في الجلسة الثالثة من محاكمة 24 متهما على خلفية ملف مقتل السائحتين الاسكندنافيتين بجماعة إمليل بإقليم الحوز، التي كانت فضاعتها هزت العالم نهاية سنة 2018 أو ما بات يعرف بجريمة شمهروش الإرهابية، استمعت الغرفة الجنائية الابتدائية لدى محكمة الاستئناف "ملحقة سلا"، ولما يقارب الخمس ساعات إلى تصريحات أربعة متهمين، أمس الخميس. واعترف المعنيون بالأمر، الذي كانوا أول المعتقلين على خلفية القضية، بالتهم الموجهة إليهم، بل إن بعضهم أعطى تفاصيل حول كيفية ترصدهم للسائحتين الضحيتين، وكيف نفذوا جريمة قتلهما الإرهابية "ذبحا". ومن بين هؤلاء المتابعين، المدعو عبد الصمد الجود، المزداد عام 1993، والملقب ب "أبو مصعب" و"أبو أسية"، وهو المتهم الرئيسي، الذي ظهر في شريط فيديو إلى جانب الثلاثة الآخرين يعلن فيه موالاتهم للتنظيم الإرهابي "داعش". المتهم، وإلى إلى جانب اثنين من شركاءه المفترضين، أقروا أمام الهيئة القضائية التي اعتبرت الملف جاهزا وشرعت في مناقشته، بارتكاب الجريمة الإرهابية في حق السائحتين الدانماركية والنرويجية ليلة 17/18 دجنبر 2018، وسردوا تفاصيلها وكيف وزرعوا الأدوار فيما بين من تكلف بالتنفيذ الفعلي ومن عهدت له مهمة توثيق هذا الفعل الوحشي. المتهمون الثلاثة الذين كانوا يدلون بتصريحاتهم وأجوبتهم على أسئلة الهيئة القضائية بدم بارد، لم يبد أي أحد منهم ندمه على ما اقترف بل إن المتهم الرئيسي "الجود" رفض الإجابة على سؤال لرئيس الهيئة القضائية حول موالاتهم لتنظيم "داعش" حتى بعد الاعتقال والمحاكمة رغم تكراره عليه لأكثر من مرة، إذ فضل التزام الصمت. أما المتابع الرابع في الملف فأقر بكونه تراجع عن تنفيذ الجريمة صباح يوم الحادث، إذ أشار إلى أنه عاد إلى مسكنه بعدما زود باقي شركائه بسلاح أبيض. كما اعترف أنه صعد برفقة المتهمين الثلاثة صباح يوم الجريمة إلى أعلى الجبل، حيث صادفوا هناك السائحتين في طريقهما إلى أسفل الجبل، فعمدوا إلى ترصد تحركاتهما حتى تمكنوا من معرفة المنطقة التي نصبتا فيها خيمتهما، مؤكدا أنه عند اقتراب موعد التنفيذ تراجع عن المشاركة في المخطط الإرهابي المتفق عليه، في حين توجه رفاقه الثلاثة ليلة الحادث صوب خيمة الضحيتين وهناك نفذوا العملية وصوروا أطوارها. وشهدت الجلسة أيضا إقرار المتبعين بأنها ليست المرة الأولى التي حاولوا فيها القيام بأعمال إرهابية بتلك المنطقة، والتي ترتكز على اعتراض سبيل السياح الأجانب وذبحهم، لكنهم لم يفلحوا في ذلك، مضيفين أن العملية الإرهابية في حق السائحتين كانت ستكون البداية فقط لولا اعتقالهم. كما أكد المتهم الرئيسي بأنه حاول أيضا القيام بعمليات تفجيرية لكنها لم تكلل بالنجاح، وأن ما يقومون به هو "محاربة للصليبين". وبعد هذه الاعترافات الصادمة، واجهت النيابة العامة المعنيين بالأمر بالفيديو الذي ظهروا يبايعون فيه "داعش"، ويعلنون ولائهم له ويؤكدون فيه أن عمليتاهم ستنفذ على التراب الوطني ويتوعدون فيه الضحايا. وكما كان عليه الأمر فيما يخص الوقائع السابقة، فإن المتهمين عمدوا إلى الإقرار بصحة الشريط وما تضمنه من معطيات، مؤكدين أن المتهم الرابع من قام بتسجيل ذلك