شهدت العاصمة الموريتانية نواكشوط، على غرار مناطق أخرى من البلاد، تهاطل كميات هامة من الأمطار خلال الثلاثة أيام الماضية، ما جعل المدينة تغرق في برك ومستنقعات عائمة فيما باتت بعض الأحياء السكنية معزولة تماما بفعل محاصرة المياه للمنازل وعجز السكان عن الحركة، وانقطاع التيار الكهربائي عن أحياء أخرى، وعرقلة حركة السير، ناهيك عما تتسبب فيه من انتشار للأمراض والأوبئة. كما تسببت التساقطات المطرية في إغلاق بعض الأسواق وأزمة نقل خانقة حيث يقف صباحا المئات من المواطنين في طوابير على طول الطرق الرئيسية بحثا عن سيارات الأجرة، منهم من تنقلوا سيرا على الأقدام إلى وسط المدينة بسبب غياب وسائل المواصلات العمومية وعزوف سائقي سيارات الأجرة عن التوجه إلى الأحياء المكتظة، ومنهم من استنجد بأصحاب سيارات خصوصية لنقلهم بعيدا عن المستنقعات والبرك المائية والوحل التى انتشرت في مناطق واسعة من العاصمة .فأصحاب السيارات باتوا يخشون الحركة داخل شوارع المدينة ويفضل أغلبهم التجول في الأحياء الشعبية ذات الطبيعة الرملية خوفا من الوقوع في حفر الشوارع الرئيسة والتي باتت مغمورة بالمياه ويصعب تفاديها في مثل هذه الحالات. وترجع أسباب هذا الوضع المقلق الذي يتكرر كل موسم خريف إلى غياب شبكة الصرف الصحي وهشاشة الطرق المعبدة التي تحولت إلى حفر ومطبات وبؤر لمياه البرك والمستنقعات، ومن ثمة كان لسان حال الكثيرين في نواكشوط " اللهم حوالينا ولا علينا "، عندما يشاهدون أي أنواء أو سحاب، إذ بالنظر إلى ما تخلفه الأمطار من أضرار أضحى المواطن يتضرع إلى الله بألا تتهاطل على العاصمة لأن المطر أصبح مرادفا للمعاناة والمكابدة بالنسبة للسكان الذين يقدرون بأزيد من مليوني نسمة. عن هذا الوضع كتبت صحيفة (السراج) في عدد يوم أمس الخميس أن الدولة لا تزال " عاجزة عن إقامة شبكة صرف صحي تواكب الأمطار وتخفف من وطأة المستنقعات " مستغربة أن لا تمتلك العاصمة حتى الآن نظاما لصرف صحي يساهم في جمع البرك ومخلفات الأمطار.وفي سياق متصل أعلن عمدة عرفات ، أكبر بلديات العاصمة، أن بلديته " باتت في حكم المنكوبة بعد هطول الأمطار الغزيرة التي تسببت في سد الطرق، ومحاصرة السكان الذين بات العديد منهم في العراء الليلة قبل الماضية "، مؤكدا أن مياه الأمطار تسببت في" وضع مأساوي متفاقم، بعد أن غمرت الشارع الرئيسي والشوارع الفرعية والأسواق ومحلات بيع المواد الغذائية".ومن جهته، وجه حزب (الصواب ) نداء استغاثة " لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه الأحياء ومباشرة العمل على إنشاء بنية للصرف الصحي لا غنى عنها بالنسبة لأي مدينة في العالم "، معتبرا أن "ما يحل اليوم مرشح للتفاقم في ظل مؤشرات مناخية تؤكد احتمال زيادة التساقطات المطرية في هذا الموسم".أما حزب اتحاد قوى التقدم ( معارض) فدعا السلطات العمومية إلى "التدخل العاجل والفعال من أجل إنقاذ سكان العاصمة وتقديم العون الضروري لسكان الأحياء المنكوبة من جراء الأمطار والسيول الجارفة التي تعرفها منذ أيام ". وحث الحزب مناضليه ومناصريه في نواكشوط على الوقوف إلى جانب الجماهير والمساهمة بفعالية في تشكيل لجان إنقاذ محلية في الأحياء من أجل صرف المياه عن المنازل المغمورة وتأمين ممرات سالكة للتنقل بسلام وأمان.وأمام هذه الوضعية استنجدت السلطات الموريتانية بالهندسة العسكرية من أجل المساعدة في " شفط" المياه الراكدة المنتشرة بمختلف شوارع العاصمة بما فيها أكبر شارعين في العاصمة وهما شارعي المختار ولد داداه وجمال عبد الناصر، إلى جانب سلطات ولاية نواكشوط ووزارة المياه والصرف الصحي والوقاية المدنية، حيث استعملت صهاريج ومضخات وشاحنات من أجل تنفيذ هذه المهمة.ويعلل الخبراء صعوبة إنشاء شبكة الصرف الصحي، بقرب أغلب أحياء العاصمة من مستوى سطح البحر، بل انخفاضها عنه أحيانا، ما يعني عدم إمكانية وجود صرف صحي طبيعي موجه نحو البحر، لعدم توفر الانحدار الضروري لإنشائه. أكثر من ذلك فإن بعض الدراسات العلمية والبيئية حذرت من أن نواكشوط ،التي توجد في موقع قريب ومنخفض من ساحل المحيط الأطلسي، مهددة بأن تغمرها مياه البحر، مما يخلق حالة من الخوف والفزع في نفوس سكان العاصمة.وبين الشائعات التي يتناقلها الناس والتحذيرات التي يطلقها علماء البيئة بين الفينة والأخرى بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر، يبقي احتمال "غرق" العاصمة نواكشوط أمرا مقلقا للموريتانيين خاصة مع التقارير التي أشارت إلى احتمال اختفاء نواكشوط في أفق عام 2020، والدراسات التي أكدت غرقها تماما بحلول عام 2050. وتشير دراسة لمركز " أكريتين " الإقليمي للاستشعار عن بعد لدول شمال إفريقيا أن التهديد الكامن وراء المحيط الأطلسي بغمر مدينة نواكشوط وبعض المناطق القريبة منها، تهديد حقيقي، كما اعتبر البنك الدولي أن مدينة نواكشوط تعد من ضمن أكثر عشر مدن في العالم تضررا من الاحتباس الحراري الناجم عن أي ارتفاع محتمل لمنسوب البحر. وهناك عدة عوامل تؤشر إلى احتمال "غرق" العاصمة الموريتانيةº أهمها أن نواكشوط الواقعة على المحيط الأطلسي والمشيدة على أرض منخفضة لا تحميها تلال ولا مرتفعات صخرية بسبب عوامل التعرية واستنزاف الحزام الرملي الذي يفصل بين المدينة والمحيط، حيث ظهرت في هذا الحاجز عدة فتحات واختفت الكثبان الرملية مع توسع المدينة وكثرة أعمال البناء والتعمير.كما أن مشكلة تسرب المياه تحت الأرض بسبب تصريف المياه العادمة جعل تربة المنطقة مشبعة بالماء وتسبب في تقويض أسس بعض المباني وتحويل بعض أحياء العاصمة الموريتانية إلى أماكن غير صالحة للبناء.