الغيرة شيء ضروري لأنها شعور متأصل في طبيعة الإنسان، خصوصاً الغيرة بين المرأة والرجل حين يشعر كل منهما أن هناك شخصا يخاف عليه ويشتاق إليه، ويريد أن يمتلكه هو وحده ليبعده عن الآخرين ويحميه. وهذه الغيرة يمكن أن تكون مقبولة عندما تنحصر في حدود معيّنة، ويمكن أن تصبحُ مُدمِّرة إذا تجاوزت هذه الحدود، وفي كثير من الحالات تؤدي الغيرة العمياء إلى مشاكل لا تحمد عقباها، وتكون سبباً في انهيار البيوت، وتفكّك العائلات، وتشرُّد الأطفال. بعض أسباب الغيرة قد تكون واقعية، ولها ما يبرِّرها، وبعضها الآخر هو وليد التصوُّرات والأوهام المبالغ فيها، وهنا يتمُّ التعامل معها كمرض يستدعي تدخُّل الأطباء المختصّين. الغيرة من الأصدقاء متى يغار الزوجان من أصدقاء بعضهما؟ يحصل ذلك عندما يمضي الزوج معظم وقته مع أصدقائه دون أن يعير اهتماما لشعور زوجته التي تنتظره لساعة متأخرة من الليل، وهذا يؤثر على العلاقة الزوجية ويسبب العديد من المشاكل؛ فغياب الرجل عن بيته لوقت طويل يجعله بعيدا عن متطلبات البيت والزوجة والأبناء، وعليه أن يقسم وقته بين بيته وأصدقائه، وبذلك سيراعي بيت الزوجية مع الاحتفاظ بأصدقائه في نفس الوقت فلابد إذن من التوازن . وبعض الأزواج يشعرون بالغيرة من صديقات الزوجة، فيطلب منها قطع علاقتها بهن، وهذا الأمر يعود لطبيعة الزوج ودرجة غيرته، لذا على الزوجة أن تراعي رغبة زوجها وتخفف من الاتصال بصديقاتها وتحاول إقناعه بالموافقة على استمرارها مع الصديقات المقربات لها. غيرة الزوج من المولود وخاصة الطفل الأول لأنه قبل قدوم الطفل الأول يكون كل اهتمام الزوجة بالبيت والزوج، فيتدلل الزوج ويصبح تماما كالطفل الصغير، يجد من زوجته كل الرعاية والاهتمام، ولكن بعد أن يأتي المولود تبدأ الزوجة برعاية المولود، وللأسف الشديد كثير من النساء يهملن أزواجهن في هذه الفترة، فقد تبرر الزوجة موقفها بأن الطفل بحاجة لرعاية في أول أيام قدومه، فيؤثر ذلك على نفسية الزوج، ويشعر بأن هذا الطفل قد أخذ كل الاهتمام، فيكثر خروجه من المنزل. الغيرة المرضية: تكون الغيرة المرضية عندما يكون أحد الأزواج مصاباً بمرض الشك، حيث يعاني من ضعف الشخصية وعدم الانسجام العاطفي، والشك في سلوك من حوله، إذ يسقط ضعفه على الآخرين ويتهمهم بالخيانة. كما تحدث هذه الغيرة إذا كان أحد الطرفين يصر على تجاهل الطرف الآخر، فيتصرف بطريقة تثير غيرته أو شكه، خاصة إذا كانا من بيئتين مختلفتين تتسم إحداهما بالمحافظة والتشدد والأخرى بالانفتاح، مما يثير حفيظة صاحب البيئة المتشددة من تصرفات الطرف الآخر. وعندما يكون هناك تفاوت في المشاعر بين الطرفين أحدهما يحمل شحنة عاطفية كبيرة والآخر أقل منه يدفع ذلك المحب للوقوع فريسة سهلة للغيرة المرضية. كما أن معاناة أحد الطرفين (الزوج أو الزوجة) من أي إعاقة جسدية أو ضعف في النواحي الجنسية أو وجود مانع عن الإنجاب كلها عوامل تدفع للوقوع في الغيرة المرضية. ومن ناحية أخرى يعد التفاوت