بكل أريحية استجاب الفنان التشكيلي المغربي، الحسين طلال، لدعوة "المغربية"، إلى تسليط الضوء على المنجز الفني للراحلة الشعيبية، التي ساهمت بعطائها المتميز في الساحة التشكيلية المغربية والعالمية. في حديثه يكشف طلال بعض المحطات الأساسية في تجربة والدته، وعلى لسانه نعيد سيرة الشعيبية الحالمة. أعمال الشعيبية تثير إعجاب أطفال مدرسة بجنيف لم يتغير شيء في الشعيبية، ظلت وفية لمبادئها وطبيعتها المرحة والعفوية، كما أنها كانت مغرمة باللباس التقليدي، الذي أعادت له وهجه. الشعيبية كتلة من الأحاسيس، إذ كانت تتألم كلما صادفت أطفالا فاتهم ركب الدراسة والتحصيل، ولم يتعلموا، هذا الجرح ظل مفتوحا في ذاكرتها. جرح الأمية أدمى قلبها كثيرا. كتبت عنها مرة الأديبة والباحثة فاطمة المرنيسي، مقالا ينوه بأعمال الشعيبية، ويرسم حياتها، وصراعها مع الأمية، حتى تعلمت القراءة والكتابة، إذ قالت عنها، حسب شهادة طلال،"لهذا كله أنا معجبة بك، وكذا لمكرك... حين تحيينني بذلك الهزل المحير، الذي يبعث على الخوف"آش كتكولي آلقارية؟". فبإلحاحك –بلطف- على ما حرمت منه- أي متابعة الدراسة والحصول على شهادات – تعريننا جميعا، معيدة إيانا إلى الإنساني بعظمته ومسؤوليته". في حديثه يحاول طلال أن يستذكر لحظات وطرائف عاشتها الشعيبية، إذ أسر لنا، أن الشعيبية حينما كانت ترسم إحدى الجداريات بمستشفى الأمراض النفسية والعقلية ببرشيد، كانت لا ترتاح إلا إذا تبضعت بعض علب السجائر، وكانت تتمنى أن تقتني لجميع نزلاء هذا المرفق الصحي ملابس جديدة، لكن تعوزها الإمكانيات. كانت الرحلة إلى برشيد بالنسبة إليها بمثابة عرس كبير، لأنها ترى في مساعدة الإنسان وتقديم العون من مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف. تستعد للسفر بعد أن تكون جمعت أغراضها وكل ما اقتنته ورتبته في سيارتها. في المستشفى يصطف المرضى ويتأملونها في صمت، وهي تنخرط في تلوين مساحة السور. يقول طلال إن المرضى الذين كان يتجاوز عددهم المائة، يصيخون السمع إلى الشعيبية وهي تخاطبهم، وتتحدث إليهم واحدا واحدا، وتسألهم عن أسباب مرضهم، وكانوا يتبادلون معها أطراف الحديث ويشكون لها ضيقهم وألمهم، ويتحولون إلى حملان هادئين، وهم بجوار الشعيبية. يوضح طلال أن والدته كانت ترأف بهؤلاء، وتساندهم من الناحية النفسية، فقد كانوا يتحدثون إليها وكأنهم أصحاء أسوياء. استغرقت الشعيبية أياما في رسم هذه الجداريات، التي تدخل بعض السكينة على المرضى النفسيين. إذا كان علم النفس يرتكز على الإنصات للمرضى، فكانت الشعيبية دواء على الكثير من نزلاء هذا المستشفى، يأخذون بنصائحها وإرشاداتها، حتى يخيل للمرء أنها صاحبة وزرة بيضاء، وهي التي تتقن فن الإصغاء بكل جوارحها.