تتطلع خطارة "عين طاهر"، الواقعة بمنطقة حي الشرف التابعة لمقاطعة الازدهار بمراكش، إلى إعادة الاعتبار إليها وتثمينها وضمان استمراريتها عبر تضافر جهود الجهات المعنية تدهورحالة النخيل المحيط بالخطارة بسبب اختفاء الآبار المائية (خاص) وذلك باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الذاكرة الجماعية للمراكشيين وتراثا تاريخيا وإيكولوجيا لا نظير له بالمدينة الحمراء٬ وخصوصا بعد أن استطاعت هذه الخطارة، على مر العقود٬ مقاومة العوامل الطبيعية الصعبة والاستغلال المفرط للإنسان لها. تشكل خطارة "عين طاهر"، بمراكش، جوهرة طبيعية تضم مجموعة من أشجار النخيل، أحد المكونات الأساسية لمرفولوجية هذه المدينة٬ وإحدى أجمل الواحات على الصعيد الوطني٬ لما تتميز به من خصوصيات٬ من بينها احتواؤها على عدد كبيرة ومتنوع من الأشجار والنباتات. وبعد أن كانت امتدادا لمناطق زراعية٬ أصبحت ألشجار المحيطة بخطّارة "عين طاهر"، التي يرجع تاريخ إحداثها إلى فترة ما قبل الحماية الفرنسية بالمغرب سنة 1912، تعاني٬ في السنوات الأخيرة٬ ظاهرة الشيخوخة٬ علاوة على تدهور كبير في بعض أجزائها بسبب انخفاض الموارد المائية بعد تعاقب سنوات الجفاف٬ والتوسع العمراني٬ وتعطيل الأنظمة الخاصة بتعبئة مياه الري. ويرجع تدهور بعض أجزاء هذه الخطارة وواحة النخيل المرتبطة بها بالأساس إلى الاستغلال المفرط للغطاء النباتي٬ ووجود عدة تجمعات سكنية داخل هذه الواحة، فضلا عن رمي الأتربة الناتجة عن الأنشطة المتعلقة بقطاع البناء. وانطلاقا من الأهمية التي تكتسيها "عين طاهر" وواحة النخيل المرتبطة بها، تم إصدار عدد كبير من النصوص القانونية الهادفة إلى حماية منطقة النخيل ومعاقبة مقتلعيها أو المتسببين في اندلاع الحرائق بها. أصل التسمية "الخطّارة" أو "الكظامة" هي شبكة من القنوات، التي تعمل على التحريك الباطني للماء ونقله لمسافات طويلة دون تعرضه للتبخر، وهي تظهر على شكل سلسلة خطية من الآبار التي يربط بينها مجرى باطني، وتتطلب سديمة مائية غنية غير عميقة كخزان للمياه، ومنحدرات خفيفة تجعل انحدار الخطّارة أقل من انحنائي السديمة والسطح حتى يتدفق الماء، ثم طبقات كتومة غير نافذة تحول دون استمرار تسرب الماء كالطين مثلا. وتعود تقنية الخطّارة إلى عهد المرابطين على يدي المهندس الأندلسي"عبيد الله بن يونس"، وقد جاء في كتاب "وصف إفريقيا" للحسن الوزان المعروف ب"ليون الإفريقي" أن "هذا الرجل جاء إلى مراكش في صدر بنائها وليس بها إلا بستان واحد لأبي الفضل مولى أمير المسلمين، فقصد أعلى الأرض مما يلي البستان فاحتفر فيه بئرا مربعة كبيرة التربيع، ثم احتفر منها ساقية متصلة الحفر على وجه الأرض، ومر يحفر بتدريج من أرفع إلى أخفض متدرجا إلى أسفله بميزان، حتى وصل الماء إلى البستان وهو منسكب على وجه الأرض يصب فيه، فهو جار مع الأيام لا يفتر، فاستحسن أمير المسلمين ما فعل عبيد الله بن يونس المهندس وأعطاه