الرباط ونواكشوط نحو شراكة استراتيجية تاريخية في الطاقة والبنية التحتية    ستيني يجهز على زوجته    مجلس الحكومة يصادق على تعيينات جديدة في مناصب عليا    طنجة المتوسط يعزز ريادته في المتوسط ويتخطى حاجز 10 ملايين حاوية خلال سنة 2024    مؤجل الدورة 17.. الرجاء الرياضي يتعادل مع ضيفه اتحاد طنجة (1-1)    البرلمان الأوروبي يدين الجزائر ويطالب بالإفراج عن بوعلام صنصال    شركة "باليراريا" تطلق أول خط بحري كهربائي بين إسبانيا والمغرب    الحسيمة.. حملة للتبرع بالدم دعما للمخزون الاقليمي    ترويج مؤهلات جهة طنجة في معرض "فيتور 2025" بمدريد    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    توقيف شرطي بسبب شبهة تحرش    حادثة سير مروعة تسفر عن وفاة 3 أشخاص (صور)    "الباطرونا" ترفض "الابتزاز" بالإضراب.. والسكوري يقبل معالجة القضايا الخلافية    النهضة التنموية للصحراء تستأثر باهتمام برلمان مجموعة وسط إفريقيا    الحكومة تكشف حصيلة "مخالفات السوق" وتطمئن المغاربة بشأن التموين في رمضان    بايتاس : الشائعات حول التلقيح تزيد من تفشي داء الحصبة    أمن فاس يُطيح بمحامي مزور    إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب.. وزارة الصحة تواصل تنفيذ التزاماتها بخصوص تثمين وتحفيز الموارد البشرية    فيلم "إميليا بيريز" يتصدر السباق نحو الأوسكار ب13 ترشيحا    مجلس النواب يعقد جلسته العمومية    المغرب يستعد لاستضافة قرعة كأس أمم إفريقيا 2025 وسط أجواء احتفالية    الجزائر تسلم 36 مغربيا عبر معبر "زوج بغال" بينهم شباب من الناظور    المغرب يتألق في اليونسكو خلال مشاركته باليوم العالمي للثقافة الإفريقية    حركة "حماس" تنشر أهم النقاط التالية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    هناء الإدريسي تطرح "مكملة بالنية" من ألحان رضوان الديري -فيديو-    مصرع طفل مغربي في هجوم نفذه أفغاني بألمانيا    الدوحة..انطلاق النسخة الرابعة لمهرجان (كتارا) لآلة العود بمشاركة مغربية    لحجمري: عطاء الراحل عباس الجراري واضح في العلم والتأصيل الثقافي    تفشي فيروس الحصبة يطلق مطالبة بإعلان "الطوارئ الصحية" في المغرب    هل فبركت المخابرات الجزائرية عملية اختطاف السائح الإسباني؟    مانشستر سيتي يتعاقد مع المصري عمر مرموش حتى 2029    أغلبها بالشمال.. السلطات تنشر حصيلة إحباط عمليات الهجرة نحو أوروبا    مدارس طنجة تتعافى من بوحمرون وسط دعوات بالإقبال على التلقيح    المغرب يلغي الساعة الإضافية في هذا التاريخ    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    تعرف على فيروس داء الحصبة "بوحمرون" الذي ينتشر في المغرب    أبطال أوروبا.. فوز مثير ل"PSG" واستعراض الريال وانهيار البايرن وعبور الإنتر    دوري لبنان لكرة القدم يحاول التخلص من مخلفات الحرب    ريال مدريد يجني 1,5 ملايير يورو    ترامب يعيد تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية    أخطار صحية بالجملة تتربص بالمشتغلين في الفترة الليلية    إوجين يُونيسكُو ومسرح اللاّمَعقُول هل كان كاتباً عبثيّاً حقّاً ؟    بوروسيا دورتموند يتخلى عن خدمات مدربه نوري شاهين    مشروع الميناء الجاف "Agadir Atlantic Hub" بجماعة الدراركة يعزز التنمية الاقتصادية في جهة سوس ماسة    هذا ما تتميز به غرينلاند التي يرغب ترامب في شرائها    مؤسسة بلجيكية تطالب السلطات الإسبانية باعتقال ضابط إسرائيلي متهم بارتكاب جرائم حرب    احتجاجات تحجب التواصل الاجتماعي في جنوب السودان    إسرائيل تقتل فلسطينيين غرب جنين    باريس سان جيرمان ينعش آماله في أبطال أوروبا بعد ريمونتدا مثيرة في شباك مانشستر سيتي    الأشعري يدعو إلى "المصالحة اللغوية" عند التنصيب عضواً بالأكاديمية    منظمة التجارة العالمية تسلط الضوء على تطور صناعة الطيران في المغرب    حادثة مروعة بمسنانة: مصرع شاب وإيقاف سائق سيارة حاول الفرار    نحن وترامب: (2) تبادل التاريخ ووثائق اعتماد …المستقبل    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمير المؤمنين يترأس الدرس السابع من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية
نشر في الصحراء المغربية يوم 01 - 06 - 2019

ترأس أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، مرفوقا بصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن، وصاحب السمو الأمير مولاي إسماعيل، اليوم السبت بالقصر الملكي بمدينة الرباط، الدرس السابع من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية.