الاجتماعي والثقافي بين الزوجين من العوامل المشجعة على الوقوع في الغيرة المرضية، نتيجة شعور الطرف الأدنى ( الزوج أو الزوجة) بعقدة النقص وضعف الثقة في الذات، وتوقعه الدائم بتحول الطرف الثاني لإكمال هذا النقص في حياته. أيضا فإن وجود علاقات سابقة للزوج أو الزوجة، يجعل الطرف الثاني ضعيف الثقة في شريكه ويتوقع ارتكابه لمثل هذا الخطأ من جديد، وكذلك وجود أي رواسب سابقة عن خيانة الأزواج لدى أحد الطرفين أو كليهما، مما يجعله يسقط هذه التجارب على تصرفات شريكه. علم النفس والغيرة الغيرة شعور محير وغامض، غني بالأسرار، لا يتمكن الإنسان من إخفائه في معظم الأحيان، وفي حال ما أفصح عنه يكون بغضب وألم، خاصة بالنسبة للنساء. أما عند معشر الرجال فتنطوي الغيرة عندهم على مكونات دفينة في النفس لا نتلمس آثارها إلا إذا سرنا بعيدا وعميقا في أغوار الطفولة المبكرة . فتكوين الإنسان يتحدد في السنوات الخمس الأولى من عمره، إذ إن شخصية الرجل تتسم بنفس الصفات التي كان يعرف بها في تلك السنوات الخمس حيث تكونت ملامح شخصيته منذ الطفولة. ولا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للنساء، رغم أن بعض المتغيرات فرضت نفسها على الفتاة، لكي تحافظ على من امتلكته خاصة إذا كان الأمر يتعلق بمن تحب، وبمن طبع كل حياتها منذ لحظة الاقتران. فالمرأة بطبعها تحب أن تكون أفضل النساء وأجملهن في عين زوجها وأن تحتكر حبه واهتمامه، فالغيرة تعتبر من بديهيات الحياة الزوجية طبعا إن لم تتجاوز حدودها. ففي حال اقتحم فيروس الشك القفص الذهبي، ستنقلب هذه الحياة السعيدة الهنيئة إلى مسلسل من الصراعات والتوترات إن لم يتمكن الزوجان من علاج المرض في مراحله الأولى. يرى الدكتور ناصر لوزة أمين عام الصحة النفسية في مصر في تصريح له لإحدى المجلات النسائية أن الغيرة سلوك طبيعي، ولهذا يغار الرجل وكذلك المرأة، ولكن لكل سلوك حدود، فإذا تجاوز الإنسان هذه الحدود فإنه سيصبح منحرفاً في تصرفاته، ومن الممكن أن تتحول الغيرة إلى مرض، بحيث يطلق عليها الأطباء اسم «غيرة مرضية «تصل بصاحبها إلى ارتكاب جرائم. وملفات الشرطة مليئة بهذه النماذج التي فقد أصحابها السيطرة على أنفسهم وأصبحوا أسرى لغيرتهم. ولا علاقة لغيرة الرجل على زوجته بكونها حسناء، فهناك من يغارون على زوجات ليس لهن نصيب من الجمال والعكس فهناك زوجات حسناوات يغرن بشدة على أزواج بلا وسامة. ويؤكد الدكتور ناصر أن هناك حالات من الغيرة تحتاج إلى علاج دوائي للتخلّص من هذا المرض، ويجب أن يذهب الرجل الغيور بشجاعة إلى الطبيب النفسي حتى يتم فحصه والتأكد من حاجته إلى علاج أو نصائح نفسية. الغيرة في نظر علم الاجتماع يرى علماء الاجتماع أن الغيرة بين الزوجين تتحول إلى مرض إذا أصبحت هاجساً تدعمها أمور عديدة، من ضمنها الحب الزائد، الذي يفصل بينه وبين الغيرة المرضية خيط رفيع، وأن المجتمع العربي بوجه عام ذكوري، مما يجعل غيرة الرجل عالية جداً، حيث لا تستنكر عليه تلك