يواصل مغرب الألفية الثالثة لعب دور مهم في تقديم صورة واضحة وانطباع جيد عن الدين الإسلامي، ما جعله نموذجا يحتذى، إذ تجسد المملكة بفضل الرعاية السامية لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، صلاحية الدين الإسلامي لكل عصر وجيل. إن المكانة التي يحتلها المغرب في قلوب أبناء الأمة الإسلامية لا يمكن إنكارها، وتتجلى في استقبال جلالة الملك لرجال الدين وشيوخ الطرق الدينية في الكثير من البلدان، سواء خلال زيارة جلالته لها، أو حين يحلون ضيوفا على بلادنا. ويعزز الانطباع الجيد عن المملكة، الإقبال الكبير لعلماء الدين الكبار على الدروس الرمضانية التي يترأسها أمير المؤمنين، والتي كانت وستظل منارة للعلم والمعرفة والتفقه في شأن الدين الإسلامي، الذي ارتضاه الله لعباده، في هذه الأرض الطيبة، إذ تشكل هذه الدروس فرصة للقاء علماء الأمة الإسلامية من مشارق الأرض ومغاربها للاطلاع على جديد الأبحاث والدراسات في علوم الدين، والتناظر في ما بينهم من أجل فهم صحيح، وبعث رسائل حقيقية عن دين "خير أمة أخرجت للناس". ولأن المملكة المغربية تهتم بوضع مختلف الإشكالات، التي قد تطرح على هذا المستوى، في سياقها التاريخي، بعيدا عن الأهواء التي أساءت في الكثير من البقاع إلى الدين الإسلامي وسوقت لصورة هو بريء منها، يعتبر الكثير من العلماء والفقهاء المغرب مثالا واضحا عن مسايرة الإسلام لعصره، وحين تبين الفرق لدول كثيرة بين مناهج علماء دين أجانب وأئمة تلقوا تكوينهم في المملكة المغربية، ومناهج آخرين اختاروا مسالك جرفتهم عن جادة الصواب، وقادتهم إلى الغلو، تضاعفت أرقام الراغبين في تلقي الدروس في الفقه وعلوم الدين على يد علماء وفقهاء مغاربة، لأن ذلك يضمن لهم السير على النهج القويم، ويقيهم شر مؤثرات تحركها أهواء البعض، ولا علاقة لها بالكتاب والسنة، باستناده إلى المرجعية الدينية للمملكة المرتكزة على السنة، والمذهب المالكي، والعقيدة الأشعرية، والمحفزة على الاجتهاد، وفق مقاصد الشريعة السمحة، والاعتدال والوسطية والتسامح، بعيدا عن كل تشدد أو تطرف أو غلو. وزاد الإعجاب بالنموذج المغربي في الحقل الديني بعدما اتضح أن المغرب الذي يسير بخطى ثابتة في درب البناء والانفتاح لم يترك الدين بمعزل عن ذلك، بل إن الأوراش التنموية التي تهم الحقل الديني، تواصلت بموازاة مع الأوراش الكبرى للمملكة، ولنا مثال في الخطة الوطنية للارتقاء بمساجد المملكة عبر البناء والترميم، وتأطير القيمين الدينيين والاعتناء بهم وجعل ذلك ركيزة لإصلاح الحقل الديني، فضلا عن تنظيم الأنشطة الدينية والتعليمية بالمساجد، وتكثيف الوعظ والإرشاد، والاهتمام بولوج النساء هذا المجال عبر تكوينهن، شأنهن شأن أشقائهن الرجال، وتمكين الباحثات في مجال الدين بطرق علمية من إلقاء دروس رمضانية في حضرة أمير المؤمنين. وفي تناسق فريد مع توجهات مغرب الألفية الثالثة، يجري دعم التوعية الدينية والرقي بالخطاب الديني، وتعزيز المشهد الإعلامي الديني بقنوات فضائية، والعناية بالقرآن الكريم، بل إن التأطير الديني لم يستثن أبناء الجالية المغربية بالخارج، إذ يجري إيفاد الأئمة والفقهاء لتقديم دروس دينية تشكل درعا واقيا لأبناء المملكة المتشبثين بدينهم، فضلا عن تنظيم الحج والعناية بالحجاج المغاربة، وتأصيل الثقافة الإسلامية وإحياء التراث الإسلامي. ولأن بيوت الله هي فضاءات للعبادة والعلم والمعرفة، تركز المملكة، بقيادة أمير المؤمنين وبتوجيه من جلالته، على الاهتمام بالتعليم العتيق وتأهيله بالبناء القانوني الخاص به، وإدماجه في المنظومة الوطنية للتربية والتكوين، وتأهيل هيئاته التربوية والإدارية، وتأهيل البنية المادية لمؤسساته، وأيضا، آفاق خريجيه، لتفادي الصورة النمطية التي ترسخت لدى البعض عن علماء الدين والفقهاء، أو الصورة التي يرغب البعض في ترويجها لأغراض خاصة، وتعزيزا لذلك أصدر أمير المؤمنين أمره السامي بمنح مكافأة شهرية، ابتداء من فاتح يناير 2014 لكل من يزاول مهمة الأذان بالمساجد، وبتمتيع المؤذنين والخطباء ومراقبي المساجد بالتأمين الصحي الأساسي والتكميلي. وأصبح للمساجد بتوجيهات من أمير المؤمنين دور مهم في المجال الاجتماعي، الذي تعد محاربة الأمية، إحدى جوانبه، إذ تلعب المساجد دورا مهما في هذا المجال، وتقدم نموذجا لما ينبغي أن تسير عليه جمعيات المجتمع المدني النشيطة في هذا المجال. ولما اتضح أن المنهج المغربي في الحقل الديني يستحق ليس فقط الإشادة به والوقوف عنده، بل النهل منه، وردت على المملكة طلبات التعاون في الشأن الديني، تقدمت بها جمهوريات تونس وليبيا وغينيا (كوناكري)، وأعطى أمير المؤمنين موافقته المبدئية عليها، وهي طلبات تبرز التقدم الذي أحرزته المملكة في هذا المجال. ويعطي الاهتمام الملكي بمن يخدمون بيوت الله وتقديم الدعم في المجال الديني للجمهوريات المذكورة صورة واضحة عن إخلاص المملكة بقيادة أمير المؤمنين لخيارها المتمثل في الاهتمام بالحقل الديني، بموازاة مع بناء مغرب الألفية الثالثة، "مغرب الحداثة والديمقراطية". هيأة التحرير