وألقت الدرس بين يدي جلالة الملك، الأستاذة زبيدة هرماس، عضو المجلس العلمي المحلي بعين السبع الحي المحمدي، متناولة بالدرس والتحليل موضوع : “لباس المرأة في بعديه الإسلامي والوطني” انطلاقا من قوله تعالى في سورة الأعراف “يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين، قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة، كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون”.
وفي معرض تقديمها للدرس، أبرزت الأستاذة هرماس أن دواعي الحديث في موضوع لباس المرأة متعددة، منها “ما نلاحظه في السنوات الأخيرة من تسرب أشكال من لباس المرأة من الخارج إلى مجتمعنا، لم تكن معروفة من قبل، والواقع أن أنواعا أخرى من لباس المرأة جاءت دخيلة كاسحة من أوروبا في القرن العشرين، ولكن الفرق بينها وبين هذه التي نريد الحديث عنها هو ما يُظن ويُراد من نسبتها إلى الدين، والقول بأنها اللباس الشرعي المطلوب، فوجب توضيح هذه المسألة”.
وأضافت أن ظهور هذا الادعاء في آفاق أخرى، ولاسيما في البلاد الغربية، وإقامة ضجة هوية هناك تدّعي إسلامية هذا اللباس، مع ما تتسبب فيه تلك الضجة من الحرج للمسلمين حيثما كانوا، لأن الشعارات التي رفعت هناك تختزل الإسلام في هذا المظهر الخارجي الذي هو اللباس، وكأنه يوازن كل الزخم الحضاري والتنوع الثقافي الذي حققه المسلمون في تاريخهم الممتد وعبر آفاقهم المترامية.
وأشارت، في هذا السياق، إلى أن جعل المرأة في هذه المسألة هي الضحية، سواء كانت بنتا في المدرسة أو زوجة في البيئة الاجتماعية أو عاملة في الحياة النشيطة؛ ضحية الرجل الذي يُكرهها أو يفتي لها أو يجعلها مدار مواجهة هوية كان يمكن أن تدور على أمور في عمق التميز الفارق فيما ينفع الناس ويزيد جاذبية الإسلام.
وأكدت أن كون التوجه الذي يميل إلى قصر لباس المرأة على شكل وحيد ومعين، يبتعد عن المقصد من أحكام اللباس في الشرع، ويتمسك ببعض ظاهر الأمور، ويمارس من خلال هذا السلوك ما يمارسه من تحجيم الدين بالنظر إلى مستوى القضايا الكبرى التي اجتهد فيها المسلمون وبنوا على أساسها تعددا لائقا بوسع الدين ويسره.
وانطلقت الأستاذة هرماس، في تناولها لموضوع الدرس، من ثلاثة محاور تشمل كيفية فهم نصوص الكتاب والسنة في مسألة لباس المرأة، ولباس المرأة في حضارة المسلمين عامة، وفي الحضارة المغربية خاصة؛ واقتراح موجهات مبدئية اجتهادية في فهم مسألة لباس المرأة في الوقت الحالي.
