تحل غدا الأحد 9 ربيع الثاني الذكرى 15 لرحيل جلالة المغفور له الحسن الثاني، وككل سنة تستحضر المملكة المغربية قمة وقاعدة هذه المناسبة للوقوف عند ما تحقق في عهد ملك، واجه رفقة والده المغفور له محمد الخامس الاستعمار بكل شجاعة كما وضع أسس مغرب فجر الاستقلال، واسترجع الكثير من الأقاليم، التي ظلت ترزح تحت نير الاستعمار، من بينها الأقاليم الجنوبية للمملكة، التي جرى استرجاعها بطريقة سلمية أبهرت العالم، ويتعلق الأمر بالمسيرة الخضراء، التي انطلقت يوم 6 نونبر 1975، ويحتفي المغرب من طنجة إلى الكويرة بذكراها كل عام في اليوم نفسه، ونظرا لكونها حدثا متفردا شارك في المسيرة الخضراء إلى جانب أبناء الشعب المغربي أفراد يمثلون شعوبا شقيقة وصديقة أبوا إلا أن يحضروا هذا الحدث التاريخي، الذي يجسد بعد نظر مبدعه. وتتجلى سياسة بناء مغرب فجر الاستقلال في انتهاج سياسة بناء السدود والانتقال من الاعتماد شبه الكلي على الفلاحة البورية إلى المزاوجة بينها وبين السقوية، للرفع من الإنتاج، خصوصا أن الفلاحة كانت تشكل ركيزة الاقتصاد الوطني. وشهد عهد الملك الراحل تشييد العديد من السدود، التي فضلا عن توفيرها الماء الشروب، أخرجت عدة مناطق من جلباب الفلاحة الموسمية٬ ومكنت من تحقيق رهان سقي مليون هكتار واستصلاح الأراضي الزراعية وتطوير أساليب الإنتاج. وساهمت التنمية الفلاحية بشكل فعال في خلق صناعات تحويلية ترتبط بالمنتجات الفلاحية وتسويقها وطنيا وخارجيا، ولهذه الغاية أحدثت عدة مؤسسات ومكاتب عمومية للإشراف على مجموعة من القطاعات الاقتصادية والخدماتية الحيوية. وكان لتكوين الأطر المختصة في المجال الفلاحي دور فعال في هذا المجال، إذ عمل "معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة" منذ إحداثه على تكوين مهندسين فلاحيين وأطباء بيطريين كان لهم دور مهم في تحسين جودة المنتجات الفلاحية وتحسين النسل في ما يخص تربية المواشي. وركز الملك الراحل الحسن الثاني في المجال الحقوقي٬ على تدعيم المؤسسات الديمقراطية في البلاد٬ من خلال إحداث لجنة تحكيم مستقلة عهد إليها بتدبير الملفات الحقوقية٬ بالإضافة إلى إحداثه المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في صيغته الأولى كمؤسسة وطنية للنهوض بحقوق الإنسان وحمايتها. وعلى الصعيد الدولي٬ برهن جلالة المغفور له الحسن الثاني٬ دوما٬ بفضل ما تحلى به من حكمة وبعد نظر وسداد رأي وحضور قوي ومتميز طبعته الشجاعة في الحفاظ على المصالح الوطنية والقومية، وفي الدفاع عن القضايا العادلة العربية والإسلامية٬ على أنه رجل الدولة المؤمن بالحوار كنهج وبالدبلوماسية كسلوك٬ مما رسخ سمعة المملكة المغربية كأرض للتسامح والتعايش السلمي بين مختلف الديانات والتيارات الفكرية والمعتقدات السياسية وقبلة اللقاءات الحضارية والثقافية الكبرى. وفي هذا الصدد٬ فإن موقفه٬ رحمه الله٬ من موضوع تسوية قضية الشرق الأوسط يعكس بجلاء نظرته الثاقبة المستشرفة للمستقبل من أجل إحلال السلام العادل والدائم وإحقاق حقوق الشعب الفلسطيني، مما جعل القيادات الإسلامية تجمع على اختياره رئيسا للجنة القدس. ويعتبر الملك الراحل٬ في هذا الشأن٬ أحد قادة الدول العظام في القرن الماضي، الذين خلفوا وراءهم إرثا دبلوماسيا ثريا يشكل استلهام تجلياته على المستوى الوطني والدولي دروسا توجيهية لكل دبلوماسية تنشد حيويتها ونجاحها عن طريق تكريس مبادئ السلام والوفاق. ومن السمات البارزة لشخصية الحسن الثاني٬ كذلك٬ أنه كان٬ قدس الله روحه٬ منفتحا على الفكر الإنساني بكل أبعاده، عاشقا للفلسفة والتاريخ والعلوم القانونية، محبا للتواصل الثقافي والتفاعل الفكري والتسامح الديني٬ شغوفا بالفنون والتراث. وفي هذا الصدد أقام الملك الراحل علاقات وطيدة مع جل أقطاب السياسة والثقافة في مختلف أنحاء العالم٬ حيث كان المغرب من الأعضاء المؤسسين لمجموعة من المنظمات الإقليمية والدولية ومساهما في نجاحها٬ مثل منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حاليا)٬ ومنظمة المؤتمر الإسلامي٬ (منظمة التعاون الإسلامي حاليا)، واتحاد دول المغرب العربي ولجنة القدس. وبمثل ما كان المغفور له قائدا سياسيا محنكا استطاع أن يرسي أسس الدولة المغربية الحديثة٬ فإنه كان كذلك رمزا دينيا٬ وقائدا روحيا وأميرا للمؤمنين٬ يزكيه نسبه الشريف إلى البيت العلوي٬ وسعة اطلاعه على أصول الدين الإسلامي ومصادره وعلومه٬ حيث كان له الفضل في إحياء مجموعة من السنن الحميدة، التي دأب عليها المسلمون ومنها على وجه الخصوص، تنظيم الدروس الحسنية الرمضانية، التي كانت وماتزال٬ محجا لأقطاب الفكر الإسلامي من جميع الآفاق٬ ومن كل المشارب٬ ومناسبة للحوار بين المذاهب الإسلامية٬ ودعمه لبناء المساجد بكل أنحاء العالم، خاصة في إفريقيا٬ وفي هذا السياق بالذات٬ يظل مسجد الحسن الثاني بالدارالبيضاء معلمة دينية شامخة شموخ صاحب فكرة تشييدها، جلالة المغفور له الحسن الثاني. إن المغاربة وهم يحيون اليوم الذكرى الخامسة عشرة لوفاة جلالة المغفور له الحسن الثاني ليغمرهم فخر واعتزاز كبيران، وهم يرون وارث سره صاحب الجلالة الملك محمد السادس وهو يواصل الجهود الجبارة في البناء والتشييد تعكسها المشاريع والأوراش الكبرى، التي أطلقها جلالته في مختلف ربوع المملكة.