خلص الملتقى الإقليمي حول "التمكين السياسي للنساء في شمال إفريقيا والشرق الأوسط على ضوء التحولات الراهنة"، المنظم بمراكش، خلال الأسبوع الماضي، إلى خلق شبكة إقليمية للتنسيق في المنطقة العربية، في أفق توحيد استراتيجية العمل المشترك والترافع لدى الجهات المعنية قصد الرفع من فرص وصول النساء إلى مراكز القرار، وضمان الحقوق السياسية للنساء. تداول المشاركون والمشاركات في هذا الملتقى، المنظم ضمن برنامج "أمل"، بمبادرة من جمعية النخيل بمراكش وبشراكة مع مؤسسة "أكسفام"، وبحضور نشطاء في أحزاب وجمعيات من المغرب وتونس والجزائر وفلسطين ولبنان ومصر، عوائق تفعيل الحقوق السياسية للنساء في المنطقة العربية. واعتبر المشاركون أن "المدخل السياسي يعد المفتاح المفصلي والأكيد لباقي المجالات الأخرى، لأنه يمسك بسلطة التشريع والقرار، وييسر سيادة كثير من المفاهيم والسلوكات وانخراطها في التلقائي في شرايين الدولة والمجتمع"، وفق ما جاء في أرضية الملتقى. وعزت جل المداخلات ضعف تواجد النساء في مراكز المسؤولية إلى سيادة العقلية الذكورية داخل هذه البلدان وداخل أحزابها السياسية، وأيضا إلى واقع النساء الاقتصادي. وسجل المشاركون والمشاركات في أشغال الملتقى، الذي حضر جلسته الافتتاحية عبد السلام بيكرات، والي جهة مراكش تانسيفت-الحوز وعامل عمالة مراكش، ومحمد مصطفى العريسة، رئيس اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بمراكش، التقدم الحاصل في مجال القضاء على عدة أنواع من التمييز، والتقدم بالنسبة لأجندة المناصفة والمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة طبقا للالتزامات الدول بالمعاهدات الدولية وأهمها بالنسبة للمرأة "السيداو"، مع الإشارة إلى الإنجازات والتقدم، في العديد من البلدان، في مجالات أوضاع النساء وقضايا النوع الاجتماعي والحقوق الإنسانية، وذلك من خلال إصلاح بعض القوانين بما في ذلك الدساتير وقوانين الأسرة والجنسية والعمل وقوانين الانتخابات وتبني آليات تمنح النساء فرص الوصول إلى مناصب التمثيلية السياسية. وفي سياق متصل جرت الإشارة إلى تحسين مستوى التعليم وتقليص الفجوات بين الذكور والإناث في أغلبية البلدان، وحصول الفتيات على التعليم والتكنولوجيا، إذ تبلغ نسبة الملتحقات بالجامعات أكثر من 50 بالمائة وتتجاوز الفتيان في بعض التخصصات. كما سجل الملتقى "تطوير استراتيجيات وطنية للنهوض بأوضاع النساء ومناهضة العنف المسلط عليها في حالة السلم، وفي أوضاع النزاعات وما بعدها، إلى جانب تطور مِؤشرات الصحة والصحة الإنجابية بما في ذلك تقلص وفيات الأم والطفل". واستعرضت بعض فقرات الملتقى تجارب الحركات النسائية في دول فلسطين ومصر ولبنان وتونس والجزائر، وهي الدول المشاركة في برنامج "أمل"، إلى جانب المغرب الذي قدمت خديجة الرباح، المنسقة الوطنية للحركة من أجل ديموقراطية المناصفة، تجربته. وحملت الرباح مسؤولية عزوف النساء عن العمل الحزبي للتنظيمات السياسية قائلة "حاولت النساء، من خلال القطاعات النسائية التابعة للأحزاب، فرض خصوصيتها لكن الأحزاب تعاملت مع المسألة النسائية كأحد القضايا الفرعية للمشاكل الاجتماعية. وظلت النساء تؤثث الفضاء الحزبي ولم تستطع الوصول إلى مراكز القرار في الهياكل الحزبية إلا بشكل باهت". وقالت الرباح إن هذا الواقع هو ما فرض