شهدت جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة مشاداة كلامية بين فرق المعارضة وفريق العدالة والتنمية، الذي آزر رئيس الحكومة وأمينه العام طيلة الجلسة، حرصا على استكمال أشغال الجلسة الشهرية إلى نهايتها وبدون أية عراقيل. ولما احتدم السجال بين فريقي حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، من جهة، وبين فريق العدالة والتنمية من جهة أخرى، خلال الجلسة الشهرية، أول أمس الثلاثاء بمجلس النواب، تدخل رئيس الحكومة، في مخالفة للقانون التنظيمي لمجلس النواب، للرد على نقطة نظام طلبها نواب حزب الاستقلال من رئيس المجلس، كريم غلاب، وقال إن "البرلمان لا رقابة له على ما أدلي به من أفكار ومواقف". وهو التصريح الذي كاد أن يعصف باستمرار الجلسة الدستورية، التي تعقد مرة كل شهر لمراقبة عمل الحكومة، إذ أنها المرة الأولى التي يتدخل فيها رئيس الحكومة بنقطة نظام حول تسيير جلسة نيابية، مع أنه ليس نائبا برلمانيا، بل هو رئيس حكومة. وبعد أن التزم رئيس الحكومة، على غير عادته، الهدوء، انطلقت أشغال الجلسة الشهرية، التي نوه فيها بسياسة جلالة الملك الراحل الحسن الثاني بعد أن قرر خلق صندوق يمول من مداخيل الخوصصة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. كما أعلن عن مجهودات الدولة في الحد من المديونية، مقرا، في الوقت نفسه، بتفشي الفساد والرشوة. وداعيا إلى تضافر جهود الحكومة والبرلمان والأحزاب والمجتمع المدني للتصدي لأخطارها. صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في "وضع جيد" فضل الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية أن يكون سؤاله، في الجلسة الشهرية لمساءلة رئيس الحكومة حول السياسات العامة، حول صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، لمعرفة صحة اتهامات رئيس الحكومة، ومعه العديد من الوزراء والقياديين في حزب العدالة والتنمية، حول الصندوق الذي يقولون إنه مول الحكومات السابقة بينما لم تستعن به الحكومة الحالية. إلا أن رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، أقر، عكس ما كان يقوله مرارا بأن الحكومات السابقة استفادت من مداخيل الخوصصة المودعة في صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، الذي أحدث أثناء خوصصة جزء من اتصالات المغرب، بأن حصيلة منذ إحداثه إلى الآن "إيجابية جدا". وأكد أن مساهمات الصندوق مكنت من تشجيع تنفيذ العديد من المشاريع الكبرى، في البنيات التحتية وقطاعات السياحة والصناعة والفلاحة، والطاقات المتجددة والنقل الجوي والمرافق الرياضية والثقافية والمرافق الحضرية الكبرى، معلنا أن آفاق الصندوق وبرنامج عمله للسنوات المقبلة سينصب على دعم تنفيذ مختلف الاستراتيجيات القطاعية، خاصة الاستراتيجية الطاقية ومخطط الإقلاع الصناعي والمخطط السياحي"رؤية 2020". وقال بنكيران إن "الصندوق ساهم سنتي 2012-2013، في مشاريع عدة، يتمثل أهمها في مشروع تطوير مجمع الطاقة والموانئ بمليار درهم، وتمويل برنامج دعم الاستثمار في بعض المشاريع الصناعية بتوقيع 31 عقدا مع الصندوق باستثمارات إجمالية بمبلغ 2.5 مليار درهم. كما ساهم في إنجاز مناطق صناعية مندمجة متخصصة في صناعات السيارات والطيران". وكشف بنكيران أن إجمالي موارد الصندوق المتراكمة إلى نهاية 2013 بلغت 48 مليار درهم، وإجمالي النفقات الملتزم بها وصلت إلى حوالي 37 مليار درهم، فيما بلغ الرصيد المتبقي 11.3 مليار درهم، مذكرا بأن قانون المالية لسنة 2010 نص على أنه إذا قلت حصة المبالغ المدفوعة للصندوق بموجب إيرادات الخوصصة عن مبلغ 3.5 ملايير درهم، برسم سنة معينة، فإن الدولة تسدد الفارق بين هذا السقف والمبلغ المؤدى برسم مداخيل الخوصصة، ويكون أداء هذا المبلغ من ميزانية السنة الموالية. وأوضح رئيس الحكومة أن "من أصل مبلغ 13.6 مليار درهم المستحق برسم الفترة 2011-2014، أدت الدولة 2.5 مليار درهم"، مشيرا إلى "إخضاع الصندوق للقاعدة المطبقة على المؤسسات العمومية الأخرى، التي تنص على أن الدولة تقوم بدفع