الفيديو. وقبل الشروع في مناقشة القضية والاستماع إلى المتهمين، سجلت الهيئة القضائية حضور المحامي عبد اللطيف وهبي الذي ينوب عن الدولة المغربية في شخص الوكيل القضائي للمملكة ورئيس الحكومة، بناء على ملتمس دفاع أحد الضحيتين، الذي شدد على ضرورة جبر الدولة ضرر التعويض، عوض إلقاء ذلك على متهمين معسرين. كما استمعت الهيئة القضائية إلى الدفوعات الشكلية التي تقدمت بها هيئة الدفاع، المنصب أغلب المحامين فيها في إطار المساعدة القضائية، حيث أكد المحامي سعد السهلي، بهيئة الرباط، الذي ينوب عن المتهم السويسري، المتابع في الملف ذاته، أن المحاكمة تأتي في سياق مقتضى المادة 305 من قانون المسطرة الجنائية، مضيفا أن الدفاع ارتأى إعمال الدفع الأولي الشكلي الذي تنص عليه المواد 21 و321 و751 من القانون ذاته. كما أوضح المحامي السهلي، في اتصال ب "الصحراء المغربية"، أنه تقدم بدفع أمام المحكمة فيما يتعلق بموكله، الذي لم يجر إحضار مترجم له خلال عملية استنطاقه والتحقيق معه، معتبرا ذلك خرقا قانونيا. هذا الموقف عقب عليه ممثل الحق العام بالإشارة إلى أن الدفع غير مرتكز على أساس قانوني، وأن المتهم توفرت له جميع الحقوق بما فيها احضار المترجم الذي كان حاضرا بقاعة الجلسات، في حين قررت المحكمة ضم الدفوع المثارة إلى جوهر القضية. واعتبر المحامي السهلي أنه رغم ما تميزت به جلسة الخميس من اعترافات "سلسة"، للمتهمين، ما سييسر تناول الملف، سواء بالنسبة للدفاع أو للمحكمة، فإنه بالمقابل ستكون الجلسات المقبلة "صعبة" على اعتبار "دخول متهمين ثانويين هم أقرب للبراءة"، على خط القضية، لافتا إلى أن الغاية تكمن في تدقيق الأسئلة التي سيجري طرحها عليهم، لغاية تحقيق مراكزهم القانونية. وخلص إلى اعتبار القضية "جد سهلة" من الناحية القانونية، بالرغم من الزخم الإعلامي التي واكبها، مضيفا أن الأمر يتعلق ب "أسهل قضية إرهاب في تاريخ العمل القضائي المختص في قضايا الإرهاب بالمغرب". وقررت المحكمة في ختام الجلسة تأخير الملف إلى 13 يونيو الجاري لمواصلة الاستماع إلى المتهمين. ويتابع في الملف 24 متهما من بينهم سويسري يحمل الجنسية الإسبانية، وإمامان لمسجدين، وعسكري سابق من مواليد 1996، كان قد غادر صفوف القوات المسلحة سنة 2016، بعد ما تكونت لديه قناعة راسخة للفكر المتطرف، حسب استنتاجات البحث التمهيدي. ووجهت للمعنيين بالأمر تهم توزعت بين "تكوين عصابة لإعداد وارتكاب أفعال إرهابية، والاعتداء عمدا على حياة الأشخاص مع سبق الإصرار والترصد، وارتكاب أفعال وحشية لتنفيذ فعل يعد جناية، وحيازة أسلحة نارية، ومحاولة صنع متفجرات خلافا لأحكام القانون في إطار مشروع جماعي يستهدف المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف والترهيب والعنف..." كل حسب المنسوب إليه. يذكر أنه في إطار الأبحاث والتحريات التي أنجزت على خلفية العثور على جثتي سائحتين أجنبيتين بمنطقة "شمهاروش" بمنطقة إمليل بإقليم الحوز، تمكن المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني بتعاون وتنسيق وثيقين مع مصالح الدرك الملكي والأمن الوطني، من إيقاف المشتبه فيهم على خلفية هذه الجريمة.