مالا وأثوابا وأكرم مثواه مدة بقائه عنده، ثم إن الناس نظروا إلى ذلك ولم يزالوا يحتفرون الأرض ويستخرجون مياهها إلى البساتين حتى كثرت البساتين والجنات، واتصلت بذلك عمارات مراكش وحسن قطرها ومنظرها". وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن المجال الحوزي لمراكش يضم حوالي 567 خطّارة منها 500 خطّارة نشيطة و67 ميتة وتروي 13 في المائة من المساحة المسقية العامة و65 في المائة من المساحة المروية بالمياه الباطنية و20 في المائة من المساحة المروية العامة بالاشتراك مع العيون والضخ، وتستخرج الخطارات لوحدها 68.98 في المائة من مياه السديمة بالحوز أي 5059ل/ث من أصل 7333 ل/ث. اختفاء باقي الخطّارات اختفت العديد من الخطارات وتم ردم أغلبها، لتحل محلها مجمعات وتجزئات سكنية، مع التوسع العمراني الذي شهدته مدينة مراكش، خلال السنوات الأخيرة، خصوصا خلال فترة التسعينات من القرن الماضي ونتيجة غياب وجود استراتجية واضحة لحفظ هذا التراث المائي، الذي يشكل إحدى معالم الذاكرة الجماعية للمغاربة. وتعد خطّارة "عين طاهر" الخطّارة الوحيدة الواضحة المعالم المتبقية بمدينة مراكش، التي استطاعت مقاومة الزحف العمراني وكانت حتى عهد قريب مصدرا مائيا لرونق واحة خضراء متنوعة المغروسات، وهي تعيش حاليا واقعا من الإهمال والتردي الذي جعل تلك الواحة أشبه بغابة صغيرة موحشة. خلال زيارة للخطّارة المذكورة والواحة المرتبطة بها، وقفت "المغربية" على واقع قنوات جافة تقليدية متدهورة، ومجال مقفر خال من النباتات والمغروسات، في الوقت الذي يتحدث بعض العارفين بتاريخ هذه الواحة، أنها كانت دائمة الاخضرار طيلة أيام السنة، قبل أن يمسها النسيان والإهمال، إذ أن أشغال كنس الآبار التابع لها توقفت منذ مدة طويلة فأدى تراكم الأتربة والأزبال إلى نضوبها، فتدهورت نتيجة ذلك لتصبح على ما هي عليه حاليا من التردي، ويشير بعض المهتمين بتاريخ هذه الخطّارة وواحة النخيل المرتبطة بها، إلى أن آبار خطّارة "عين طاهر" التي أصبحت تعيش وضعا مأساويا، كان المجاهدون وأعضاء من الحركة الوطنية خلال فترة الحماية الفرنسية بالمغرب يتخذونها عندما تجف كخنادق لشن عمليات فدائية لمقاومة قوات الاستعمار الفرنسي، موضحين أن الآبار التي كانت شاهدة على بطولات وتضحيات الأجداد من أجل تحقيق الاستقلال هاهي اليوم تشهد ممارسات وسلوكات يندى لها الجبين، حيث أصبحت ملاذا لبعض الأشخاص لممارسة الجنس وملجئا للمعربدين واللصوص المشردين الذين اتخذوها مسكنا لهم. أسباب موتها السريري نتيجة للإهمال الذي تعانيه الواحة والخطارة التي تغذيها بالماء، فإن وضعها المتدهور شجع بعض الأشخاص الذين يقومون بجمع النفايات ونقل بقايا مواد البناء على جعلها مطرحا لهذه المواد، التي تزيد من استفحال وضعها المتدهور وتنذر في المستقبل القريب بتحولها إلى مزبلة إذا لم تتخذ الإجراءات القانونية للحيلولة دون ذلك، وإذا لم تواكبها حملات لتوعية