكتشفت أنه لا يكن لها أي ثقة، فهو يشك في رزانتها وسلوكها، وفي اعتقاده أنها قد تقع في المحظور عند أول إغراء تتعرض له. هواجس جبارة يبدو أن هذه التجربة لم تعان منها فاطمة وحدها، وها هي حورية ذات 27 سنة تحكي بدورها المعاناة نفسها، فهذه الفتاة التي تظهر عليها ملامح الخجل وهي تتحدث إلينا، لم تكن تتوقع أن ينتهي بها الأمر في بلاد المهجر مسجونة بين أربعة جدران، تقول ‘'لم يخبرني عن نواياه، ولم ألاحظ عليه أي علامات الشك أو عدم الوثوق في سلوكي، بالعكس، كان يحترم قراراتي ورغباتي عندما كنت في المغرب، لكن فور وصولي إلى فرنسا بدأت مظاهر الغيرة والشك تظهران عليه. قيد حريتي بشكل مبالغ، وأصبحت حبيسة المنزل، ليس لي الحق في الخروج إلا عندما يكون برفقتي، وعندما استفسرته وحاولت إقناعه أنني قبلت الزواج به لأنني أحبه، ومقتنعة به، كما أنني راشدة وواعية بنفسي ولست مراهقة، ولا داعي لأن يلتجئ لمثل هذه الأساليب، يكون جوابه أنه لا يستطيع طرد هواجسه، ويخشى أن أخونه وأتركه في هذا البلد''. السمع والطاعة غيثة، 24 سنة، التي استقر بها زوجها في إيطاليا اشترط عليها قبل الزواج أن حياتها في المهجر لن تكون كما اعتادت هنا في المغرب، وعليها أن تسمع له وتطيعه في كل أمر، لكن هذه الطاعة، تقول غيثة، انقلبت إلى أسر في بيت الزوجية، الذي لا تستطيع الخروج منه سوى وهو معها. تسرد غيثة أنه في اليوم الأول، "اعتقدت أن زوجي يمازحني، عندما أخبرني أنه سيضطر إلى قفل الباب من الخارج، ليطمئن قلبه أنني لم أخرج من البيت أثناء غيابه، لكن تبين لي في ما بعد أن الأمر ينحو منحى جديا، وأن كلامه حقيقي وليس مزاحا، متجاهلا الخطر الذي قد يصيبني لو أن الظروف حكمت علي أن أتواجد خارجا، مثل حريق لا قدر الله، أو مكروه أصابني وأنا وحدي داخل البيت. وعندما كنت أواجهه بهذا كان في كل مرة يطمئنني أنه لن يفعل، لكن لا يفي بوعده، وفي الصباح أجد نفسي مثل السجين، الذي ارتكب جرما. وتضيف غيثة التي طلبت الطلاق من زوجها فور وصولها إلى المغرب، في أول زيارة اعتبرتها فرصة النفاذ بجلدها من هذا الزوج، التي مضت معه سنتين من الجحيم بسبب شكه وأنانيته، "لم يكن يبالي بمعاناتي، وكأنني لست إنسانة مثله، كان يحسسني بشكه، وكأنني امرأة سيئة، حاولت إفهامه أنه عليه الوثوق بي، وأن ما يقوم به لن يؤدي سوى إلى انهيار زواجنا، لكن هواجس الشك كانت تتملكه، لدرجة أنني عندما خيرته إما الوثوق بي أو الطلاق، اختار الطلاق". وعلى عكس من ذلك، استنكر محمد 48 سنة، مهاجر منذ 30 سنة، مثل هذه التصرفات، التي يقوم بها بعض الرجال خاصة الشباب، تجاه زوجاتهم، وهي عدم الوثوق بهن، وحرمانهن من ممارسة حياة طبيعية، والاندماج بشكل سليم في بلاد المهجر. ويوضح محمد أن مثل هؤلاء الرجال يفقدون الثقة في أنفسهم، ويعتقدون أن زوجاتهم سيغدرن بهم، وسيقعن في بئر الخيانة، ثم الفرار وتركهم، ما يجعلهم عرضة للسخرية من طرف الأهل والأصدقاء، لذلك يكونون حريصين على كيفية السيطرة عليهن، ومنعهن من الخروج، "على الزوج الوثوق في أخلاق زوجته، وعوض أن يشغل فكره بهذه الهواجس والوساوس، ينظر إلى الزيجات الناجحة التي انبنت على الثقة والتفاهم. ويوافق خالد محمد رأيه، بحيث يرى أن بعض الشباب، الذين هاجروا حديثا، يصطدمون بمجتمعات مختلفة عن مجتمعهم الذي ولدوا فيه وتربوا وعاشوا فيه سنوات طويلة من عمرهم، وبالتالي ينعكس ذلك على حياتهم الزوجية، خاصة إذا كان الزوج متزوجا حديثا، واستقدم زوجته معه، وفور أن تطأ رجلاها تلك الأرض، تسيطر عليه حالات الشك والهلع تجاه زوجته، ويحاول قدر الإمكان أن يجعل أنظاره عليها، والغريب أنه عندما يضطر إلى مغادرة المنزل للعمل، يغلق الباب بإحكام، ليتركها وحيدة مسجونة، وغالبا ما يفشل هذا الزواج وتكون الخاسر هنا المرأة التي وثقت في هذا الرجل وقبلت الزواج به، ليكون مصيرها الطلاق، لأن لا أحد يقبل أن يعيش ‘'حياة سجينة'' بسبب الشك.