دخلت الأزمة السياسية، التي تتخبط فيها ليبيا منذ فترة، منعطفا جديدا أكثر تعقيدا وخطورة بامتناع الحكومة المؤقتة، برئاسة عبد الله الثني، عن تسليم السلطة إلى رئيس الوزراء الجديد، عمر امعيتيق، إلى حين فصل القضاء في الخلافات داخل المؤتمر الوطني بخصوص الإجراءات القانونية التي اتبعت في انتخابه. عمر امعيتيق رئيس الوزراء الليبي الجديد أجج هذا الموقف الصراع بين حكومة الثني والمؤتمر الوطني العام الذي منح الثقة لحكومة عمر امعيتيق الجديدة في جلسة عقدت الأسبوع الماضي، على الرغم من الجدل المثار حول عدم توفر النصاب القانوني المطلوب لاختيار رئيسها والمحدد في 120 صوتا. وربطت حكومة الثني تسليم السلطة بصدور قرار عن السلطة القضائية يحسم الجدل حول مدى شرعية انتخاب الحكومة الجديدة، وعززت موقفها بتسلمها رسالتين من النائب الأول لرئيس المؤتمر الوطني العام، عز الدين العوامي، تطالبانها بالاستمرار في أعمالها، وتؤكدان على "عدم شرعية انتخاب رئيس الوزراء الجديد"، فضلا عن تلقيها ثلاثة آراء قانونية "تفيد بعدم قانونية إجراءات انتخاب رئيس الحكومة". وأوضحت أن هناك طعونا مقدمة من قبل مجموعة من أعضاء المؤتمر الوطني العام أمام المحكمة العليا للفصل في قانونية وشرعية تنصيب الحكومة الجديدة، مؤكدة أنها ستلتزم بأي حكم قضائي يصدر عنها. وذهبت الحكومة المؤقتة إلى حد مطالبة المؤتمر الوطني العام بالامتناع عن اتخاذ أي إجراءات تنفيذية "بتكليف أي جسم غير هذه الحكومة بمهام أمام المحافل الدولية، حفاظا على هيبة الدولة الليبية وتفاديا لضياع مصلحة الوطن"، محذرة من الأخطار المحدقة بليبيا في ظل الاختلاف السياسي والمتمثلة في "خطر الانزلاق إلى تقسيم الوطن والاحتكام إلى السلاح والتدخل الأجنبي". وكانت حكومة الثني قد تقدمت، مؤخرا، للمؤتمر الوطني العام بمبادرة من عشر نقط في مسعى لحل الأزمة السياسية والدستورية والقانونية الراهنة و"الوصول إلى توافق وطني في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ ليبيا". وتقضي المبادرة بإعادة التصويت على رئيس الحكومة الجديد، في جلسة علنية بطريقة الاقتراع السري المباشر، وفي حال فشل المؤتمر الوطني العام في ذلك، تستمر الحكومة الحالية في تسيير الأعمال إلى حين انتخاب البرلمان القادم الذي سيحل محل المؤتمر في أجل أقصاه 15 غشت القادم، على أن يدخل هذا الأخير في إجازة برلمانية حتى يتم انتخاب البرلمان القادم وتسلم له السلطة التشريعية. كما تنص المبادرة على تقديم الحكومة المؤقتة استقالتها في أول جلسة للبرلمان الجديد وتشكيل لجنة "للتواصل مع كافة التشكيلات المسلحة للوصول إلى توافق وطني يرفض الاحتكام إلى السلاح بين أبناء الوطن الواحد، ويطالب بالانصياع لصوت العقل والحكمة بما يوافق الشرع الحكيم والإعلان الدستوري". غير أن المؤتمر الوطني العام لم يناقش هذه المبادرة، وارتأى المضي قدما في إجراءات تنصيب حكومة عمر امعتيق التي أدى أعضاؤها اليمين القانونية أمام رئيسه في جلسة عقدت الأحد الماضي. وفي مؤشر على احتدام الخلاف بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في ليبيا، اعتبرت رئاسة المؤتمر الوطني العام، في بيان أصدرته أمس الخميس، أن من شأن الامتناع عن التسليم في ظل الظروف التي يمر بها البلد أن "يلقي بظلاله القاتمة على المشهد السياسي المرتبك ويزيد الأمور تعقيدا"، محذرة من الانزلاق إلى "أمور خطيرة يتعذر تداركها أو الحد من آثارها السيئة". وأعربت رئاسة المؤتمر عن "استهجانها واستنكارها الشديد للبيان الذي أصدرته الحكومة المؤقتة، والذي أعلنت فيه بصراحة عن رفض الامتثال لقرارات المؤتمر الوطني العام بشأن انتخاب رئيس حكومة جديدة ومنح الثقة لها وتشكيل لجنة للتسليم والاستلام"، واصفة هذا الموقف بأنه "تصرف غير مسبوق". ويرى البيان، الذي حمل توقيع رئيس المؤتمر الوطني، نوري ابو سهمين، أن الامتناع عن التسليم "ليس له من دلالة سوى التشبث بالسلطة ورفض التداول السلمي لها"، معتبرا أن "مخالفة القرارات الصادرة عن السلطة التشريعية، والتذرع بعدم صحتها أمر غير مقبول ومرفوض". ونبه إلى أن هذا التصرف "يرتب جرائم قانونية من بينها إساءة استعمال السلطة التي تستوجب الحكم بالحبس والعزل، فضلا عن المخالفات الإدارية"، مؤكدا أن "كل ما يصدر عن رئيس الحكومة المقال وحكومته من تصرفات في الشأن العام يعد باطلا قانونا وغير شرعي". ويشي مضمون البيانين، الصادرين عن الحكومة المؤقتة ورئاسة المؤتمر الوطني العام، باتساع شقة الخلاف