تجمع بين المغرب ومالي روابط ضاربة في عمق التاريخ، وعلى هذه الخلفية، يتطلع البلدان إلى تعزيز وتنويع علاقاتهما، لتصبح نموذجا للتعاون جنوب-جنوب. جلالة الملك خلال زيارة سابقة لدولة مالي (ماب- أرشيف) وتشكل الزيارة الرسمية، التي يبدأها اليوم الثلاثاء جلالة الملك محمد السادس إلى هذا البلد، أحسن تجسيد لهذه الإرادة المشتركة. إن مالي، البلد الذي يتعافى تدريجيا من فترة اضطراب سياسي لا سابق لها، يحتاج إلى حليف متضامن وموثوق، قادر على أن يرفع معه التحديات المطروحة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والأمني. فبين كل بلدان المنطقة، يعتبر المغرب البلد المؤهل للاضطلاع بدور من هذا الحجم، ذلك أن عاهله يتمتع بتقدير واحترام كبيرين في مالي، كما أن الروابط الروحية والثقافية لم تكن أبدا بهذا الحجم من القوة كما هي عليه اليوم. يبدأ جلالة الملك محمد السادس، اليوم الثلاثاء، زيارة رسمية إلى مالي، في إطار جولة إفريقية، تشمل الكوت ديفوار، والغابون، وغينيا كوناكري. وتأتي الزيارة الملكية بعد بضعة أشهر على مشاركة جلالة الملك في حفل تنصيب الرئيس المالي بوباكار كيتا، وتشكل برهانا ملموسا على وفاء المغرب الدائم بالتزاماته إزاء البلدان الإفريقية. ويجدر التذكير، هنا، بالخطاب الملكي خلال تنصيب الرئيس المالي الجديد، عندما صرح جلالة الملك بأن المغرب، الذي يظل متمسكا بالتعاون جنوب - جنوب "لن يدخر جهدا من أجل مصاحبة مالي، البلد الشقيق والجار، في القطاعات السوسيواقتصادية"، التي يراها ذات أولوية. كما شدد جلالة الملك على أن المغرب سيقدم الدعم لبرامج مالي في مجال التنمية البشرية، خاصة ما يتعلق بتكوين الأطر، والبنيات التحتية الأساسية، والصحة. وبهذا، ستكون الزيارة الملكية مناسبة للدلالة، مرة أخرى، على الإرادة الصادقة للمغرب في دعم تطلعات الشعب المالي من أجل التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وحقه في الاستقرار والازدهار. وعلى الصعيد الاقتصادي، يتطلع الفاعلون الاقتصاديون من البلدين إلى أن تعطي الزيارة الملكية دفعة جديدة للمعاملات بين البلدين، ذلك أن المغرب، الذي يحتل مكانة مهمة في النسيج الاقتصادي المالي، يعتزم تعزيز موقعه وإيجاد سبل أخرى للشراكة. ففي مجالات البنوك والمواصلات السلكية واللاسلكية والعقار والصناعة، يقوم الفاعلون الخواص بعمل مهم، يحظى بتقدير السلطات العمومية، "إذ يواكبون مجهودات التنمية التي تبذلها الحكومة، ويساهمون في تحقيق المشاريع الهيكلية انطلاقا من منطق الربح والربح المتبادل"، يقول عبد الأحد الكتاني، المدير العام للبنك الدولي لمالي، فرع التجاري وفا بنك، وأحد أكبر البنوك الخمسة الموجودة في الساحة. وبالفعل، فالبنك اقتنى، في بداية 2000، نسبة 51 في المائة من رصيد بنك قديم للدولة، كان في وضعية عجز، وتمكن من تقويم الوضعية، ومن إنقاذ وظائف عدة، كما تمكن من توظيف مساهمين جدد (+ 16 في المائة سنة 2013). واليوم، جعلت هذه النتائج المحققة من هذا البنك فاعلا لا محيد عنه في الحقل البنكي لدولة مالي، إذ انتقلت النتيجة من 2.1 مليار إفريقي (FCFA) سنة 2012 إلى 4.4 ملايير فرنك نهاية دجنبر 2013، بمعدل زيادة من 106 في المائة. إن المثال الذي يقدمه هذا الفرع للتجاري ليس فريدا، إذ أن البنك المغربي للتجارة الخارجية يساهم بدوره، من خلال فرعه "بنك إفريقيا" BOA، في جهود التنمية السوسيو اقتصادية في مالي. إن العلاقات الأخوية والروحية الضاربة في القدم، والتضامن الفعلي، والشراكات الاقتصادية المثمرة والمربحة للطرفين، والروابط السياسية المتينة، كل ذلك جعل من العلاقات المغربية المالية نموذجا يحتذى في مجال التعاون، خاصة بعدما نال المغرب ثقة هذا البلد ليلعب دورا محوريا في جهود إحلال السلام فيه، من خلال وساطة المملكة بين السلطات المالية وحركات الطوارق في الشمال. وبفضل الثقة القوية والاحترام الكبير اللذين يحظى بهما جلالة الملك محمد السادس من قبل كل شرائح المجتمع المالي، فإن جلالته قادر على أن يساهم بشكل فعال ويساعد في إيجاد حل لهذا النزاع. فالمملكة، بفضل حنكة دبلوماسيتها وخبرتها في مجال مكافحة الإرهاب، وخصوصا بفضل خياراتها المتزنة والمتوازنة، تعتبر عنصرا فاعلا مهما في حل النزاع القائم بين الطوارق والسلطات المالية. شهادات "إن استعداد المغرب من أجل مواكبة مالي في جهودها التنموية على مختلف الأصعدة يلقى ترحيبا واسعا بين عموم المواطنين. وقد لاحظنا عن كثب مدى تثمين سكان باماكو لما تقدمه المملكة من مساندة لبلدهم. وقد عبر كل الأشخاص الذين التقيناهم عن عميق امتنانهم للمغرب ولجلالة الملك على المبادرات التي يقوم بها، في وقت يواجه بلدهم تحديات عديدة. والزيارة الملكية إلى مالي تشكل، بالنسبة إليهم، دليل اهتمام أخوي تجاه بلدهم الذي مازال يعاني من مخلفات الانقلاب الذي وقع سنة 2012، ومن تهديد التطرف وعدم الاستقرار في شمال البلاد. كل الأشخاص الذين التقيناهم عبروا عن احترام وتقدير عميقين لجلالة الملك. "ملك متواضع شرفهم بالزيارة مرتين في أقل من ستة أشهر"، يقول ديوكامادي كيتا، إطار بنكي في الثلاثين من العمر. من جهتها، عبرت الشابة دجير فطوماتو كان، عن سرورها وفخرها بالزيارة الملكية التي ترى أنها "تشخص كل مرة رسالة سلم وأخوة". أما عبدولاي كيتا، مسؤول نقابي في إحدى الشركات في باماكو، فاعتبر أنه "بالنظر إلى الظروف الاقتصادية والسياسية لمالي، فإن حضور جلالة الملك محمد السادس بادرة طيبة. إنه لأمر يبعث على الارتياح عندما يقوم جلالة الملك بزيارة بلدنا الذي كان في سنة 2012 وجهة محظورة". وعبرت غيندو ماديي دومبوا، مستخدمة، عن الشعور نفسه، وقالت "إنه لشرف لنا أن يقوم جلالة الملك بزيارتنا. إن زيارته ستفتح لا محالة مزيدا من الآفاق أمام مالي، هذا البلد الذي خرج لتوه من أزمة سياسية صعبة".