ستبقى الجولة الإفريقية التاريخية لجلالة الملك، التي شملت جمهوريات مالي والكوت ديفوار وغينياوالغابون خالدة مخلدة في تاريخ المملكة المغربية، والقارة الإفريقية برمتها، لأنها أحدثت ثورة اقتصادية عز مثيلها. فقد فتحت جولة جلالة الملك صفحة جديدة في تاريخ القارة السمراء، وانتقلت بعالم العلاقات الاقتصادية إلى الصدارة، بعد أن كانت السياسة سيدة الموقف وأعز ما يطلب. بفضل حكمة جلالة الملك وفكر جلالته المتنور حققت العلاقات الإفريقية الإفريقية قفزة مهمة، وقدمت للعالم نموذجا مثاليا ومتطورا في التعاون جنوب جنوب. فالمغرب الذي كان مرتبطا، قبل الجولة التي نحن بصدد الحديث عنها، مع 45 دولة إفريقية بأزيد من 500 اتفاقية رفع عدد اتفاقياته مع البلدان الشقيقة لتتجاوز ال600، إذ ترأس جلالة الملك رفقة قادة ماليوغينياوالغابون والوزير الأول الإيفواري توقيع 84 اتفاقية ومعاهدة. إننا بصدد جولة تحديات وأرقام قياسية، أرقام تحمل بين طياتها تحديا يصعب على الغير رفعه، أو الاقتراب منه، فتوقيع الكم المشار إليه من الاتفاقيات يؤسس لتحول في مسار علاقات المملكة مع دول غرب ووسط القارة السمراء، ويجسد على أرض الواقع انفتاح المملكة على محيطها الإفريقي. قدم جلالته من خلال جولته التاريخية ومساهمته في تفعيل التعاون الاقتصادي مع الدول الإفريقية الشقيقة الدليل على أن المغرب هو مغرب الأفعال وليس الأقوال فحسب، مغرب منسجم مع نفسه ومتصالح معها، فحين يتحدث عن تشبثه بانتمائه الإفريقي، فإنه لا يطلق الكلام على عواهنه، بل يؤكد أن ما نطق به اللسان تعبير صادق عما اختلج بالقلب واختمر في الفكر ليظهر في أحسن التجليات على أرض الواقع، فالبعد الإفريقي الذي أكد مغرب الألفية الثالثة أنه جزء لا يتجزأ من سياسته الخارجية، تنطق به الأرقام المشار إليها سلفا، فالاتفاقيات ال88 التي وقعت في المحطات الأربع من الجولة الملكية تؤكد أن المغرب مقتنع أشد الاقتناع بخياراته، وأنه حين جعل من المنتديات واللقاءات الاقتصادية فرصة لتبادل الآراء والخبرات بين المتخصصين في المجال أكد بما لا يدع مجالا للشك رغبته الأكيدة في ترجمة الأفكار والمخططات إلى مشاريع تنعكس إيجابيا على القارة وسكانها. إنها الفلسفة الملكية التي تعبر عن النظرة الثاقبة والقرارات الصائبة، التي ما فتئ جلالته يبهر بها العالم ويثير إعجاب الأصدقاء ويحرج بها الخصوم، فتوقيع 17 اتفاقية مع مالي و26 مع الكوت ديفوار و21 مع غينيا، و24 اتفاقية ومعاهدة مع الغابون يعبر بصدق عن التحول الجذري في علاقات المملكة بقيادة صاحب الجلالة بالبلدان الإفريقية الشقيقة، وهو النموذج الذي ينبغي للقارة أن تقتدي به، لتغير الصورة النمطية المرسومة عنها في العالم، وتؤكد أنها ليست قارة الحروب والصراعات والانقلابات، والمؤامرات.. إنها الصورة التي كرسها بعض أبناء القارة الذين جعلوا من العقوق والفرقة عقيدة لهم، واختاروها وسيلة لممارسة أفعالهم الشيطانية التي أثبتت فشلها. نعم إن الجولة التاريخية لجلالة الملك فتحت صفحة جديدة في دفتر تاريخ القارة السمراء، وغيرت الصورة عن مواطن هذه القارة ودرجة وعيه، وأفق آماله وطموحاته، وانتقاله إلى مرحلة البناء، بناء يجمع بين الكم والنوع، لأن الاتفاقيات، التي ترأس صاحب الجلالة توقيعها تشمل، كما أكدنا سابقا، عدة مجالات، إذ لم تضح بالمجالات الإنسانية والروحية باعتبار روابطها التاريخية، لكنها لم تبد مقاومة "بليدة" للمجال الاقتصادي، كما يفعل البعض، لأنها تريد للإنسان في القارة الفتية أن يعيش عصره بكل ما تحمله الكلمة من معنى. لهذا قلنا أكثر، من مرة، إن قيادة جلالة الملك بكل جرأة بناء مغرب الحداثة والديمقراطية لم يثنه عن الاهتمام بحاضر ومستقبل القارة، التي تتحول في فكر جلالته المتنور إلى وطن يبقى فيه الإنسان وقضاياها حاضرين بكل ثقلهما، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه. هيأة التحرير