اشتهرت مدينة مراكش بعدة أسماء من بينها "سبعة رجال"، وارتبطت برجالاتها، الذين بصموا حياتها الدينية والروحية، وألهموا الكثير من الكتاب والأدباء وشعراء الملحون، من خلال حسهم الإنساني والأخلاقي، ما دفعنا إلى الالتفات لظاهرة هؤلاء الرجالات. ولدوا بها وخرجوا من رحمها وسكنوها وسكنتهم الحلقة 43 اسم يلهج به المراكشيون، حتى صار حسب شهادة العارفين بفنون القول، أول مجدد في الدقة و"التقيتيقات"، إنه بكل بساطة الفنان الذي جمع ما تفرق في غيره، من كل الفنون والرقصات التي تعود إلى سنين خلت، وظلت موسومة بالمراكشية. فمن هو هذا المبدع الذي يدخل البهجة في كل مكان حل وارتحل به؟ عبد الرحيم بانا، فنان شعبي يتميز بقدرته على الانتقال داخل الأغنية المغربية والشرقية بشكل يجعلها خاضعة للموال الشعبي وفي قالب فني يمزج بين الفكاهة والتنكيت والتنشيط إلى جانب مجموعة من الإيحاءات التي يعبر عنها بتوظيفه المحكم لحركات الجسد وارتسامات الوجه، كما له قدرة خارقة في شد انتباه المتلقي وإلهاب حماسه، بل ودفعه للمشاركة وترديد العبارات المستوحاة من قاموس الأغاني الشعبية واجتهادات بانا في تمتيع محبيه دون المس بروح اللوحات الفنية المستوحاة من الفلكلور الشعبي والتي ترتكز على الأشعار المستلهمة من التراث المراكشي الأصيل. ورث بانا جميع الفنون الشعبية عن أبيه وعمه، وعن كافة شيوخ مدينة مراكش، فهو يبرع في جميع الآلات خصوصا الطعريجة، الجوجة، الطارة، الغيطة وغيرها، ماهر في الحمدوشي والعيساوي وباقي الفنون الشعبية المرتبطة بكافة الزوايا والأذكار، أقسم بأغلظ الأيمان أن يستمر فن الدقة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. نشأ في حي يجمع أهله كل هذه الفنون، ويرتبطون ارتباطا وثيقا بجميع الزوايا، درقاوة، عيساوة، حمادشة، تهامة، جيلالة، فأخذ عبد الرحيم بانا من كل فن نصيبا. لم يقتصر بانا على تكرار ما سمعه من الأولين، ولكنه أبدع في أكثر من فن، فهو الذي طور فن "المازن" و"التويشيات"، وسماها "التقيتيقات"، وأصبحت اليوم متداولة في جميع مدن المغرب. يحرص الفنان عبد الرحيم بانا بقامته المثيرة للعيان، وبلونه الأسمر الأخاذ، وجسده النحيف الذي اعتاد ارتداء كل صنوف الجلباب، من المراكشي الفضفاض "القافز"، إلى الصوفي العيساوي أو الحمدوشي، على إحياء ليلة عاشوراء بمراكش، من أجل إتاحة الفرصة للطبقات الشعبية من صناع تقليديين، وباحثين في التراث الشعبي، وعشاق هذا الفن للتواصل والتعارف وإحياء الصلة بتراثهم الأصيل والسعي إلى الحفاظ على مجموعة من الطقوس والعادات التي بدأت تتلاشى بحكم العديد من العوامل، منها انشغال الناس بمشاكل الحياة اليومية، واستيلاب الشباب واهتماماتهم المختلفة، مع اتساع رقعة المدينة وارتفاع أعداد المتحدرين إليها من كل جهات المملكة. وكعادته المتميزة، وبنبرة الواثق من مؤهلاته الفنية، يتحف الفنان عبد الرحيم بانا، ابن مدينة مراكش، عشاق الدقة المراكشية و"التقيتيقات"، بلوحات فنية مستوحاة من الفلكلور الشعبي المراكشي، في حفل فني تحييه سنويا جمعية "بانا البساط للفنون والتراث"، بمناسبة الاحتفال بليلة عاشوراء. مازال عبد الرحيم بانا ومعه العديد من شباب أحياء اسبتيين، سيدي أيوب، الموقف، باب أيلان، مصرين على إسماع صوت الدقة المراكشية عاليا، ومعها تستمر ثقافة المدينة وهويتها، رغم كل التغيرات الطارئة، واختلاف الأزمنة وتقلبات الدهر ومغادرة العديد من سكان المدينة العتيقة رياضاتهم ومنازلهم، وتحولها إلى دور ضيافة للأجانب.