عرفت أشغال الشطر الثاني من دورة أبريل للمجلس الأعلى للقضاء، خلال جلسة الأربعاء 25 دجنبر 2013، طرح إشكالية ضمانات المحاكمة التأديبية العادلة مجددا، بعدما تخلف أحد القضاة المحالين على المجلس التأديبي وأدلى دفاعه بشهادة طبية تثبت تعذر حضوره. رئيس نادي قضاة المغرب الأمر لم يكن ليثير إشكالا إذا ما توقفنا عند هذا الحد، ولكن توجه نائب الوكيل العام للملك في اللحظة نفسها رفقة طبيب إلى مقر إقامة القاضي للتأكد من حالته الصحية، وإنجاز تقرير بذلك، أثار فضولي للبحث، وطرح أسئلة محرجة لم أجد لها أجوبة مقنعة في بداية الأمر، فرجعت إلى ثنايا النصوص القانونية لعلي أجد ما يبرر الإجراء المأمور به، فاستوقفتني إحدى فقرات الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية التي نصت على أنه "يمكن للقاضي من ناحية أخرى تبعا للظروف تمديد الآجال المذكورة أعلاه والأمر بتجديد الاستدعاء". ومن خلال هذا الفصل يعتبر تقديم أحد أطراف الدعوى شهادة طبية أهم تطبيقات الظروف التي يعتمدها القضاء لتأخير تاريخ انعقاد الجلسة تكريسا لحقوق الدفاع التي تشكل أهم ضمانات المحاكمة العادلة . وبعد ذلك رجعت مجددا للنظام الأساسي للقضاة رغم قناعتي أنني لن أجد جوابا شافيا بين فصوله، فوقفت عند المسطرة التأديبية التي نصت في المادة 61 على ضرورة "إشعار القاضي المتابع قبل ثمانية أيام على الأقل بتاريخ اجتماع المجلس الأعلى للقضاء للنظر في قضيته، وإمكانية أن يؤازر بأحد زملائه أو أحد المحامين"، والتي أيقنت منها أيضا أن المشرع لم ينظم في صلب النظام الأساسي مسطرة خاصة لحالة عدم الحضور للمجلس التأديبي بعلة الإصابة بمرض يمنع القاضي المتابع أمام المجلس من الدفاع عن نفسه . وبعد تفكير طويل قررت هذه المرة استقراء وضعية الموظف العمومي خلال المسطرة التأديبية، فعثرت صدفة على الدورية رقم 7 الصادرة بتاريخ 27-03-1969 من طرف وزير الشؤون الإدارية الأمين العام للحكومة، والمنظمة للمسطرة التأديبية الخاصة بالموظف العمومي، التي أوصت الإدارة في حالة تقديم الموظف المحال على المجلس التأديبي لشهادة طبية لتأخير المحاكمة، بضرورة توجيه رسالة مضمونة تحدد تاريخا جديدا، والذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم تأخيره، وأوجبت فضلا عن ذلك على الإدارة أن تشير إلى ضمان حق الدفاع عن نفسه بنفسه أو بواسطة إحدى الوسائل المحددة في الفصل 67 من القانون المنظم للوظيفة العمومية . كما منحت هذه الدورية للمجلس التأديبي صلاحية دراسة الحالة واتخاذ الإجراءات المعمول بها في حال تخلف الموظف المتابع أمام المجلس التأديبي رغم اتخاذ الشكليات والقواعد المحددة سلفا، في إطار التوازن بين حقوق الدفاع من جهة، وسيادة القانون من جهة ثانية . ورغم أن النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية لا يطبق على القضاة بمقتضى الفصل الرابع منه، وبالنتيجة فإن هذا الحكم يسري على كل ما يتبع ذلك من دوريات ومنشورات تخص الموظفين العموميين ولا تطبق على القضاة، فان الدورية المشار إلى مضمونها أعلاه تظهر بجلاء أن الموظف العمومي يتمتع بضمانات لا يتمتع بها القضاة في إجراءات المحاكمة التأديبية أمام المجلس الأعلى للقضاء، خصوصا أن تأخير المسطرة التأديبية لسبب يعود إلى القاضي المتابع في حالة توقيف راتبه، عن طريق تقديمه لشهادة طبية، يجب أن يتبعها بالضرورة تأخير انعقاد المجلس التأديبي للنظر في وضعيته، وهو ما يجعله في هذه الحالة أول المتضررين من تأخير البت في وضعيته . فالسؤال المحرج في الشق الثاني من دورة أبريل للمجلس الأعلى للقضاء المنعقد في هذه الأثناء هو لماذا كل هذا الحرص على البت في ملف القاضي المتابع أمام المجلس الأعلى للقضاء رغم إدلائه بشهادة طبية تثبت مرضه وعجزه؟، وما هو السند القانوني لانتقال ممثل النيابة العامة إلى مسكن القاضي المتابع؟ و هل تم تكليفه بأمر من المجلس الأعلى للقضاء؟ أم فقط بأمر من وزير العدل و الحريات بصفته ممثلا للنيابة العامة ؟، و هل دورية وزير الشؤون الإدارية واجبة التطبيق أمام المجلس الأعلى للقضاء؟.