المبالغ المستحقة لهذه المؤسسات وفق الحاجيات الحقيقية لخزينتها، ترشيدا لاستعمال الموارد المالية للدولة". وتابع أن "خزينة هذا الصندوق لا تزال تسجل فائضا، وأن تمويل المشاريع التي يساهم فيها يتم بوتيرة عادية وفق المساطر التي تنظمه". محاربة الرشوة مسؤولية جماعية في جوابه عن سؤال الفريق الاشتراكي حول أسباب تراجع المغرب في ترتيب منظمة الشفافية الدولية في مجال مكافحة الرشوة، أعلن بنكيران أن الحكومة نفذت إجراءات لمحاربة الرشوة ومكافحة الفساد والمحسوبية واختلاس المال العام واستغلال النفوذ، مشيرا إلى أن مقاربة الحكومة تقوم على تقوية الإطار القانوني المتعلق بمكافحة الفساد، في إطار تنزيل المقتضيات المتعلقة بالموضوع في الدستور، وملاءمته مع الاتفاقيات الدولية وتأهيل الإطار المؤسساتي لتقوية قدرات الأجهزة المعنية وتحسين أدائها، وتحسين الخدمات الإدارية عن طريق التركيز على تبسيط المساطر الأكثر تداولا وتطوير الإدارة الإليكترونية. وأكد أن مهمة محاربة الرشوة والفساد وتخليق الحياة العامة تتطلب تضافر جهود كل المتدخلين، الحكوميين والمدنيين والمواطنين، معتبرا أن محاربة الرشوة ليست مسؤولية الحكومة وحدها، وتتطلب التعاون والعمل على تغيير الثقافة السائدة، كما تتطلب انخراط جميع الفاعلين، من حكومة ومؤسسات وطنية ومجتمع مدني. وبعد فترة صمت قصيرة، عاد رئيس الحكومة ليسدد سهام النقد لأحزاب المعارضة، خصوصا لحزب الاستقلال، دون أن يذكره بالاسم، إذ قال إن "محاربة الرشوة ليست مسؤولية الحكومة وحدها، بل على الأحزاب السياسية أن تقوم بالدور المنوط أيضا في مجال محاربة الرشوة والفساد والمفسدين، والأحزاب معنية بدورها بمحاربة الرشوة، ويتعين عليها ألا تدافع عن المفسدين وأن تضرب على أيديهم". وأضاف "سأتكلم بصفتي أمينا عاما لحزب وأقول إننا لا نحمي المفسدين، وأقوم بطرد كل من ارتكب جريمة فساد"، داعيا إلى تغيير الثقافة السائدة المتمثلة في عدم التبليغ عن المرتشين. المديونية متحكم فيها وبعيدة عن التقويم الهيكلي وفي رده على سؤال لفريق الاتحاد الدستوري حول "السياسية العامة للحكومة مع المديونية"، أعلن بنكيران أن العوامل التي أدت إلى ارتفاع مؤشر المديونية خلال السنوات الثلاث الأخيرة تعود إلى تزايد حاجيات التمويل، نتيجة ارتفاع عجز الميزانية خلال هذه الفترة، بفعل التزامات الحكومة للاستجابة للمطالب الاجتماعية، وبفعل آثار الارتفاعات الكبيرة لأسعار المواد الأولية على خزينة الدولة، بتزامن مع ظرفية اتسمت بضغط متنام على السيولة في السوق الداخلي، وتراجع الموجودات الخارجية، والآثار السلبية الناجمة عن استمرار الأزمة الاقتصادية العالمية، خصوصا لدى شركاء المغرب الاقتصاديين بمنطقة الأورو. وطمأن رئيس الحكومة البرلمان بشأن خضوع الاقتصاد الوطني لسياسة التقويم الهيكلي، وقال "رغم ارتفاع مؤشر المديونية الخارجية للخزينة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، يبقى هذا المؤشر متحكما فيه وبعيدا عن مستوياته المسجلة خلال فترة التقويم الهيكلي، إذ وصل معدل المديونية الخارجية إلى 51.4 في المائة من النتاج الداخلي الخام خلال سنوات الثمانينات". وأبرز بنكيران أن المديونية الداخلية بلغت 425 مليار درهم، أي 47.9 في المائة من الناتج الداخلي الخام. وقال إن "المغرب يحظى بثقة الدائنين والمؤسسات المالية على المستوى الدولي، ما يدل عليه حجم الإقبال على الطلبات المغربية، مما يمكن المملكة من تعبئة حاجياتها المالية بسهولة ووفق شروط تفضيلية وبتكلفة متدنية وعلى أمد متوسط أو بعيد". وأعلن أن الحكومة معنية بتقليص منحى تطور المديونية عبر التحكم في عجز الميزانية وعجز الحساب الجاري لميزان الأداءات، مبرزا أنها لجأت إلى السوق المالي الدولي من أجل ضخ السيولة في السوق وتقليص آثار مزاحمة القطاع الخاص في ما يخص الولوج للتمويلات، وتعزيز الموجودات الخارجية، والحد من تدني مستوياتها، والاستفادة من الشروط التمويلية المتوفرة، وفتح آفاق تمويلية أمام باقي المؤسسات الوطنية للاستفادة من التمويلات.