على الرغم من التحذيرات التي تتردد منذ شهور، فإن منطق العنف في سوريا يدفع بالبلاد دفعا إلى الهاوية، ويجعلها تتهشم على صخور الصراعات التي تتهدد المنطقة برمتها. مقاتلو جبهة النصرة في سوريا (خاص) دفعت سلسلة من التصعيدات المتبادلة بين مختلف الأطراف بالوضع إلى حالة من الحرب الطائفية الإقليمية، التي يصعب كبح جماحها بين السنة والشيعة، فضلا عن تمزيق أوصال سوريا والتشكيك لأول مرة، منذ نحو قرن في الحدود الإقليمية الفاصلة بين دول المنطقة، واحتمال نشوب صراع بين قوى دولية وأخرى محلية. من الصعب التصديق أن كارثة بهذا الحجم بدأت على يد حفنة من طلبة المدارس كتبوا شعارات مناهضة للنظام الحاكم على الجدران في مدينة درعا في مارس عام 2011. وتعرضت الاحتجاجات المتصاعدة التالية إلى حملات قمع غاية في العنف جعلتها تتحول في وقت قصير إلى مقاومة مسلحة. وما إن حدث ذلك حتى برز التفاوت في القوة بين قوة النظام الحاكم وقدرات المعارضة، وهو ما دفع إلى حتمية تطلع المعارضة غير المسلحة الى طلب المساعدة من المجتمعات والأسر والقبائل والطوائف والتجمعات العرقية المجاورة. وباتت الثورة السورية، منذ بدايتها، شأنا سنيا، نظرا لكون الطائفة السنية هي التي تمثل الأغلبية وتحمل الكثير من الاستياء العام من نظام حكم تهيمن عليه أقلية علوية. وهذا ما دفع المجتمعات السنية على الحدود اللبنانية العراقية، التي هي في حد ذاتها خليط هش من الطائفية، إلى إظهار ردود فعل متعاطفة. وفي الوقت الذي بدأت القوى العربية السنية أمثال السعودية وقطر، وما لديها من جداول أعمال متعارضة، تسليح وتمويل المعارضة، أصبحت دول سنية مجاورة مثل تركيا والأردن بمثابة ممرات رئيسية لمساعدة المعارضة. وبالنظر إلى الطبيعة الطائفية المتزايدة المصاحبة لتصاعد وتيرة الكفاح المسلح، بدأ يتوافد الجهاديون السنة للانضمام إلى الصراع. فمن العراق، الممزقة بفعل الغزو، الذي قادته الولاياتالمتحدة عام 2003، جاء مسلحون إسلاميون على صلة بالقاعدة فشكلوا جوهر جبهة النصرة، التي سرعان ما بدأت تأخذ مكانها في الكثير من الهجمات الناجحة، التي شنها المتمردون. انقلاب الموازين. كانت المعارضة حتى نهاية العام الماضي قريبة من الضواحي المحيطة بوسط العاصمة دمشق وبدا النظام الحاكم كما لو كان يسير على الحبل. وعلى الرغم من حدوث بعض الانشقاقات في صفوف الجيش، فإنه مايزال متماسكا على نحو ملحوظ، ولكن عدد القوات المقاتلة التي يمكن الاعتماد عليها محدود، وقد استهلكت طاقاتها. ولم يجد الأسد سوى اللجوء إلى حلفاء رئيسيين مثل روسياوإيران، ويبدو أنه ظفر بتعهدات تؤكد أنهم لن يسمحوا بسقوط نظام حكمه، وهذا ما جعل كفة الأحداث تميل لصالحه مثلما حدث في معركة القصير التي انهزمت فيها المعارضة. كما طردت المعارضة من الضواحي المحيطة بدمشق. ومع انقطاع خطوط الإمداد أو التهديد بذلك، لم تعد المعارضة في وضع يسمح لها باجتياح العاصمة، فضلا عن الضغوط عليها في الجبهات الأخرى. وكانت طهران ضالعة في انقلاب الميزان في ميدان المعركة، عكس روسيا التي كان دورها أقل بروزا، حيث صد مقاتلون شيعة تابعون لجماعة حزب الله، التي تدعمها إيران، هجمات في مدينة القصير. واستطاعوا بالتعاون مع مسلحي الشيعة، من لواء أبو الفضل العباس العراقي، وهم تنظيم إيراني أيضا، الدفاع عن ضريح السيدة زينب على الجانب الجنوبي لدمشق. كما نهضت إيران بدور رئيسي في تشكيل مليشيات الدفاع الوطني، وهي ميليشيات أغلب عناصرها من الطائفة العلوية، تتولى مهام الأمن في المناطق العلوية، وتساعد على التخفيف من مهام الجيش الذي يشكو من قلة العدد. وأدى التعامل الإقليمي، الذي ترعاه إيران بواسطة قوى شيعية، مع أزمة النظام السوري الحاكم إلى إثارة غضب رجال الدين السنة في المنطقة، وهو ما أبرز البعد الطائفي للصراع الدائر. وعلى الرغم من أن ذلك عزز العنصر السني المتطرف في صفوف المعارضة السورية، فإن انقلاب الموازين عزز أيضا الدعم الغربي للمعارضة والحلفاء في المنطقة، بتقديم تعهدات بالمساعدة العسكرية لتعويض التوازن من خلال إمداد المعارضة بأسلحة جيدة، لاسيما الصواريخ المضادة للمدرعات والطائرات.