فبخصوص المحور الأول، ذكرت المحاضرة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعيش في جماعته عيشة مفتوحة تتسم بالقرب، فقد كانت بيوت أزواجه بجانب مسجده، وكان يدخل عليه وعلى أهل بيته زوار ليسوا سواء لا في موقفهم من دعوته، ولا في تقواهم الدينية، ويذكرون أن من تنبه إلى ذلك من جهة الغيرة على رسول الله وأهل بيته بسبب هذه الزيارات، هو عمر بن الخطاب، وأنه صدر منه ما يشبه التمني بخصوص حجاب أزواجه صلى الله عليه وسلم، فالحجاب كان معروفاً عند العرب من قبل، وكان معروفا أيضا أن النساء في تلك البيئة كن يتعرضن لعدوان الرجال ولاسيما من المشركين.
وأشارت إلى أن التعامل مع النساء في ذلك العهد كان يختلف في الشدة واللين باختلاف البيئات حتى في بلاد العرب، فقد كان معروفا أن أهل المدينة كانوا أكثر تساهلاً مع نسائهم، وهو ما تعجب منه المهاجرون الذين جاؤوا من مكة، والإسلام الذي كان ثوريا في تغيير أمور عظيمة في اتجاه تكريم المرأة ومساواتها مع الرجل، لم يكن ليغير كل الأمور في العوائد الاجتماعية دفعة واحدة.
وأضافت أن الحدث الثاني الذي اقتضى التنبيه كان هو الحضور الكثيف للصحابة في بيت النبي صلى الله عليه وسلم بمناسبة زواجه ببنت عمه زينب، حيث تراخي بعضهم في المغادرة بعد حفل الزواج، والغرض من التنبيه هو حماية بيت النبي صلى الله عليه وسلم وحفظ خصوصيته، ومما يستحق الانتباه أن بعض المفسرين فهموا الحجاب الوارد في الآيات القرآنية على أنه الحاجز الذي يستر ويقسم الفضاء المكاني إلى قسمين.
وفي هذه المسألة ذاتها، يبرز الخوف من الإذاية، ولكن الأمر في هذه الحالة يتعلق بلبس الجلابيب لا بالستر، والجلباب ثوب أصغر من الرداء وأكبر من الخمار والقناع، تضعه المرأة على رأسها فيتدلى جانباه على ذراعيها وينسدل سائره على كتفها وظهرها، تلبسه عند الخروج والسفر.
وذكرت الأستاذة هرماس بأن السلوك المتكرر في تلك البيئة كان هو استسهال العدوان على الإماء، وهن لا يلبسن الجلباب ولا عصبية لهن، ولذلك لزم تميز الحرائر، وهذا وضع استعصى القضاء عليه في حينه بالرغم من كل ما جاء به الإسلام في اتجاه تحرير العبيد، ذلك أن سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا المجال جعلت مصالح المشركين في خطر.
أما الموضع الثالث في قوله تعالى “قل للمومنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكي لهم إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمومنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون”.
والموضوع كما نرى، تضيف الأستاذة زبيدة هرماس، هو غض البصر وحفظ الفرج وعدم إبداء الزينة، وفيها يتوجه القرآن إلى الرجال، ثم إلى النساء، فقد كان التبرج حالة عادية في الجاهلية، وحيث إنه مصادم للحياء فلا يتصور ألا يورد فيه الإسلام توجيها للتغيير، فقد كان من العوائد عند من لم يسلمن بعد خروج طوائف من النساء البنات والإماء للطواف حول الكعبة عاريات الأرجل بحثا عن الزواج.
وسجلت أن المفهوم من الآية أن الجسد من حيث هو لا يزني، ولكن إرادة الزنا في إظهار الزينة قصدا بهدف الإغراء، ومن ثمة فالآية تقرر ضرورة غرس تربية كونية قائمة على التزام الحياء الذي يتوافق مع الفطرة المؤهلة لمراد الله تعالى في تكريم الإنسان بأحسن تقويم.
وأشارت المحاضرة إلى أنه يختلف نظر الفقهاء بين تخصيص مسألة الحجاب بنساء النبي ومسألة تعميمه، كما تختلف اجتهاداتهم بين إجبارية الحجاب ومسألة شكله بحسب ما لجأوا إليه من شروط القياس.