البحث عن الاستقلالية واللجوء، بالتالي إلى تأسيس جمعيات نسائية أخذت على عاتقها مهام عدة من بينها "الترافع من أجل تطبيق المواثيق الدولية والالتزام بمضامينها، ومراجعة وتغيير مدونة الأحوال الشخصية، وإلغاء جميع أشكال التمييز التي تستهدف النساء، ومناهضة العنف، وتعديل القانون الجنائي وقانون الشغل، ووصول النساء إلى مراكز القرار السياسي". وعن آليات تنفيذ برامجها لجأت الجمعيات النسائية المغربية إلى التنسيق في ما بين مكوناتها بهدف تطوير مجال التشبيك وإحداث إطارات لتوحيد الجهود, من قبيل "ربيع المساواة" و"ربيع الكرامة" و"الربيع النسائي للديمقراطية والمساواة" و"نساء من أجل نساء" و"نساء متضامنات" و"مجموعة 95 المغاربية" و"مجموعة المساواة دون تحفظ". واستعرضت الرباح المكتسبات التي استطاعت المرأة المغربية التمتع بها، ويتعلق الأمر بوضع "خطة إدماج المرأة في التنمية" بتنسيق مع الحكومة والمجتمع المدني، وإصلاح مدونة الشغل والقانون الجنائي وقانون الجنسية، وإصلاح مدونة الأحوال الشخصية "مدونة الأسرة"، وإصلاح مدونة الانتخابات، وتغيير نمط الاقتراع، وتضمين مبدأ التمييز الإيجابي في قانون الاحزاب، وأساسا المضامين المتقدمة لدستور 2011 بشأن حقوق النساء. وجاءت تجارب الحركات النسائية العربية، التي استعرضت خلال الملتقى، متشابهة من حيث العقبات ومعيقات تفعيل الحقوق السياسية للنساء، ومتفاوتة على مستوى مراكمة المكتسبات وظروف العمل ومستوى الدعم الذي تتلقاه، إلى جانب الوضع السياسي لبعض الدول مثل فلسطين ولبنان .. واعتبرت هادية بلحاج، عن مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث "كوثر"، في عرضها التأطيري، أن من بين أسباب ضعف المشاركة السياسية للنساء "تعدد أدوار ومهام المرأة والضغوط والأعباء التي تتحملها"، إلى جانب "الضوابط والممارسات الاجتماعية التي تمنع المرأة من المشاركة الكاملة في اتخاذ القرار وبالذات في المجال العام وارتباط بروز النساء في مواقع صنع القرار السياسي بالإرادة السياسية"، وأيضا "الأزمات السياسية والاجتماعية وظهور التيارات المتشددة". وقالت هادية بلحاج في معرض حديثها عن ضعف المشاركة السياسية للنساء إن "الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية تتحكم فيها هياكل ومواقف تقليدية إزاء مشاركة المرأة في المسار السياسي كما أنها منقسمة حول حقوق المرأة في اتخاذ القرار على أساس أن المرأة من المفروض أن لا يكون لها أي نوع من السلطة على الرجل". وأضافت أن "الاختلافات المتفاوتة بين الأحزاب حول الموضوع تجعل المرأة تصرف النظر عن المشاركة، وعندما تجازف يواجهها الواقع المر: عدم حرية التنقل والقدرة على بناء الرأي العام، قلة الامكانيات المادية وقلة الخبرة والتجربة مقارنة بالرجال". وأوردت هادية مجموعة من الإحصائيات التي تبرز أوضاع المرأة في المنطقة العربية مشددة على أن الأوضاع الاقتصادية للنساء تساهم بدرجة كبيرة في مستوى إقدامهن على المشاركة السياسية وتواجدهن في مراكز المسؤولية. وصدرت في ختام أشغال هذا الملتقى، الذي امتد على مدى يومين، توصيات لامست الأدوار التي يمكن أن تلعبها الجهات المانحة لتمكين النساء سياسيا، إلى جانب أدوار كل من الحكومات ومنظمات المجتمع المدني بما يعني الأحزاب والنقابات والجمعيات، إلى جانب دور القطاع الخاص.