الغيرة، بل ينبذ الرجل الذي لا يغار على زوجته. و أن شعور الرجل بالنقص يجعله يقتنع بأنه لا يستحق زوجته، إضافة إلى يقينه بأن النساء لا يختلفن عن بعضهن بحكم وجود علاقات غير سوية له خارج منزله تجعله يدخل في دائرة الشك تقول د. هدى زكريا أستاذة علم الاجتماع في جامعة الزقازيق في مصر في شهادة لها لإحدى المجلات : الغيرة الشديدة تعبّر عن حالة عدم ثقة بين الزوجين وإذا وصلت لدرجة الشك الشديد فيجب أن يتم الانفصال بهدوء لأن الحياة لن تعود مطلقاً لسابق عهدها، ولكن يجب بناء الثقة بين الزوجين بالتفاهم، وإقناع كل طرف لنفسه بأنه يستحق حب الآخر، فالمشكلة تقع من زوج ذميم يشكك في سلوك زوجته الحسناء، والحل أن يقتنع كل طرف بأهميته لدى الآخر تكمل الدكتورة هدى: والغيرة في حد ذاتها مطلوبة حتى تضفي على الحياة الزوجية متعة و»بهارات« حتى لا تصبح حياة رتيبة مملة، يشعر فيها كل طرف بأنه بلا قيمة، وفي أمريكا تغار النساء على الرجال وكذلك الرجال ولكن هذه الغيرة لا تتحول إلى كارثة بأن يقتل الرجل بسببها، أو يتم الانفصال نتيجة الشك. والمشكلة أن بعض الأشخاص يتصرفون بشكل خاطئ، ومنهم من يتزوج قبيحة حتى لا يغار عليها، وآخر يعتقد أن زوجته ملك له، وأخرى تعتقد أن زوجها لها فقط وهنا تصبح الغيرة مرضاً يجب العلاج منه. وهناك أزواج يدعون الغيرة على زوجاتهم حتى يضفون حباً وهمياً وسعادة زائفة على حياتهم الزوجية، وننصح هؤلاء بالتصرف بشكل طبيعي . وقد دعا الإسلام إلى الغيرة المحمودة على الزوجة بشكل يحفظ كرامتها ويشعرها بقيمتها لدى الزوج. ويؤكد الجمعان أن بناء الثقة بين الزوجين لابد أن يبدأ من اليوم الأول، إضافة إلى ضرورة معرفة أن الحياة الزوجية ليست كلها سعادة، ولابد من مصارحة الزوجين في حال معاناة أحدهما من هذه المشكلة لكي يساعد كل منهما الآخر في تخطيها ويمكن تصنيف الغيرة إلى ثلاثة أصناف : الغيرة العادية والسوية التي تصدر في مجالها السوي والغيرة المرضية التي يعاني فيها الشخص، سواء الرجل أو المرأة حتى يصل إلى تنغيص حياة الآخر، ويكون هذا النوع مصحوبا بالكثير من الشكوك والوساوس. وأخيرا هناك جنون الغيرة الذي يصيب الرجل أكثر من المرأة، حيث تصدر عنه تصرفات أشبه بالمضطربين عقليا وحينما تزداد أكثر يعتقد أن زوجته لها علاقة بطرف آخر دون وجود أي دليل يؤكد هذه الادعاءات. أوهام مدمرة تحولت غيرة نور الدين الموظف في إحدى الشركات إلى كارثة دمرت حياته، وشردت أطفاله، كان يحب زوجته بجنون، يغار عليها من كل شيء ، يتمنى لو استطاع أن يضعها في صندوق كي لا يراها أحد، جمالها كان نقمة عليها وزوجها الذي كان يفتعل عشرات المشاجرات كلما كان يسير معها في الشارع، ظنا منه أن جميع المارة ينظرون إلى زوجته ، وهو ما كان يدفعه أحيانا كثيرة إلى المشاجرة مع المارة. تسببت غيرة الزوج في إحداث شرخ كبير في الحياة الزوجية بينه وبين زوجته التي لم تستطع أن تواصل حياتها بهذا الشكل، طلبت منه أن يثق بنفسه أكثر، أكدت له