السكان المجاورين لها بضرورة المحافظة عليها، لكي يتبنوها كجزء من ذاكرتهم الجماعية وكينونتهم التاريخية. تزداد كارثية الوضع بواحة "عين طاهر" بحي الشرف، عندما يسبح الزائر بنظره بين أشجار النخيل، فتنعكس لديه صورة أشجار تتحدث لغة الموت البطيء وتسير بخطى رغما عنها نحو شبح الفناء والاندثار، فالكثير من تلك الأشجار التي طالما عرفت بمقاومتها لقساوة العوامل الطبيعية في العديد من المناطق الصحراوية الجافة، لم تستطع مقاومة أيادي جهات مجهولة امتدت إليها من أجل اقتلاعها من جذورها أو حرق أغصانها في خلسة من الأعين بالليل أو في أطراف النهار. وفي هذا الصدد أسرت مصادر مطلعة أن مضاربين عقاريين هم من يقفون وراء إحراق أشجار النخيل لكي تتحول إلى مجال مقفر، ومن تم الإجهاز عليها وتحويل فضائها إلى مشروع عقاري ومراكمة أرباح مالية إضافية حتى ولو كان على حساب الملك الطبيعي المشترك والتراث المائي والذاكرة الجماعية للمواطنين المراكشيين. مراسلات دون جدوى قام مجموعة من الباحثين والدارسين الأكاديميين بإجراء مجموعة من الأبحاث حول خطارة "عين طاهر"، ووجهت مراسلة في الموضوع إلى عدد من المسؤولين، من أجل العمل على إنقاذها من الوضع المتدهور الذي تعيشه، والمحافظة على هذه الخطّارة التي توجد في مجال يعرف فيه التوسع العمراني تناميا متزايدا، كما تقدم بمشروع تنموي يوفر فرص شغل للسكان من خلال إعادة تأهيل واستصلاح تلك الواحة، غير أن هذه المراسلات لم تجد سبيلا لتحقيق الأهداف المتوخاة منها، ورغم وجود بعض التفاعل الإيجابي لبعض المسؤولين فإنهم لم يقوموا بترجمة ذلك التفاعل النظري على أرض الواقع من خلال إجراءات عملية محددة للنهوض بالوضعية المتدهورة للخطّارة وواحة النخيل المرتبطة بها. ووقف مجموعة من الخبراء والمهندسين الدوليين في المنشآت المائية التقليدية، شاركوا في مؤتمر دولي احتضنته أخيرا مدينة مراكش حول "التراث المائي والتقنيات التقليدية لتصريف المياه"، خلال زيارة استطلاعية لخطّارة "عين طاهر" وواحة النخيل المرتبطة بها، على الوضع المتدهور للخطّارة المذكورة، التي تعد الوحيدة من بين معالم التراث المائي لمدينة مراكش، وأكدوا على ضرورة إيجاد حلول لإعادة ترميمها والنهوض بوضعيتها المتدهورة، بعدما كانت إلى عهد قريب مصدرا لمياه لاينضب معينها، مشكلة معالم واحة تضم أصنافا مختلفة من النخيل والمغروسات التي تضفي على المنطقة رونقا خاصا، مساهمة بذلك في الحفاظ على التوازن الإيكولوجي. وحسب محمد الفايز، أستاذ جامعي بكلية الحقوق وباحث أكاديمي في مجال التراث المائي، فإن تاريخ حفر "الخطّارة" المذكورة يعود إلى فترة ما قبل الحماية الفرنسية بالمغرب سنة 1912، وهي خطّارة حديثة التأسيس مقارنة مع مجموعة من الخطّارات التي تعود إلى فترات زمنية موغلة في القدم تتزامن مع قيام الدول التي تداولت حكم المغرب، ابتداء من المرابطين والموحدين، مرورا بالمرينيين والوطاسيين وصولا إلى السعديين.