خلص المشاركون في يوم دراسي، نظم يوم 5 يونيو الجاري، بجامعة الحسن الأول – سطات، حول "السياسات التعليمية بالمغرب: أي حصيلة؟"، إلى أن إصلاح قطاع التربية والتعليم يتطلب تكوين جيل جديد من المدرسين (خاص) وأكدوا أن هذا الجيل الجديد يجب أن يجمع بين التربية والتعليم، والتأسيس لتعاون وثيق بين المدرسة والأسرة، حتى يمكن بناء مدرسة مغربية جديدة. ويرى المتدخلون، من باحثين وأساتذة من مختلف التخصصات، أن الحكامة وحسن تدبير الموارد البشرية تعتبر عنصرا أساسيا في إصلاح المنظومة التعليمية في المغرب، مشيرين إلى جملة الإكراهات في مختلف سياسات الإصلاح، التي تعاقبت الحكومات على وضعها دون أن تكون لها نتيجة جيدة على مستوى التعليم. وتطرق اليوم الدراسي، الذي نظمه"المركز المغربي للشباب والتحولات الديمقراطية"، و"مختبر الدراسات والأبحاث في السياسات العمومية"، والمركز المغربي للتربية المدنية"،وحضره الطلبة الباحثون في سلك الماستر والدكتوراه، إلى إشكاليات التعليم المطروحة على المستوى المعرفي والمنهجي والقيمي، بهدف الخروج بتوصيات، تهم آليات وميكانيزمات إعداد وتتبع وتقييم أوراش السياسات العمومية الموجهة للشباب، وعلى رأسها سياسة التعليم، مع استعراض المسارات المتعددة لإصلاح القطاع منذ الاستقلال، من أجل إقرار نظام تعليمي في مستوى تطلعات جميع المغاربة. وطرحت أمينة النوقايري، عضوة المكتب التنفيذي للمركز المغربي للشباب والتحولات الديمقراطية، في افتتاح هذا اللقاء العلمي، السياق العام لتنظيم هذا اليوم، مؤكدة أن منظميه سيعكفون على نشر كتاب يتضمن مداخلات الأساتذة الباحثين، إضافة إلى توصيات سترفع إلى المجلس الأعلى للتعليم، في إطار عملية الترافع، من طرف المركز المغربي للشباب والتحولات الديمقراطية تجاه كل الفاعلين في المنظومة التعليمية بالمغرب. من جهته، قارب عبد اللطيف كداي، أستاذ السوسيولوجيا بجامعة محمد الخامس السويسي بالرباط، موضوع المدرسة المغربية، والتحولات القيمية بين الثابت والمتحول، فقدم رصدا عاما لبعض المؤشرات المرتبطة بالتعليم، وأهمها النسب الكبيرة للهدر المدرسي، واحتلال المغرب للمراتب الأخيرة في نسبة الولوج الجامعي، وارتفاع نسب عدم التمدرس ومغادرة المدرسة، وأيضا ارتفاع مصاريف التمدرس، موضحا أن التكلفة المعيشية للمغاربة ترتفع كل سنة بنقطتين. كما تناول كداي القيم المؤطرة اليوم للمدرسة المغربية، بداية من تدني نسب القراءة، والتحول الجذري في اهتمامات الشباب من الكتاب والقراءة إلى الشبكة العنكبوتية وشبكات التواصل الاجتماعي، وصولا إلى ارتفاع نسب الغش، الذي أصبح "مسألة طبيعية ومحبذة عند التلاميذ"،فضلا عن مقاربة تموقع المدرسة بين جدلية العنف والمخدرات، معتبرا أن "التدبير السيئ لملف التعليم ساهم في عدم تطوير المدرسة"، وأن"المدرس المغربي، باعتباره فاعلا أساسيا في منظومة التعليم، تخلى عن مهمته التربوية". وتناول رشيد العلوي،الباحث في الفلسفة السياسية المعاصرة،مشكلة تقييم السياسة التعليمية- البرنامج الاستعجالي نموذجا، مستعرضا إشكالات إصلاح منظومة التربية والتكوين، من خلال إعادة قراءة المبادئ الأربعة، التعريب، والتوحيد، والمجانية، والمغربة. وأثار العلوي الانتباه إلى "كارثية الوضع الحالي، إذا لم تحصل معالجته على أسس تعيد للمدرس والمدرسة هيبتها ومكانتها، الكفيلة بإعداد جيل متعلم ومثقف". ووقفعلى المخطط الاستعجالي، معتبرا أن "سكوت الرأي العام والوزارة عن التقييم الشامل والنهائي له ،وإقرار الحكومة للبرنامج متوسط المدى (2013 - 2016)، هو سكوت عن هدر المال العام، لأن البرنامج كلف ميزانية الدولة 25 في المائة من الميزانية العامة، يؤديها المواطنون من جيوبهم". ودعا إلى تطوير البحث العلمي والأكاديمي في مجال السياسة التعليمية، بتشجيع مراكز البحث، والاعتراف بدورها الأساسي في النقاش العمومي والمؤسساتي، وتشجيع الدراسات الميدانية القطاعية، من خلال الربط بين التعليم العالي والتعليم المدرسي، وتمتيع المنظمات والمراكز والجمعيات المهتمة باستقلاليتها عن القرار الرسمي، ومنحها دعما عموميا، وضمان الحق في الولوج إلى المعلومة، باعتبارها أساس البحث العلمي، وحقا من حقوق المواطنين، وتنسيق الجهود بين المؤسسات الدستورية المهتمة بالتقييم وتوحيد رؤاها وجهودها، لضمان تقييمات شاملة وموضوعية، والدفع باللامركزية واللاتمركز في اتجاه منح الجهات صلاحيات واسعة في تخطيط وتدبير وتنفيذ السياسات العمومية، ودعم المقاربة بالمشروع، ومنح المؤسسات التعليمية صلاحيات واسعة بخصوص مشاريعها الخاصة، وإشراك النقابات والجمعيات والهيئات، وكل المعنيين المباشرين، في تخطيط السياسات العمومية،وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، واعتماد مبدأ الرقابة المدنية على مخططي ومنفذي السياسات العمومية. أما سعيد أصيل، الأستاذ بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالدارالبيضاء، فتطرق إلى حكامة تدبير الموارد البشرية وإشكالية إصلاح التعليم، وقال إن الإصلاح تواجهه إكراهات عدة، ترتبط بالخصاص الهائل في الموارد البشرية في المناطق القروية وشبه القروية، وتكوين ضعيف للأساتذة، وغياب رؤية استراتيجية في التكوين، والتدبير التقليدي لعملية التعليم، وغياب تطبيق مبادئ الحكامة والتدبير التشاركي. ودعا إلى الإسراع بوضع اتفاق وطني ومشروع مجتمعي، ومراجعة إجراءات الامتحانات المهنية، وإلغاء التعيين المباشر في التعليم، والاعتماد على المعايير العلمية. وختم عبد العزيز إيوي، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم (الفدرالية الديمقراطية للشغل)، المداخلات، معتبرا المسألة التعليمية كانت قضية استقطاب سياسي وإيديولوجي، وصراعا اجتماعيا وسياسيا، وأن"المخطط الاستعجالي كان إعلانا صريحا عن فشل الإصلاح، الذي جاء به ميثاق التربية والتكوين، الذي ركز على تطوير البنية التحتية لحقل التعليم، بدل تكوين الأساتذة".