جاء كتاب "فكرة الإخراج السينمائي... كيف تصبح مخرجا عظيما؟" نتيجة لتجربة التدريس التي قام بها الناقد السينمائي الأمريكي الشهير، كين دانسايجر، لطلبة الإنتاج السينمائي في جامعة نيويورك، بالإضافة إلى تجربته مع المنتجين وفناني المونتاج المحترفين في معهد "مارريتس بينجر" بأمستردام. الحلقة 6 أشرت فيما سبق إلى أن هناك مستويات من الإخراج السينمائي، وفهم أسباب تفضيلي لمخرج على آخر سوف يتيح للقراء إما الاتفاق معي في وجهة نظري، أو المواءمة على نحو ما بين وجهة نظري ووجهات نظرهم. فأولا وقبل كل شيء، فإنني آمل في أن يشاركني القارئ في الإعجاب بالإخراج العظيم، وتقدير أهمية المطروح للوصول إلى مستوى هؤلاء النجوم. وثانيا، يجب أن أعترف بأنني كنت متيما على الدوام بمسألة الإخراج، فمنذ أن صنعت أول أفلامي عرفت أنني قد تذوقت متعة خاصة خلال عملية صنع الفيلم، وبالطبع فإنني ربطت على الفور بين الجهد الذي بذلته وذلك الذي يصنعه المخرجون الذين أعشقهم، مثل جون فورد الشاعري، وراوول ولش المفعم بالحيوية، وأنطوني مان صاحب النزعة الملحمية. ورغم أنني لم أكن قد سبرت بعد أغوار الأعماق العاطفية، مثلما هو الحال مع شارلي شابلن، فلقد شعرت بأنني على وشك الدخول في مثل هذه التجربة. لم تغادرني أبدا متعة الإخراج، لكنها سرعان ما تلاقت مع رغبة في الكتابة، كما أن القيام بالتوليف (المونتاج) أثبت لي أن تلك متعة لا تعادلها متعة أخرى. لقد كانت بمثابة اكتشاف لم أعرف مثله في كل تجربتي السينمائية. ثم بدأت التدريس ووجدت فيه بدوره نوعا جديدا من المتعة. لم أكن أعرف أنني سوف أعشق هذه المراحل جميعا بمثل هذه القوة، لقد كانت تدور كلها حول أن أحكي للمتفرج قصة، وأن أخوض تجربة مثيرة وأنقلها إليه. ولم يتغير ذلك أبدا بعد أن شاهدت آلاف الأفلام، وقمت بالتدريس لآلاف من الطلبة، وهكذا قمت خلال الخمسة عشر عاما الماضية بكتابة الكتب حول كتابة السيناريو، والتوليف، والإنتاج. وفي عام 1988، طلبت منى كارين سبيسترا، المحررة في دار "فوكال بريس"، أن أراجع اقتراحا مقدما إلى الدار بكتاب حول الإخراج، وخلال تلك الفترة تبادلنا الآراء لنشترك معا في أن أفضل كتاب قرأته حول الإخراج كان "تكنيك المونتاج السينمائي" من تأليف كاريل رايز، الذي كتبه للمرة الأولى في بداية الخمسينيات. ولقد كان هذا الكتاب هو إنجيلي الخاص في عالم الإخراج كما قلت بالفعل لكارين، وكان ردها هو إذا ما كنت أريد أن أقدم تنقيحا ثالثا لكتاب رايز، وهذا ما قمت به بالفعل لكن الأمر لم يكن بسيطا على هذا النحو، فقد كانت النتيجة هي كتاب تربطه صلة قرابة بكتاب رايز، وذلك كان كتابي الذي ألفته في عام 1993 "تكنيك مونتاج السينما و الفيديو" الذي التي صدرت له حتى الآن طبعات ثلاث. لقد أتاح لي هذا الكتاب تجسيد الفكرة المتضمنة في كتاب رايز: ماذا يحتاج المخرجون أن يعرفوه حول اللقطات لكي يصنعوا فيلما قويا؟ لقد حدثت تغيرات كثيرة في الأساليب (أسلوب المحطة التلفزيونية "إم تي في" على سبيل المثال) وفي سرعة إيقاع الأفلام، وأنواع الأفلام التسجيلية، والأفلام التي تتخذ بناء معقدا لا يمضي دائما إلى الأمام، لكن أفكار جريفيث وفيرتوف وإيزنشتين وبودوفكين ظلت أساسية لبناء اللقطة واختيارها، ومن خلال ذلك يمكن خلق تجربة سينمائية قوية، وكانت هذه الأفكار هي قلب كتاب رايز. بعد سنوات، وفي عام 2003، كنت أقوم بالتدريس في ورشة بأمستردام عن تاريخ المونتاج، كان يحضرها العديد من المنتجين وفناني المونتاج الذين أبدوا أسفهم لعدم حضور المخرجين هذه الورشة، فقد كان يجب أن يسمعوا ما يقال خلالها، هذا ما أخبرني به الحاضرون، ومن هنا جاءتني فكرة هذا الكتاب.