أجمع المشاركون في المناظرة الوطنية حول مدونة الشغل، على أن تطبيق مدونة الشغل بعد عشر سنوات من دخولها حيز التنفيذ، يكتنفه الكثير من الثغرات واللبس والنواقص والتأويلات المتناقضة. (كرتوش) وأكد المشاركون في المناظرة الوطنية حول مدونة الشغل، نظمتها وزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية، أمس الاثنين بالرباط، تحت شعار"مدونة الشغل بعد عشر سنوات من التطبيق، بين متطلبات التنمية الاقتصادية وضمان العمل اللائق"، أن تطبيق العديد من مقتضيات مدونة التشغيل، التي تم إعدادها بتوافق مع مختلف الفرقاء والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين في إطار تفاوضي خلال الفترة مابين 1994 و2003، أفرز صياغات معيبة وتأويلات صعبت من تطبيقها، مشددين على أن الثغرات العديدة التي أبان عنها تطبيق المدونة، وكذا النواقص والتأويلات المتناقضة، يطرح إشكالية الملاءمة والفعالية والانسجام الذي يجب أن تتميز به القواعد والضوابط القانونية. ومن جانبه قال مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، إن المدونة تشكل حدثا مهما، على اعتبار أنها جمعت 34 نصا قانونيا، مبرزا أنه ينبغي تثمين مجمل مقتضيات المدونة خاصة تلك المتعلقة بالمفاوضات واتفاق الشغل الجماعي. وأوضح الرميد أن وزارته عملت أخيرا على إحداث قسم في محكمة بالدارالبيضاء خاص بنزاعات الشغل، في إطار التنظيم الذي تقوم به، أخذا بعين الاعتبار طول المدة التي تأخذها المحاكم للنظر في قضايا الشغل، معلنا أن وزارات تعتزم تعميم الأقسام المتخصصة في نزاعات الشغل على باقي محاكم المملكة. من جانبه أكد نزار بركة، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ضرورة القيام بوقفة تأملية حقيقية بعد عشر سنوات على اعتماد مدونة الشغل بالمغرب، بما يقضي من تقييم للمنجزات بإيجابياتها وسلبياتها، والتداول في الإشكالية التي ما زالت مطروحة وفق مقاربة تشاركية، لا يمكنها إلا أن تساهم في تحسين مناخ الشغل، وتحديث العلاقة المهنية داخل المقاولة. وأوضح إدريس اليزمي، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن" إشكالية عدم تطبيق مدونة الشغل وأحيانا محدودية هذه المقتضيات، تبرز كعائق إعمال عدد من الحقوق التي جاءت بها المدونة، في التعاطي مع كثير من مظاهرات الهشاشة كالعمل المؤقت وقطاع المناولة وما يشوبه من اختلالات، وما يكرسه من أوضاع تشكل في العديد من الحالات مصدرا للاحتقان والاحتجاجات، التي غالبا ما يوكبها انتهاكات"، معلنا عن النقص" البين" في مجال الصحة والسلامة، "نتيجة محدودية عدد أطباء الشغل والمهندسين المختصين في المجال، حيث إن النسيج الاقتصادي المغربي، الذي يضم 20 ألف مقاولة، لا تتوفر بلادنا فيه سوى على 800 طبيب شغل، ضمنهم 13 طبيب مفتش شغل و37 مفتشا مهندسا مكلفا بالصحة والسلامة". ودعا اليزمي إلى وضع سياسات اقتصادية تأخذ بعين الاعتبار مجموعة من القضايا الأساسية لحقوق الإنسان في ارتباطها بنشاط المقاولات ومختلف الأعمال التجارية، ويواكب القانون الدولي لحقوق الإنسان هذه التطورات. من جانبه قال عبد الله بها، وزير الدولة، إن تطبيق مدونة الشغل، "إذا كان له الأثر الإيجابي على علاقة الشغل وضمان حقوق العمال وواجبات المشغلين، فقد كشف من جهة أخرى عن العديد من الثغرات والنواقص والتأويلات المتناقضة، الأمر الذي يطرح إشكالية الملاءمة والفاعلية والانسجام الذي يجب أن تتميز به القواعد والضوابط القانونية. وأبرز أن المدونة تحتاج اليوم إلى قراءة متأنية على ضوء أحكام الدستور الذي جاء ليعزز الحقوق الأساسية في العمل. وأعلن عبد السلام الصديقي، وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية، أن الآراء التي ترى أن تطبيق المدونة، يعرف ثغرات، فضلا عن التناقض بين الصيغتين العربية والفرنسية مما يؤثر سلبا على الفعالية والوضوح الذي يجب أن يميز القواعد القانونية، تستحق الدراسة والتمحيص لمعرفة ما إذا كانت المدونة ما تزال ذات فعالية ونجاعة في كل مضامينها ومقتضياتها. ويرى الفرقاء الاجتماعيون، من جانبهم، أن تطبيق المدونة لم يتم بشكل كبير في العديد من مقتضياتها، حيث أكد الميلودي موخاريق، الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، أن مدونة الشغل لم تطبق البنود المتعلقة بالاتفاقيات الجماعية، "ومنذ الاستقلال لا يتوفر المغرب سوى على 35 اتفاقية جماعية قطاعية"، معلنا أن مجموعة من الوحدات لا تطبق مدونة الشغل، ولايتم التصريح بالعمال، "كما أن 27 في المائة من المقاولات هي التي قامت بلجان الصحة المهنية". وأعلن موخاريق أن36,7 في المائة من الإضرابات بالقطاع الخاص، سببها عدم احترام بنود مدونة الشغل. وبالنسبة لعبد الحميد الفاتحي، فتطبيق مدونة الشغل أبان عن صعوبة في تطبيق الكثير من البنود، مشيرا إلى أن بعض بنود المدونة لم يطبق على أرض الواقع،" المدونة كمنتوج جماعي لم تنجح في إخراج الأليات الأساسية لنجاحها، ألا وهي الاتفاقيات الجماعية للشغل". ويرى الاتحاد العام للشغالين أن بعد 10 سنوات من التطبيق، لم يتم تطبيق سوى 15 في المائة من بنود المدونة، رغم كل التنازلات التي قدمتها المركزيات النقابية. من جانبه يرى الاتحاد العام لمقاولات المغرب في الكلمة التي تليت عن مريم بنصالح، رئيسة الاتحاد، أن بعض مضامين المدونة تبقى غير مفهومة مما يجعلها مفتوحة على كل التأويلات، وهو ما يسبب عدة مشاكل اجتماعية، مبرزا أن الاتحاد العام لمقاولات المغرب يؤيد مراجعة بعض فصول المدونة والبنود والمفاهيم التي يسهل تأويلها. وطالب الاتحاد، الذي أكد أنه مع تطبيق المدونة 100 في المائة، بتكييف المدونة مع واقع الشغل وليس العكس "يجب أن يأخذ القانون بعين الاعتبار أصناف المقاولات". وسيتطرق المشاركون في المناظرة الفكرية التي تنظمها وزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية على مدى يومين، إلى أربعة محاور تهم مدونة الشغل وعلاقة الشغل الفردية، وحكامة سوق الشغل، ومدونة وظروف العمل: الصحة والسلامة في العمل، ثم العلاقة الجماعية للشغل وآليات إعمال وتطبق مدونة الشغل.