كرمت "جمعية مهرجان فاس للثقافة الصوفية"، التي تسهر على تنظيم مهرجان فاس للثقافة الصوفية، بقاعة ولاية فاس صباح الأحد المنصرم، إحدى منارات التصوف بالعالم العربي، التي اشتغلت عميدة كلية بيروت، اللبنانية سعاد الحكيم المتخصصة في قراءة نصوص ابن عربي، وصاحبة كتاب "نظرية الحب عند ابن عربي". فوزي الصقلي يهدي للمحتفى بها سعاد الحكيم ذخيرة سيدي المعطي وقال رئيس مهرجان فاس للثقافة الصوفية، فوزي الصقلي، إن المحتفى بها بذلت جهدا جهيدا من الناحية الأكاديمية لتفكيك رموز لغة ابن عربي المجددة، وكشف الصقلي أن سعاد حكيم تفوقت في كشف بعض مذاهبه الرمزية، وهي على خطى الشيخ الأكبر استطاعت أن توحد بين القديم والحديث. في كلمة ضافية تحت عنوان "ابن عربي في حياتي" أكدت سعاد الحكيم أن قراءة النص الأكبري، كانت مدخلا لتحسين نوعية حياتها. فمنذ 1970 وهي تنشغل باستنباط المصطلحات وتدقيق المفاهيم الصوفية، مبرزة أن ابن عربي هو الذي اختارها ولم تختره. ولفتت الباحثة اللبنانية أن عبر إبحارها في خضم المعرفة الصوفية استخلصت 7 مراقي معرفي، وتشمل مبدأ استحسان الألوهية عبر مقام الذوق والمجاهدة، وعدم الاستكفاء المعرفي( ليست هناك بداية أو نهاية)، وقدسية الكون وكائناته، والثقة في العقل البشري، والقرآن يخاطب الإنسان بآياته، وحسن استقبال البلاء، وأخيرا المعادلة الصعبة بين الجرأة والحكمة (الجرأة حرية والحكمة مسؤولية). من جهة أخرى أكدت المحتفى بها سعاد الحكيم أن التصوف غير رؤيتها للأشياء ومكنها من تصفية أعماق روحها. وتوج حفل تكريم المفكرة والباحثة اللبنانية سعاد الحكيم بإهدائها مخطوطا صوفيا نشرته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ويتعلق الأمر بذخيرة سيدي المعطي تعود إلى القرن السادس عشر، وتضم ما يناهز 73 سفرا، ويحمل المؤلف عنوان" ذخيرة المحتاج للصلاة على صاحب اللواء والتاج". وتقول المصادر إن موسوعة ذخيرة المحتاج في الصلاة على صاحب اللواء والتاج، للعلامة الشيخ سيدي محمد المعطي بن صالح الشرقي رحمه الله ورضي عنه، بلغت من السعة والتنوع، إذ ناهزت التسعين مجلدا، سلك فيها مؤلفها ما كتبه من تفسير وحديث وسيرة وعقيدة وأدب وشعر، وفق الطرق العلمية الصحيحة التي ظلت طيلة القرون الثلاثة الماضية مهوى أفئدة طلاب العلم ومريديه. وتميزت هذه الموسوعة بكافة أجزائها بالأسلوب الممتع السهل، غير المتكلف أو المعقد، حيث عمد صاحبها إلى إيصال الفوائد والفرائد إلى عقل القارئ دون مشقة أو عناء. وتعد الموسوعة من الكتب النافعة لتهذيب النفوس وتخليصها من أدران المادة، كما أنه كنز ثمين استوفى المحاسن كلها، وانفرد بشتى علامات التفرد. يذكر أن العلامة الشيخ محمد الصالح بن محمد المعطي الشرقاوي البجعدي التادلي، أحد حفدة الشيخ سيدي بوعبيد محمد بن أبي القاسم الشرقي، ينتهي نسب هذه الأسرة الكريمة إلى الخليفة الراشدي الثاني مولانا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتعد هذه الأسرة من أعظم بيوتات العلم والتصوف بالمغرب، لا سيما بمنطقة تادلة. المعروف عن الشيخ محمد الصالح أنه كان من كبار علماء عصره وأكثرهم حنكة واطلاعا، وقد تتلمذ على أيدي نخبة من مشاهير أعلام المغرب، مثل العلامة الشيخ الحسن اليوسي، أخذ عنه علوم الطب والتشريح والتوقيت والحساب والهندسة، كما أخذ عن العلامة الشهير محمد بدر الدين القرافي، والشيخ محمد بن سعيد الهبري الطرابلسي، والشيخ العلامة سيدي أحمد بن الشيخ سيدي محمد بن ناصر الدرعي، وعن هذا الأخير تمسك بورد الطريقة الناصرية، فصار من جملة روادها الكبار، وتفيد بعض المصادر عن هذا الشيخ الأخير أنه قال في حقه مرة "أنت بضعة مني، أنا كأنت وأنت كأنا، يسوؤني ما يسوؤك ويسرني ما يسرك". وللشيخ سيدي محمد الصالح تقاييد وأعمال فكرية متنوعة، ذات مستوى عال من الكفاءة الكبيرة، وقد جمع معظم هذه الأعمال تلميذه العلامة الحسن بن محمد المعداني، من خلال كتابه الروض اليانع الفائح، في مناقب أبي عبد الله المدعو بالصالح. وشارك قي حفل تكريم صاحبة كتاب "نظرية الحب عند ابن عربي"، صفوة من الأساتذة والباحثين والمتخصصين في علوم التصوف، من أمثال بابلو بنيو، ومحمد العدلوني، وجمال العمراني، ومحمد الديباجي، وحياة قارة، قدموا مداخلاتهم حول فكر ابن عربي، وفلسفته ومذاهبه الرمزية، وفصوص حكمه وفتوحاته المكية. وتميز الحفل، أيضا، بابتهالات من تخوم جنوب الصحراء للمنشد موسى عنكي. ومكن هذا الحفل الصوفي الجمهور الكبير الذي تتبع فقراته من الارتقاء نحو مدارج الوجد واستشراف عوالم التصوف والاحتفال بالمشترك لدى الإنسان، كما كان جسرا لقيم ومثل نافح عنها متصوفون كبار أمثال ابن عربي، الذي يعد أحد المتصوفة الكبار الذين أثروا الفكر الصوفي في الثقافة الإسلامية وشكلوا على امتداد قرون أحد رموزه. يذكر أن مهرجان فاس للثقافة الصوفية، الذي نظمت دورته الأولى سنة 2007 يروم التعريف على المستوى العالمي بالصورة الإيجابية للإسلام من خلال إبراز عمق ومقاصد ثقافة الانفتاح والتسامح، التي اعتمدها المتصوفة في تجاربهم إضافة إلى تكريس ثقافة مشتركة ترتكز على قيم التعايش والتسامح والإخاء.