على نطاق واسع، يشمل مختلف أرجاء ساحة الأممالمتحدة، بوسط مدينة الدارالبيضاء، يستند الناس على الكراسي الحجرية المنتصبة بالساحة، فيما آخرون ينزوون على الجنبات الفاصلة بين أرضية الساحة والشجيرات المغروسة لتزيين الفضاء ولأن الساحة لم تكن مهيأة قبلا بالشكل الذي يسمح باستغلالها على هذا النحو، فإن البيضاويين وجدوها بعد انطلاق مشروع "الترامواي"، ملاذا لتبديد الضجر والملل بالفسحة فيها، خاصة خلال المساء عندما تنتعش حركية الوافدين إليها، ليساعدهم "الترامواي" الذي يعبر الساحة في الوصول إلى وجهات مساكنهم، بعد جولات مختلفة في مركز المدينة. يقبل الناس على ساحة الأممالمتحدة بارتياح واضح، من خلال ارتياع أطفالهم على امتداد الساحة واحتشاد النساء في شكل جماعات، حيث إن الفضاء أصبح مخولا لاحتضان أعداد غفيرة من الوافدين، وتوفير أجواء يطبعها التعايش الاجتماعي. مقاه متراصة تقابل الساحة الشاسعة، تعج بالناس ولا تسمح للكثيرين بارتيادها، ما يقودهم إلى الاستعاضة عنها بالجلوس في الكراسي الحجرية للساحة، وآخرون يسيرون على امتداد الساحة باتجاهات متبادلة، في حين يعبرها "التراموي" بين الفينة والأخرى محدثا صدى جرسه المنبه للمارين، ليضفي انطباعا خاصا عن هذه الساحة التي كانت في زمن غير بعيد غير محفزة على الاستمتاع بهذه الأجواء. حركة دؤوبة للسيارات وحشود الناس تتدفق من كل الأزقة والشوارع التي تتقاطع مع ساحة الأممالمتحدة، أشعة الشمس تنعكس على اللوحات المعدنية الخاصة بمحطات "الترامواي"، أما المحلات التجارية فتتجدد لديها فرص الرواج الاقتصادي، عبر هؤلاء الوافدين على الساحة والعابرين منها. صخب وضجيج يكتسح المكان، تختلط فيه أصوات الناس ومنبهات السيارات وجرس "الترامواي"، وفي هذه الأجواء يجد العديد من الناس ملاذهم في تبديد "الروتين" اليومي. عند الابتعاد خطوات عن ساحة الأم المتحدة، تبدو المقاهي على أنها بدورها تستقبل زبناء يفضلون أن يتابعوا حركية الفضاء باحتساء أحد المشروبات، فيما بعضهم مستغرق في الحديث على نحو لم تعد فيه فرص ترك الكراسي التي أصبحت مدفوعة إلى الأمام متجاوزة رصيف المقاهي. فالمقهى الذي يبلغ سعر مشروباته ومأكولاته أثمنة منخفضة مقارنة مع مقاهي في أماكن أخرى، كان مرتادوها أولئك الذين يستمدون البهجة من السعر المنخفض لخدمات المقهى إلى جانب وجودها بمركز المدينة، حيث الحركية والرواج، ليقضوا وقتا طويلا مستفيدين من خصوصية الأجواء. سيارات مركونة في أزقة تحمل إشارات "ممنوع المرور"، تضمن لحراس الأرصفة مدخولا يوميا، خاصة أن الزحام الذي يشهده مركز المدينة وغياب مرائب للسيارات يسمح بأن يتحايل حراس الأرصفة على تسخير أي فضاء شاغر لهذا الغرض، ليبدو مشهد المركز غاصا بالسيارات المركونة والمترجلين والمواصلات والوافدين على المقاهي والمحلات، في أجواء صاخبة جدا. ساعد مشروع "الترامواي" على أن يصبح مركز المدينة مهيئا لاستقبال الوافدين في ظروف محفزة على التجول والفسحة، بعدما أجريت إصلاحات وتعديلات للبنية التحتية الخاصة بمسار "الترامواي" والفضاءات المجاورة له، ما جعل البعض ينتبه لجمالية المباني التي تزخر بها الدارالبيضاء والتي أحدثت عليها بعض التعديلات، لاستعادة رونقها، ولفت انتبه الزوار للعمل الهندسي والفني الذي تتمتع به المباني المشيدة خلال فترة الاستعمار الفرنسي بالمغرب. فمدينة الدارالبيضاء قبل شهور عديدة، تحولت إلى ورش مفتوح، يهم إصلاح المرافق التاريخية وإعادة الاعتبار لها، وإنشاء مركبات ومجمعات سكنية وسياحية ورياضية وثقافية جديدة، ستساهم في خلق نظام حياة حضارية مهيكلة. ويسعى مجلس مدينة الدارالبيضاء، على غرار المدن الكبرى في العالم، التي تتعدى مليوني نسمة، أن تكون خاصيات الدارالبيضاء من حيث مساحاتها الشاسعة وموقعها الجغرافي وكذا مقوماتها العمرانية والاقتصادية والاجتماعية، على اعتماد سياسة تعمير توحد بين جميع أسسها، لخلق مدينة متكاملة، بطابع متمدن وراق، يسهل الحياة فيها من كل الجوانب، خاصة أنها تحتضن عددا كبيرا من السكان مقارنة مع باقي المدن، إلى جانب أنها العاصمة الاقتصادية للمغرب، وتتمركز فيها مختلف الأنشطة الاقتصادية والتجارية وكذا الإدارية وغيرها. يشار إلى أن أحمد بريجة، نائب عمدة الدارالبيضاء، صرح ل"المغربية"، في وقت سابق، أن "هناك تصورات مهمة يعمل مجلس المدينة بتنسيق وتشارك مع الدولة والخواص على تحقيقها على أرض الواقع، إذ يرى أن الدار البيضاء ستتحول إلى مدينة تتمتع بجميع مقومات المدينة الراقية المتمدنة، تجمع بين الخصوصيات التاريخية والأثرية، وبين الخصوصيات الحديثة والعصرية، فالدراسات المعتمدة راعت طبيعة المدينة من حيث نموها الديمغرافي وكذا موقعها الجغرافي، إلى جانب خاصياتها العمرانية، وبعد سنوات قليلة ستكون المدينة غنية ببعض المنشآت والمركبات الإدارية والسكنية بالإضافة إلى هيكلة جديدة لطرقها وشوارعها، وفتح أنفاق، وكذا تعزيز فضاءاتها بمساحات خضراء تحسن من الواقع البيئي والإيكولوجي للمدينة".