أنها تحبه بشدة ولا يمكن أن تنظر إلى أي شخص سواه. كانت كلمات الزوجة أشبه بالمسكن الذي يهدئ من روع الزوج الثائر دائماً، ولكن سرعان ما يعود إلى عادته ، لا يستطيع نور الدين أن يمنع نفسه من الشكوك التي تنتابه حينما يعود من عمله ويجد زوجته واقفة في الشرفة، يظن الزوج أنها تبادل أحدهم النظرات، يجن جنونه حينما يواجه زوجته بشكوكه، ومع مرور الأيام بدأت الزوجة تمل من هذا الأسلوب، وتؤكد لزوجها أن حياتهما الزوجية مهددة بسبب شكوكه، وغيرته التي تجاوزت كل حدود المعقول. عندما أنجبت اعتقدت أن الزوج سيهدأ حينما يدرك أنه أصبح أبا لكنها كانت خاطئة . كانت تعاني كثيرا بسبب ضغوط زوجها، واستمراره في هذا السلوك ، الغيرة جعلت منه إنساناً لا يطاق. كان يرفض استقبال أقارب زوجته، وبعض أقاربه بسبب هذه الغيرة، وتحول منزل الزوجية إلى سجن كبير. طلبت منه الطلاق مرارا لأنها لم تجد حلا آخر لكنه رفض لأنه يعشقها مما دفعها أن ترفع عليه دعوى الطلاق ليتم في الأخير طلاقها وتشتيت عش الزوجية. أما نبيل، فقد اختار زميلة في العمل بعد أن وجد فيها الصفات التي كان يبحث عنها، لكن بعد الزواج اكتشف ما لم يستطع اكتشافه قبل الزواج، فزوجته من النوع الغيور، تغار من حديثه مع أي امرأة في العمل أو خارجه قريبة أم غريبة، فكل امرأة غيرها هي منافسة لها، لكن غيرتها التي وصفها نبيل بالمجنونة وصلت لدرجة أساءت إليه والى كل من حوله ، سواء في العمل أو العائلة وكذا الأصدقاء، فأًصبحت عديمة الثقة بزوجها وحتى بنفسها، لكن نبيل لم يستطع تحمل هذه الغيرة الزائدة بل المرضية التي لا أساس لها، فطلقها قبل أن يكمل سنة من الزواج، ويحمد الله انه لم يرزق بأولاد وإلا كان من الصعب عليه أن يتركها. كيف يتجنب الزوجان الغيرة المرضية؟ بداية يجب مراعاة معايير حسن الاختيار عند الزواج، والحرص على التكافؤ النفسي والثقافي والاجتماعي والخلقي بين الزوجين حتى تكون العلاقة متزنة ومستقرة بعد الزواج. فلابد أن يلتزم الطرفان بالمصارحة والوضوح في تعاملهما، وتجنب أي فعل يوقع الإنسان في شبهة كإخفاء الهاتف الجوال، أو التحدث خلاله بسرية، أو إضفاء الغموض على تحركات الفرد ووجهته في الذهاب والإياب. فينبغي مراعاة كل طرف لمشاعر الآخر وعاداته وتقاليده، ومراعاة الحدود والآداب التي نصت عليها الشريعة الإسلامية في التعامل مع الغير واتقاء مواضع الشبهة. من الضروري أن يحاول الفرد أن يكون طبيب نفسه، وأن يقوم بتحليل المواقف لذاته، ويبتعد تماما عن سوء النية أثناء هذا التحليل، حتى إذا كان مقتنعا بأن الحقيقة عكس ذلك، فإذا استمر الفرد في اتباع هذه الخطوات، سيتخلص من غيرته بشكل تدريجي وأخيرا يجب أن يبنى الحب بينهما على أساس الثقة ليكون الأمان.. فالاستبداد والتحكم في الزوج وتتبع خطواته قد يؤدي إلى هروبه بالانفصال، وعليها إدراك أن الزوج لم يعد كما كان في فترة الخطوبة حيث الاهتمام وتأجج الحب، فقد غيرته مشاغل الحياة وهذا لا يعني أنه انصرف عن زوجته.