تعتبر الدروس الحسنية، التي تلقى في حضرة أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، خلال شهر رمضان، منارة بارزة على مستوى العالم الإسلامي، وسنة حسنة وموسما من مواسم الخير التي تفيض في بركات هذا الشهر الفضيل ،وصرحا علميا شامخا قوامه الحكمة والحداثة.كما تمثل مجالس الدروس الحسنية ، بشهادة العديد من العلماء والمتتبعين لهذه الدروس، منبرا علميا يتفرد المغرب بإقامته في الشهر الفضيل ، تحضره صفوة من العلماء الأجلاء من جميع بلدان العالم، وكوكبة من المشايخ والدعاة والقراء وأصحاب الفكر والثقافة من المغرب وخارجه، يتناولون خلاله بالدرس والتحليل آيات بينات من كتاب الله عز و جل وأحاديث من سنة رسوله الكريم، لإبراز مزايا الإسلام ومقاصده وحكمه وأحكامه، وتأدية واجب بيان الدين للناس من معينه الصافي ومنبعه الزاخر، بعيدا عن المفاهيم المغرضة والتأويلات الخاطئة . وأضحت هذه الدروس الدينية علامة مضيئة للتواصل والحوار بين الأفكار والقضايا الفقهية المطروحة ، فضلا عن كونها صارت ملتقى لمئات من العلماء والفقهاء من مختلف بقاع المعمور يتدارسون خلاله شؤون الأمة الإسلامية وشجونها، وفق منهجية علمية مفعمة بالحكمة والوسطية في الطرح والمعالجة.وتمثل هذه الدروس أيضا مناسبة للمشاركين فيها، من فقهاء وعلماء من المغرب وخارجه ، لإلقاء دروس ومحاضرات في المساجد والجامعات والمؤسسات التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بعدد من مدن المملكة،فضلا عما تشكله من مناسبة للنقاش وتبادل الرؤى بين علماء المملكة ومفكريها وطلبتها. ومما يميز هذه الدروس أيضا حضور ممثلي الأقليات الإسلامية وممثليها في مختلف الأصقاع ، فتكون بذلك مناسبة للتعرف على أوضاعهم وأحوالهم وهمومهم واحتياجاتهم والظروف التي يمارسون فيها شعائرهم الدينية وإعطائهم الفرصة للتعبير عن متطلباتهم فيما يعرف بفقه الأقليات.وأصبحت الدروس الحسنية، اليوم، وبإجماع أهل العلم والفكر، مدرسة فكرية عالمية فريدة، تضيء الطريق أمام الباحثين عن المعرفة وتنير السبيل أمام ملايين الناس الذين يتلهفون لمتابعتها ،وذلك بالنظر إلى التجديد الذي تعرفه في موضوعاتها وآفاقها ومضامينها في سبيل نشر العلم النافع وتكريم أهله، والحرص على إظهار الإسلام في صورته الحقيقية المضيئة أمام العالم أجمع وتبديد تلك الصورة القاتمة التي يحاول الكثيرون ترويجها عن الإسلام،فضلا عما ترومه هذه الدروس من تحقيق من تفقه في الدين وتشبع بعلوم الكتاب والسنة والتوسع في نشر الوعي الديني والفكر الإسلامي النير. إن الدروس الحسنية الرمضانية ، بمستواها العلمي الرفيع وتنوعها وشموليتها، تعتبر بحق قبسا من هدي الدين الحنيف، وصرحا علميا شامخا قوامه الحكمة والحداثة، تتماشى، كما يؤكد ذلك العديد من المشاركين فيها، مع "روح الرسالة المحمدية،وتأخذ بعين الاعتبار صيانة الهوية الثقافية والحضارية للأمة في ظروف تفرض فيه العولمة نفسها على البشرية جمعاء". ويجمع المفكرون في شتى أنحاء المعمور على أن هذه الدروس تمثل نبراسا وعلامة مضيئة في زمن يمر منه العالم الإسلامي والعربي بتحديات وتعثرات تحتاج إلى سلوك سياسي وديني يقوم على الحكمة والروية ولغة الصفاء والمساواة،وهي دروس أراد من خلالها أمير المؤمنين ، جلالة الملك محمد السادس ترسيخ مكانة العلماء والفقهاء ، والحرص على أن يكون دورهم فعالا في تحصين مبادئ الدين الحنيف من الانحرافات العقدية والفكرية. وإضافة إلى حرص العلماء المشاركين في هذه الدروس على تبيين وتبصير الناس بمعاني الإسلام السامية ومنهجه القويم الذي يساعد على فهم أمثل للحياة،فإنهم يتناولون