بكل أريحية استجاب الفنان التشكيلي المغربي، الحسين طلال، لدعوة "المغربية"، إلى تسليط الضوء على المنجز الفني للراحلة الشعيبية، التي ساهمت بعطائها المتميز في الساحة التشكيلية المغربية والعالمية. في حديثه يكشف طلال بعض المحطات الأساسية في تجربة والدته، وعلى لسانه نعيد سيرة الشعيبية الحالمة شبهت مجلة "جون أفريك" في عددها 46 مارس 1988، منزل الشعيبية بالدارالبيضاء، بفضاء يحمل الكثير من الحكايا. (يضيف ابنها طلال أن المنزل كان يحتضن من فينة إلى أخرى مجموعة من الفرق الموسيقية الغربية، من قبيل فرقة فري جاز، كما شهدت أسواره ذات مساء حفلا صغيرا للمغني الفرنسي بيير باشلي، وهو من أصدقاء الشعيبية). حديقة المنزل مملوءة بالأطفال، بالحيوانات، والطيور خصوصا طيور الكناري والببغاءات، وكلبها الذي اختار له اسم "دالي"، وهو من صنف يوكشير الإنجليزي. ويظل باب المنزل الكبير مشرعا ومفتوحا لكل زائر، يسأل حاجة، أو يطلب معونة. الطيور تحلق حول لوحاتها المختلفة الأحجام، التي رتبتها بعناية في بعض زوايا الحديقة. بيد أن عدة الرسم من فرشاة ولوحات وأقمشة تحكي تاريخا مفعما بألوان الحكايا. عدة كبحت ضوء الشمس وعين الشحرور. تصب الشاي في كؤوس منعنعة، وتحكي عن تاريخها الفني والإنساني، بقولها" قبل سبع وعشرين سنة رأيت في منامي أن ملاكا قال لي انهضي، وخذي ألوانك وابدئي الرسم". حين استفاقت من هذا الحلم الجميل، اقتنت صباغة زيتية وانخرطت في تلوين لوحات من الخشب وقطع من الكارتون، محتفية بوجوه غريبة وحيوانات بألوان ناصعة. من ملامحها تبدو الشعيبية منشرحة الصدر وفي عنفوان الشباب، وهي معصبة الجبين، وبوشم على ذقنها، وبعينين سوداوين واسعتين، كأنها من قبيلة الهنود. في عمر 57 تبدو أنها أصغر من ذلك، بل لا عمر لها. العالم كله يعرف أنها تزوجت في سن الثالثة عشرة، وأصبحت أما في الرابعة عشرة، وترملت في الخامسة عشرة، عاشت مرحلة صعبة في بدايتها، إلا أنها أصبحت مشهورة بأعمالها الصباغية الكبيرة الحجم، التي وصلت إلى دور المزاد العلني. رغم هذه الشهرة إلا أنها احتفظت ببساطتها وبعاداتها التقليدية التي ورثتها من قبيلتها الموغلة في القدم. عشقت الطبيعة، رسمت عواطفها الجياشة إلى جانب شموس المغرب وترابه، الذي تعشقه بكل الجوارح. في شارع رابليه بالدارالبيضاء، حولت الجدار والأسوار إلى واحة تشكيلية، وبدا المكان أروع بكثير من فضاءات الكنيسة الملونة، حتى أن بيوت الحديقة اتخذت منها طابع القصر، تترك الشعيبية متعلقاتها في حجرة صغيرة بالبيت، وألصقت بجدرانه مجموعة من الصور الفوتوغرافية للذكرى، حيث نجد صورتها إلى جانب الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، (يذكرنا طلال أنها بمناسبة معرضها بالقصر الكبير بشون زيليزيه، باريس "فياك")، وكذا صورة للوزير الأول الفرنسي، وكذلك لجاك لونغ، وزير الثقافة الفرنسي الأسبق، الذي قالت عنه "إنه رجل رائع".