أكد يحيى أبو الفراح، مدير معهد الدراسات الإفريقية التابع لجامعة محمد الخامس السويسي بالرباط، أن المكانة المتميزة التي يحظى بها المغرب في إفريقيا تعتبر امتدادا للدور الكبير الذي اضطلع به منذ عقود في خدمة قضايا القارة، لاسيما مساهمته الفعالة في تحرير إفريقيا وبناء وحدتها. وأوضح أبو الفراح، في حديث أجرته معه وكالة المغرب العربي للأنباء، أنه تم وضع اللبنات الأولى للوحدة الإفريقية في مؤتمر الدارالبيضاء سنة 1961، بمبادرة من جلالة المغفور له محمد الخامس، الذي ساهم في دعم حركات التحرر الإفريقية، إلى جانب مساهمة المملكة بشكل رئيسي في إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1963، وتعزيز الاستقرار السياسي واستتباب الأمن بالقارة عبر المشاركة في عدد من عمليات حفظ الأمن والاستقرار، وفي حل النزاعات الإفريقية. ولاحظ أن اهتمام المغرب بالقارة السمراء، التي تحتل مكانة مركزية في سياسته الخارجية، شهد تزايدا مكثفا خلال الأربع عشرة سنة الأخيرة، إذ عمل على تقوية علاقاته مع المجموعات الاقتصادية الإفريقية، وأرسى أسس شراكة حقيقية تخدم المصالح المشتركة بين بلدان القارة، إلى جانب مساهمته، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، في التنمية السوسيو- اقتصادية للقارة. واعتبر مدير معهد الدراسات الإفريقية أن هذا التوجه لا يمكن تفسيره فقط بالتحولات المتسارعة التي تعرفها القارة الإفريقية على جميع الأصعدة، ولكن بالخصوص برغبة المغرب في بناء استراتيجية متعددة الأبعاد للتعاون مع الدول الإفريقية قوامها الشراكة والتضامن والسلم، باعتبار القارة مجالا حيويا بالنسبة لحاضر ومستقبل المغرب. وفي هذا الإطار، يضيف أبو الفراح، أعطى جلالة الملك محمد السادس دفعة قوية للعلاقات مع البلدان الإفريقية من خلال قيامه منذ اعتلائه العرش، بعدد قياسي من الزيارات إلى هذه البلدان، إذ قام في أقل من 10 سنوات بحوالي 24 زيارة إلى قرابة 14 بلدا إفريقيا، مبرزا أن هذه الزيارات كانت لها نتائج إيجابية ملموسة على تقوية مكانة المغرب في القارة، وتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية، ودفعت عددا من الشركات المغربية للاستثمار في قطاعات متنوعة في القارة. وأشار مدير معهد الدراسات الإفريقية إلى أن الاهتمام المغربي بإفريقيا تم تكريسه أيضا بواسطة الدستور الجديد الذي ركز على أهمية البعد الإفريقي للهوية الوطنية، وعلى ضرورة تعزيز التعاون جنوب جنوب، ولاسيما مع البلدان والشعوب الإفريقية. ورغم وجود المغرب خارج مؤسسات الاتحاد الإفريقي، يضيف أبو الفراح، فقد عمل على تعزيز مكانته عبر ابتكار أساليب جديدة وفعالة للتعاون، ساهمت بشكل مباشر في خدمة القضية الوطنية الأولى، وإقناع أغلب الدول الإفريقية بنجاعة المقترح المغربي للحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية. وأشار إلى أنه في كل المناسبات القارية والدولية لا تتردد هذه الدول في إثارة الوضع غير الطبيعي لوجود بلد مؤسس للوحدة الإفريقية خارج تنظيمات الاتحاد الإفريقي، والمطالبة بتصحيح هذه الوضعية الشاذة. غير أن موقف المغرب من هذه المسألة، يقول أبو الفراح، "واضح فهو ينبني على الشرعية الدولية ومشروط بزوال الأسباب التي دفعته إلى مغادرة المنتظم الإفريقي". وبخصوص العلاقات الاقتصادية بين المغرب وإفريقيا، أشار أبو الفراح إلى أن الوجود المغربي الاقتصادي بإفريقيا انتقل في أقل من عقد من الزمن من وضعية تميزت بضعف المبادلات التجارية مع البلدان الإفريقية، وبحضور اقتصادي لا يتجاوز استقرار مجموعة من التجار المغاربة في عدد من الدول وخاصة في السنغال والكوت ديفوار، إلى وضعية جديدة قوامها الانفتاح الاقتصادي المتزايد على إفريقيا عبر تنويع وتقوية المبادلات التجارية. وسجل، في هذا الصدد، توجه الشركات المغربية بشكل متزايد للاستثمار في إفريقيا، وذلك بهدف الاستفادة من المؤهلات الكبيرة التي توفرها اقتصادياتها، في ظل التحسن الذي عرفه مناخ الأعمال بالدول الإفريقية خلال السنوات الأخيرة، مبرزا أن هذا التوجه كاختيار استراتيجي يمكن الشركات المغربية من البحث عن أسواق جديدة، لاسيما بعد الأزمة الاقتصادية التي عرفتها الاقتصاديات العالمية ومنها اقتصاديات الاتحاد الأوروبي. وأضاف أن التحولات المتسارعة التي تعرفها القارة السمراء خلال السنوات الأخيرة، وتزايد مكانتها على صعيد الخريطة الجيو-سياسية العالمية، والمنافسة القوية حول ثرواتها وأسواقها من طرف القوى الاقتصادية التقليدية، وكذا الناشئة، وغيرها من الدول، حتمت على المغرب تفعيل استراتيجية واضحة تشجع استثمارات الشركات المغربية بإفريقيا وتحسن من تنافسيتها، وذلك عبر التوجه نحو المجالات التي راكم فيها تجربة كبيرة كقطاعات الاتصالات والسياحة والفلاحة والأشغال العمومية، أو عبر تقوية دوره الاستراتيجي كبوابة رئيسية نحو إفريقيا وملتقى استراتيجي على مستوى العلاقات الدولية بين القارة وأوروبا وأمريكا، وكذلك عبر تعزيز دور الخطوط الملكية المغربية كفاعل مركزي في تقوية إشعاع المغرب على الصعيد القاري. (و م ع)