وإلى جانب نصوص القرآن الكريم، تضيف السيدة زبيدة هرماس، يستأنس في باب اللباس ببعض أخبار السنة كقول أم سلمة : لما نزل قوله تعالى : “يدنين عليهن من جلابيبهن” خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية”. كما يستأنس بالحديث الذي ورد فيه أن عائشة رضي الله عنها لبست الثياب المعصفرة أي الصفراء، في الطواف، وأنها لم تر بأسا بالحلي والثوب الأسود والمورد والخف للمرأة، وكحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : لبعض أصحابه : “إنكم قادمون على إخوانكم فأصلحوا رحالكم وأصلحوا لباسكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس”. بمعنى أن يتميزوا في أناقتهم ؟ فإذا طلبت الأناقة من الرجال فبالأحرى أن تطلب من النساء.
وفي المحور الثاني المتعلق باللباس في حضارة المسلمين المتعددة الأجناس والثقافات، أبرزت المحاضرة أنه لا شك أن استنطاق آثار الواقع التاريخي لما كان عليه لباس الناس عامة، والنساء خاصة، في تاريخ المسلمين منذ عهد النبوة يفيد في الفهم الواسع الذي كان عند المسلمين لحياتهم في توافق مع التزاماتهم الشرعية ومعتقداتهم الإيمانية وتمظهراتهم الثقافية، مؤكدة أن معرفة الوقائع التاريخية مفيدة في تنوير عقول المسلمين.
فمن خلال الأبحاث المتخصصة، تضيف الأستاذة زبيدة هرماس، فإن النساء قبل الإسلام في بلاد العرب كن يرتدين نقابات حاجبة، ويلتحفن الإزار تأثرا بحضارات أقدم وأرقى، فالعرب جاءهم معظم لباسهم من خارج بلادهم، وفي العهد النبوي لم يتبدل اللباس البدوي لأنه كان بسيطا ووظيفيا، ولكن الحضريين كانوا بالرغم من التمسك بالستر على بحث دائم لتغيير الملابس، فاللباس الداخلي عموما كان هو القميص، والخارجي هو المعطف أو الرداء، وكانت قطع مختلفة من الثياب مشتركة بين الرجال والنساء، وكان الاختلاف في كيفية الارتداء، مع تفرد النساء بغطاء الرأس وبالحلي وبمظاهر للتزين.
وخلصت إلى أنه على الإجمال، فإن الإسلام لم يأت بلباس معين محدد للنساء، وإنما تدخل في اللباس الذي وجده مستعملا لكي يحفظ لنساء النبي صلى الله عليه وسلم ثم لنساء المؤمنين الوقار الذي كان ينبغي فرضه على ذوي الأطماع من الرجال، وعدم فتح المجال لشهواتهم، فالحجاب منطقيا كان مطلوبا ضد بعض الرجال ولكمال ما قد يعتري من النقص في إرادة بعض النساء.
وأبرزت أنه في جميع آفاق الإسلام، تنوعت ألبسة النساء حسب الموروث الحضاري، وحسب البيئة الجغرافية، ووفق نمط الحياة البدوية أو الحضرية، وحسب الطبقة الاجتماعية وتبعا للسعة الاقتصادية.
كما أبرزت أن المغرب تميز بسواد عادات الأمازيغ في لباس النساء، وهي متنوعة بتنوع مجالاته البدوية والحضرية، وكان للتفاعل مع المجال الأندلسي تأثير على عوائد مدن المغرب خاصة حيث ظهرت وتطورت التفصيلات، ولم تتأثر إلا قليلا بالمجالين الفارسي والعثماني، مسجلة أنه قد تخلف من التاريخ ما يقرب من ستين اسما من أسماء اللباس النسوي التي عرفها المغرب، ومن وثائق أخبار هذا التراث عقود الزواج التي تذكر فيها الملابس التي يهديها العريس لعروسه.
وذكرت بأن ثلثي نساء المغرب إلى غاية القرن العشرين كن يعشن بالبوادي، وهؤلاء النساء لا يعرفن الحجاب بمعنى القرار في البيت، بل يخرجن ضرورة منذ الطفولة وإلى غاية الشيخوخة للعمل إلى جانب الرجال في الغابات والحقول، بشكل عادي خال من كل نفسية سلبية تمس بالستر والعفاف، مؤكدة أنه تشهد على غنى لباس المرأة المغربية وقائع أخرى لا تنكر، منها ما عرفته صناعة النسيج من تطور منذ العهد المريني، ومنها براعة المرأة نفسها في صناعة هذا اللباس وترقيته وتفصيله وتطريزه .