بينهما في ظرفية أمنية دقيقة خاصة ببنغازيº حيث تدور مواجهات مسلحة بين قوات تابعة للواء المتقاعد، خليفة حفتر، ومجموعات مسلحة، وهو الأمر الذي غذى المخاوف على المستويين الإقليمي والدولي من المآلات الخطيرة للأزمة التي باتت تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة برمتها. وقد لاحت بوادر الانعكاسات الخطيرة للاحتقان السياسي القائم في حادثين أمنيين شهدتهما العاصمة الليبية طرابلس، خلال الأسبوع الجاري، وتمثلا في الاعتداء المسلح الذي استهدف مقر إقامة رئيس الحكومة الجديد، عمر امعيتيق، ساعات بعد أداء حكومته اليمين القانونية أمام رئيس المؤتمر الوطني، وتعرض قوة أمنية تابعة لوزارة الداخلية الليبية ومكلفة بتأمين مقر رئاسة الحكومة المؤقتة لاعتداء من قبل عناصر وصفت ب"الخارجة عن القانون". واستشعارا للمنحى الخطير الذي اتخذه السجال بين الفرقاء السياسيين على خلفية أزمة انتخاب رئيس الحكومة الجديد، أعلن المجلس الأعلى للقضاء في ليبيا عن تشكيل لجنة "لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء والتوفيق بين الجميع في ظل الظروف التي تمر بها ليبيا الآن". وستضم هذه اللجنة، وفقا للمجلس، كلا من رئيس الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، ورئيس رابطة العلماء، ورئيس هيئة تقصي الحقائق والمصالحة، ورئيس لجنة مراجعة التشريعات ورئيس المجلس الوطني الانتقالي، ورئيس مجلس الحكماء والشورى، ورئيس (لجنة فبراير). وحدد المجلس مهام اللجنة، التي ستختار رئيسا من بين أعضائها، في "الاتصال بجميع الأطراف والعمل على التوفيق بينها"، موضحا أن السلطة القضائية، وحفاظا على استقلاليتها، نأت بنفسها عن التدخل في أعمال السلطتين التنفيذية والتشريعيةº لكونها السلطة التي تمثل ميزان العدل مع ما يستوجبه ذلك من ابتعاد عن السياسة بصفة عامة، غير أنها "رأت أنه من الواجب عليها احتراما لثقة الشعب الليبي، ونظرا لما تمر به ليبيا من ظروف في غاية الصعوبة والخطورة أن تعمل على تقريب وجهات النظر بين الفرقاء". وفضلا عن تداعياته السياسية والأمنية والاجتماعية الداخلية، شكل الوضع الليبي الملتبس مصدر انشغال وقلق على الصعيدين الإقليمي والدوليº إذ من المرتقب أن يعقد وزراء خارجية دول اتحاد المغرب العربي اجتماعا طارئا الأحد المقبل في العاصمة التونسية، لتدارس الأزمة في ليبيا، يتلوه اجتماع يوم الاثنين مع المبعوثين الخاصين إلى ليبيا من دول ومنظمات عدةº مثل الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية. ودوليا، عبرت الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا، في ببيان لها، عن "قلقها العميق إزاء أحداث العنف المتكررة"، داعية كافة الأطراف إلى الامتناع عن اللجوء إلى القوة وتسوية خلافاتهم بالطرق السياسية. كما دعت هذه البلدان الليبيين إلى العمل من أجل "انتقال سلمي وديمقراطي"، محذرة من مخاطر "الفوضى والتجزئة والعنف والإرهاب". وكانت عدة بلدان، وخاصة دول الجوار تونس والجزائر ومصر، قد وجهت تحذيرات إلى مواطنيها بعدم السفر إلى ليبيا في الفترة الراهنة، واتخاذ أقصى درجات الاحتياط بالنسبة للمتواجدين منهم بالأراضي الليبية، كما سحبت دول عدة، من بينها المملكة العربية السعودية والجزائر ومصر، بعثاتها الدبلوماسية من ليبيا بسبب الظروف الأمنية التي تسود البلد حاليا. وطالبت الولاياتالمتحدة بدورها رعاياها في ليبيا بمغادرة البلد على الفور بسبب ما وصفته ب"الأوضاع غير المستقرة والتي لا يمكن التنبؤ بها" في ليبيا. ويأتي هذا التحذير في وقت تحدثت فيه تقارير إعلامية عن توجه سفينة حربية أمريكية نحو سواحل البحر الأبيض المتوسط بالقرب من ليبيا، تحسبا لإمكانية إجلاء الرعايا الأمريكيين جراء الأوضاع الأمنية الراهنة. ولم يمنع الغموض الذي يلف الوضع في ليبيا المفوضية الوطنية العليا للانتخابات من الإعلان رسميا، أمس الخميس، أن يوم 25 يونيو هو موعد إجراء انتخابات مجلس النواب، الذي من المقرر أن يخلف المؤتمر الوطني العام في ما تبقى من عمر المرحلة الانتقالية. وقال رئيس مجلس المفوضية، عماد السايح، في مؤتمر صحفي، إن المفوضية تسلمت القرار الصادر عن المؤتمر الوطنÜي العام بشأن تحديد موعد انتخاب مجلس النواب، والذي نص في مادته الأولى على أن يكون يوم الأربعاء الموافق 25 يونيو 2014 موعدا للاقتراع على مقاعد مجلس النواب. وكشف السايح أن عدد الناخبين المسجلين في هذه الانتخابات بلغ إلى حدود الأربعاء الماضي مليون و450 ألف ناخب.