ناقش عدد من القضاة والمحامين ومساعدي أسرة القضاء، وحقوقيون وفعاليات المجتمع المدني، أمس الجمعة بالرباط، مستجدات مشروع مسودة تعديل قانون المسطرة الجنائية. وشمل التعديل حوالي 283 فصلا من قانون المسطرة الجنائية، همت مجموعة من التغييرات في مجال المساواة أمام القانون، وسهر السلطة القضائية على ضمان الحقوق، وتكريس مبدأ قرينة البراءة. وقال وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد،إن انعقاد يوم دراسي لمناقشة مستجدات مشروع قانون المسطرة الجنائية، يأتي في سياق "تحديث المنظومة القضائية،لتعزيز مجال حقوق وحريات الأشخاص، وتكريس ضمانات المحاكمة العادلة، كما هو متعارف عليها عالميا، استنادا إلى مرجعيات كبرى، في مقدمتها الدستور الذي شكل مرجعا جوهريا في صياغة مقتضيات مسودة مشروع المسطرة الجنائية، إضافة إلى الخطب الملكية السامية، التي حددت الفلسفة والمعالم الكبرى لإصلاح منظومة العدالة ببلادنا". وتحدث الرميد عن توصيات الميثاق الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، التي كانت "نتاج نقاش وحوار وطني حول قضايا جوهرية، تهم مختلف مكونات المجتمع"، مضيفا أنه جرى تنزيل 29 توصية جاء بها الميثاق ضمن مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية، تتعلق بمنظومة العدالة الجنائية، وملاءمة القانون الوطني مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان. وذكر وزير العدلأن من بين مرجعيات مراجعة قانون المسطرة الجنائية، المواكبة التشريعية لإجراءات مصادقة المغرب خلال العشرية الأخيرة على مجموعة من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان، ومواكبة التطور الذي تعرفه الجريمة، وما يستلزم ذلك من استحداث آليات قانونية جديدة لمواجهتها، إضافة إلى اجتهاد محكمة النقض بشأن الإشكالات التي تطرحها بعض النصوص القانونية، ومعالجة النواقص التي أبانت عنها الممارسة القضائيةبشأن تطبيق مقتضيات قانون المسطرة الجنائية. وأضاف أن مسودة المشروع انفتحتعلى القانون المقارن، من خلال مرجعيات قانونية مختلفة تجاوزت السمة التي طالما كان وصف بها التشريع المغربي بخصوص وفائه للمدرسة الجرمانية. وأبرز الوزير أهمية مراجعة قانون المسطرة الجنائية، وقال إنها تنبع من أن "القانون ينظم إجراءات مهمة جدا، ترتبط بمجال الحقوق والحريات، ما يجعل هذا القانون أمام تحقيق معادلة صعبة، تتمثل في ضرورة التوفيق والموازنة بين وقاية المجتمع من الجريمة وحماية أمنه واستقراره، وحماية حقوق وحريات الأشخاص". ومن بين النقط التي تناولها مشروع تعديل المسطرة الجنائية، حسب محمد عبد النبوي، مدير الشؤون الجنائية والعفو، تقوية الضمانات المخولة للأشخاص المشتبه بهم، عبر مراجعة الضوابط القانونية للوضع تحت تدبير الحراسة النظرية، وذلك وفق معايير مضبوطة وواضحة، ثم عقلنة اللجوء إلى التحقيق، بجعله اختياريا في الجنايات والجنح كلما تعلق الأمر بنص خاص. وأضاف النبوي أن مراجعة قانون المسطرة شملت تعزيز حقوق الدفاع خلال مرحلة البحث، عبر تمكينه من الاتصال بالأشخاص الموقوفين منذ اللحظة الأولى للوضع تحت الحراسة النظرية، وحضوره إلى جانب الأحداث والأشخاص المصابين بإحدى العاهات، أثناء الاستماع إليهم من طرف الشرطة القضائية. كما جاءت المسودة بجديد يتعلق بملاءمة آليات العدالة الجنائية مع تطورات الجريمة، عبر إقرار آليات بديلة للبحث والتحري، واستغلال التقدم التكنولوجي في مكافحة الجريمة وتعقب المجرمين، وتعزيز الثقة في محاضر الشرطة القضائية خلال فترة الوضع تحت تدبير الحراسة النظرية. واستحضر تعديل المسطرة، أيضا، الجانب الوقائي، بالتنصيص على التحقق من الهوية وتنظيم إجراءاتها، بما يؤدي إلى درء وقوع الجريمة وحماية الأشخاص والممتلكات، وتوفير بدائل للطرق القضائية لحل النزاعات، من خلال إقرار غرامات تصالحية في بعض الجرائم البسيطة قبل اللجوء إلى القضاء كآخر مرحلة لفض النزاع، ما سيؤدي إلى التخفيف من مشكل التضخم الذي ترزخ تحت وطأته منظومة العدالة الجنائية، وتعزيز مركز الضحية في الدعوى العمومية وضمان توازنها مع حقوق المتهم، وتعزيز عدالة الأحداث بما يراعي المصلحة الفضلى للطفل. من جانب آخر، استحضرت المسودة ضبط السلطة التقديرية فيما يتعلق بالاعتقال الاحتياطي مع التأكيد على استثنائية هذا التدبير، وعدم اللجوء إليه إلا إذا تعذر تطبيق بديل آخر عنه، فضلا عن تقليص مدة تمديده، وتوفير بدائل للاعتقال الاحتياطي وتوسيع مجال تطبيقها، وتوفير آليات قانونية لتحفيز السجناء على الاندماج في برامج التأهيل، وتوسيع مجال الصلاحيات القضائية المخولة لقاضي تطبيق العقوبات بشكل يجعل منه مؤسسة قضائية ذات مكانة متميزة تسهر على احترام حريات الأشخاص. وأشار وزير العدل خلال اليوم الدراسي إلى أن مسودة مشروع تعديل المسطرة الجنائية"اجتهاد مازال في حاجة إلى تطوير وتدقيق، لأنه مجرد مسودة تستدعي الحوار بشأنها مع كافة الهيئات والفئات، إلى حين المصادقة على النص النهائي".