وفي بداية القرن العشرين، تم اتخاذ الجلابية النسائية التي تلبس فوق القفطان، وكان القصد هو تحرير الوسط النسائي من لباس الحايك ومن بعض التقاليد التي تعيق مشاركة النساء في الحياة العامة وفي التعليم، وفي سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة وألف ثم إحداث شعبة نسائية لتأطير المناضلات داخل الحركة الوطنية، وكانت تعمل على نبذ لباس الحايك وتعويضه بالجلابية باللثام. وذكرت بأن جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه دعا إلى الأخذ بإيجابيات العصر دون التفريط في الأصول. فأقبلت جموع كبيرة من البنات بلباسهن المحتشم على ولوج المدارس والمشاركة في الجهاد الأكبر الذي دعا إليه جلالته.
وانتقلت المحاضرة للمحور الثالث المتعلق بالموجهات المبدئية في مسألة اللباس، فبينت أن لباس المرأة من المسائل التي ينبغي أن يراعى فيها مقصد الشرع بحسب ما نزل فيها، وأن يكون فهم النص في سياق سبب النزول، لأن مخالفة ذلك سيوقع في العسر والحرج، دونما ضرورة تحمل على ذلك.
وأوضحت أن سبيل تحمل المسؤولية فيها سواء بالنسبة لجهة الإفتاء أو لكل امرأة تريد أن تتبين هو تدبر المعطيات الموضوعية التي منها أولا تبين هذه المسألة بين المسائل وما يستتبع ذلك من إدارك أن قضية اللباس كما يطرحها البعض ليست في الشرع من كبار المسائل، وثانيا استحضار أهمية المقصد والنية في هذه المسائل كما في كل مسائل الشرع، وثالثا استحضار الحقيقة المركزية في الموضوع وهي أن لباس التقوى خير، وهي مسألة باطنية قبل أن تكون ظاهرية، ورابعا إدماج بعد الزينة والجمال في المنظور الشرعي وعدم التفريط في الظاهر استلهاما من الآية المبني عليها الدرس، وخامسا مراعاة الوظيفة والضرورة التي تتغير بتغير البيئة وتشمل الاتقاء من البرد والحر كما تشمل المواراة.
وبينت المحاضرة أن سادس هذه المعطيات الموضوعية يتعلق بطلب التيسير الذي يقتضي الأخذ بعرف البلد لما في ذلك من التمتع بوسع الدين وإمكان الإسهام الثقافي في حضارة اللباس الكونية، وسابعها مراعاة الاختلاف الذي هو من آيات الله في خلقه، حتى لا يحجم الدين إلى جزئيات في حياة المومن، ويمكن أن يقاس أمر اللباس على أمر الطعام فالشرع حرم بعضه ولميفرض نوعا من الطعام في كل ما هو حلال، وثامن المعطيات هو الحرص على قيمة عظمى في الدين وهي الحرية التي هي المبدأ الأساس في معنى التدين والمسؤولية الدينية التي لا تقبل الإكراه، مع صيان هذه الحرية بسن القوانين التي تحفظ القدر الأدنى من قواعد الحشمة في الساحة العمومية والكفيلة في نفس الوقت بضمان الحرية في غير استفزاز.
ويتعلق تاسع هذه المعطيات، توضح المحاضرة، بمراعاة العقل في الواقع الحالي ومستجدات العالم المفتوح، حيث المساواة في النشاط والعمل في الفضاء العام بين الرجل والمرأة، وحيث الذي لم يعد فيه بإمكان المجتمع أن يراقب السلوك الفردي الخاص : حيث المعول على ضمير الفرد الذكر والأنثى الذي بوسعه بوسائل التكنولوجيا أن يصل إلى كل ما ينافي المروءة من أنواع الفتنة ويتواصل فيها مع الآخرين من الجنسين، مبينة، في هذا الصدد، أنه بتواري سلطة المجتمع في ضبط السلوك الأخلاقي تتحقق الظروف المثلى للحرية التي هي شرط الابتلاء في قوله تعالى “الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا”، معتبرة أن المرأة التي تقرر بحريتها أن تلبس لباسا معينا، لها ذلك ما لم تدع أن ذلك اللباس هو الشرعي بشكله، وأن ذلك الشكل وحده شرط مقصده، فكل لباس إنما هو شرعي بمقصده الذي هو العفاف والتقوى، والمقاصد من حرية المرأة ومسئوليتها.