كذلك القضايا الراهنة والمواضيع التي تلامس ما استجد من اكتشافات علمية ومفاهيم جديدة سواء في مجالات الثقافة والسياسة والاقتصاد، حيث لم تعد الدروس الحسنية تهتم فقط بما هو فقهي خالص، بل أصبحت تبحث في عالم الثقافة و العلم و التربية والاقتصاد والاجتماع. وقد تميزت الدروس الحسنية في عهد أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس بفتح صفحة جديدة غير مسبوقة في العالم الإسلامي، وذلك بأن أذن جلالته بإشراك المرأة المغربية في إلقاء هذه الدروس ، إذ اعتلت المرأة العالمة لأول مرة المنبر الحسني، سنة 2003، في شخص الدكتورة رجاء ناجي مكاوي، أستاذة بكلية الحقوق بجامعة محمد الخامس بالرباط.ومنذ ذلك الحين،توالت الخطيبات والعالمات المغربيات على منابر الدروس الحسنية لإلقاء الدرس الديني أمام جلالته وبحضور كبار الفقهاء والعلماء، وهو ما اعتبر بحق، منعطف كبير في المسار العلمي للمرأة المغربية واعترافا جميلا بقدراتها على الإدلاء بمعارفها في مجال الفقه والعلوم الشرعية. وقال أمير المؤمنين، في رسالة وجهها إلى المشاركين في اللقاء الأول للعالمات والواعظات والمرشدات الذي انعقد بالصخيرات في يوليوز 2009 ، "في غمرة الإصلاح الواسع للشأن الديني، نولي أهمية خاصة للدور الكبير للمرأة العالمة، ولما يمكن أن تغني به برامجه، من خدمات متنوعة، وخاصة في باب إصلاح الحياة الأسرية، ودنيا المرأة، وتنوير عقول الفتيات، وتنشئتهن على حب الوطن والاعتزاز بثوابته ومقدساته، في تشبث مكين بقيم الإسلام السمحة، ومبادئه الخالدة.وفي هذا السياق، عملنا على إدماج المرأة العالمة في محيط العلم والعلماء ففتحنا في وجهها باب المشاركة في المجلس العلمي الأعلى، والمجالس العلمية المحلية،بوصفها عضوا كامل العضوية في المؤسسة العلمية.وبموازاة ذلك، فتحنا أمامها باب المشاركة في الدروس الحسنية الرمضانية، إلى جانب إخوانها العلماء. فأبانت عن كفايتها العلمية، ولم تكن دون شقائقها من العلماء. وهو ما أثلج صدرنا، ورسخ فيها حسن ظننا".إن الاهتمام الفائق بمسيرة الدروس الحسنية يندرج تحت عنوان رئيسي هو : حرص المغرب على التشبث بهويته الدينية القائمة على الوسطية و الاعتدال، ولكي تكون هذه الدروس مناسبة لتبصير الناس بالمعاني السامية للإسلام السمح ومنهجه القويم الذي يعطي للعقل منزلته دون تطرف أو غلو، وفرصة لتمتين الروابط والوشائج بين علماء المسلمين كافة، وندوة إسلامية عالمية تشع منها الفيوضات والبركات والعطاء في شهر الصيام، وتجمع شمل المسلمين، وتقرب فيما بينهم ويعم خيرها على الجميع. وكل هذه الدلالات و المعاني أجملها الأستاذ عبد الهادي هونر كامب من الولاياتالمتحدةالأمريكية، في الكلمة التي ألقاها بين يدي جلالة الملك، باسم العلماء المشاركين في الدروس الحسنية الرمضانية لعام 1434 ، حيث أكد أن الدروس الرمضانية "أصبحت بإجماع أهل العلم والفكر مدرسة فكرية عالمية فريدة من نوعها لا سيما وأن مجالسها تؤطر بدروس يتناوب على إلقائها نخبة من علماء المملكة ومن ضيوف جلالة الملك الوافدين من مختلف أنحاء المعمور، مع ما يواكبها من أنشطة علمية ولقاءات فكرية في المساجد والمؤسسات بمختلف جهات المملكة". وأضاف الأستاذ عبد الهادي هونر كامب أن العلاقة بين إقامة هذه الدروس والحوار الحي الذي يتم بين الحاضرين هي "علاقات تعاونية وتعليمية ، من جهة ، وعلاقات تعارفية ، من جهة أخرى"، منوها بمت يوله جلالة الملك من اهتمام بتعليم القرآن الكريم وسعي جلالته الدؤوب إلى "بسط التجديد في وسط الشعب المغربي الكريم بأخلاق التضامن والمواطنة التي تعتبر نموذجا يحتذى ومنهجا يقتدى ".