وأضافت الأستاذة هرماس أن عاشر هذه المعطيات هو وجه المسؤولية العمومية في هذا الموضوع، وتتمثل في إمكانية تدخل الإمام في اللباس للحماية من الفهم الشاذ للدين من جهة، ولحماية الناس من الفتنة والحيرة في هذا الباب ثانية، ولحماية ثقافة بلده وذوقه من جهة ثالثة حتى لا يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، مشيرة إلى أن علماء المذاهب اتفقوا أن من صلاحيات الإمام تقييد المباح، ونقله من الإباحة إلى الوجوب والإلزام أو إلى المنع والتحريم، وأقرب مثال لذلك عندما يسن الإمام قوانين تلزم فئات من الأمة مدنيين أو عسكريين بلباس معين، فيصير في حقهم واجبا بحكم الصفة والمهنة، ويسن قوانين تمنع الفئات الأخرى من انتحال صفتهم وارتداء لباسهم.
وخلصت المحاضرة إلى أن مسألة اللباس ذات أهمية في الهوية وفي الخصوصية في آن واحد، ولذلك ينبغي أن يقوم العلماء يتحريرها من كل الالتباسات، وذلك بإحالتها على المبادئ الكبرى في الدين، أي على مسؤولية الأفراد وعلى المقاصد التي يلتقي فيها الشرع والعقل. فالخير الذي أراده الدين للناس متوقف أساسا على استنهاض الهمم للبقاء في أحسن تقويم، حيث يحمي الرجل وتحمي المرأة المروءة من الانحدار بالانغماس في شهوات الغرائز، يتوقف هذا التقويم على تزكية النفوس وتقوية الإرادات.
وقالت إن ما اشتغلت به بلدان العالم ومؤسساته لاسيما في العقود الأخيرة من كف الأذى عن المرأة بسن قوانين رادعة للتحرش الجنسي مثلا، هذا الصنيع سبق إليه القرآن الكريم عندما أمر بغض البصر كناية عن أصغر وسائل العدوان، وما كان يمكن أن يسكت القرآن عن حالة من حالات الظلم التي كانت سائدة في حياة العرب قبل الإسلام، وقد قرن القرآن الكريم الغاية بالوسيلة المرتبطة بطريقة اللباس بالشكل المتأتي، وذلك كما فهمت في ذلك الوقت وبعده، والمهم هو أن تتوفر للمرأة ظروف حياة العفاف والكرامة والحرية، وأن تختار كيف تتصور ذلك وتحققه في جانب اللباس في نضج عقلي وروحاني يحفظ لها جمالية الباطن والظاهر ويعفها من تمارس الإغراء أو تتعرض له، فالأمر ما يزال كما كان عند نزول القرآن، أي الحاجة إلى حماية المرأة من إذابة الرجل بدل الميل إلى تحميلها معظم المسئولية، فحماية المرأة من إذاية الرجل المشار إليها في القرآن تتوفر مع رجل قادر على أن يحمي نفسه من نفسه.
وفي ختام هذا الدرس من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية، تقدم للسلام على أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، كل من الأساتذة رامييل جيزاتولين، عميد كلية العلوم الإسلامية بالجامعة الإسلامية الروسية، وفيصل العمودي، مدير مكتب الشؤون الدينية في المجلس الأعلى لمسلمي كينيا، والبروفيسور تيارنو كا، مدير المعهد الإسلامي بدكار بالسنغال، وسليم علوان الحسيني، أمين عام دار الفتوى بالمجلس الإسلامي الأعلى في أستراليا، ومالك يوسف، عضو فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بالكامرون، وعبد المهيمن محمد الأمين، عضو فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بالنيجر، والحسين جاكيتي، عضو فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بمالي، وثشيرنو امبالو، عضو فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بغينيا بيساو، والخاضر عبد الباقي محمد، أستاذ الإعلام بجامعة الورن ومدير مركز البحوث العربية بنيجيريا، وأحمد حماه الله، كبير العائلة الحموية بموريتانيا، ومحمد الموساوي، رئيس اتحاد المساجد بفرنسا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.