أدى صاروخان أطلقا على الضاحية الجنوبية في بيروت معقل حزب الله إلى نقل الصراع المتصاعد في سوريا إلى قلب لبنان ما يعني أن هناك صراعا إقليميا بلا توقف بدأ يقترب. امتد الصراع الدائر في سوريا منذ نحو عامين بالفعل إلى سهل البقاع في لبنان، وتفجر قتال في الشوارع بمدينة طرابلس في شمال لبنان وتسبب في لجوء نصف مليون سوري إلى البلد المجاور هربا من الحرب في سوريا.
غير أن الهجوم الصاروخي الذي وقع الأحد وأسفر عن إصابة خمسة في الضاحية الجنوبيةلبيروت التي تقطنها أغلبية شيعية، كان أول هجوم فيما يبدو يستهدف معقل حزب الله في جنوب العاصمة وأعاد للأذهان شبح الحرب الأهلية اللبنانية.
وقع الهجوم الصاروخي بعد أن توعد الامين العام لحزب الله حسن نصر الله بأن جماعته ستقاتل مع قوات الرئيس السوري بشار الأسد حتى النصر في سوريا مهما كان الثمن.
كانت هاتان الواقعتان من العلامات البارزة فيما يتعلق بامتداد الصراع في سوريا والذي أسفر عن سقوط 80 ألف قتيل داخل الحدود السورية وأذكى توترات طائفية من بيروت إلى بغداد.
كما استدرج دولا بالمنطقة مثل ايران والمملكة العربية السعودية وتركيا وقطر والعراق واسرائيل وسبب استقطابا بين القوى الكبرى مثل الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية التي تنحاز للمعارضة السورية من جهة وروسيا والصين اللتين تدعمان الأسد من جهة أخرى.
قال جوليان بارنس ديسي الزميل في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "إنه وضع مقلق بشدة.. يشير إلى تناقص عدد المكابح التي يمكن استخدامها في هذا الوضع."
ومضى يقول "إنه يخرج عن نطاق السيطرة.. ويزيد عمقا اكثر وأكثر داخل سوريا لكن من الواضح الآن أنه يمتد إلى لبنان والمنطقة."
ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن هجوم الأحد لكن يفترض على نطاق واسع أنه رد من مقاتلي المعارضة السورية أو المتعاطفين معهم على كلمة نصر الله.
ووصف أحد المقاتلين السوريين الهجوم بأنه إنذار للسلطات اللبنانية حتى تكبح جماح حزب الله المدعوم من إيران بالمال والسلاح وإلا ستواجه المزيد من العواقب.
عندما تخلى نصر الله عن أي غموض فيما يتعلق بإصرار حزب الله على الإبقاء على الأسد في السلطة، فربما كان يهدف بذلك إلى توجيه رسالة لخصوم الأسد في الدول العربية والغربية وهي أن أي زيادة في الدعم لمقاتلي المعارضة لن تجدي.
يبحث الاتحاد الأوروبي ما إذا كان سيعدل العقوبات المفروضة على سوريا للسماح لدول من الاتحاد الأوروبي بإرسال السلاح إلى مقاتلي المعارضة، وأجرت لجنة في مجلس الشيوخ الأميركي اقتراعا في الأسبوع الماضي لتسليحها، لكن ليس من الواضح ما إذا كان يمكن للكونغرس الموافقة على مثل هذا المشروع.
وقال أيهم كامل وهو محلل متخصص في شؤون الشرق الأوسط في مجموعة أوراسيا للاستشارات "الرسالة التي يحاول حزب الله إرسالها هي مؤشر على أن إيران وحزب الله مستعدان لمقابلة أي زيادة في الدعم للجماعات المتمردة بزيادة مماثلة."
وأضاف "إذا اتسع الصراع.. حزب الله وإيران مستعدان لدعم النظام أيا كانت النتيجة."
كما تأتي تصريحات نصر الله بعد أسابيع من الهجمات المضادة التي شنتها قوات الأسد حول العاصمة في محافظة درعا بالجنوب وحول بلدة القصير على الحدود مع لبنان، مما عزز من موقف الأسد قبل محادثات سلام مزمعة تقول دمشق إنها مستعدة من حيث المبدأ لحضورها.
وأضاف كامل أن أثر حزب الله على الصراع الدائر في سوريا ليس كبيرا كما تعتقد بعض العواصم الأوروبية وإن إعادة تنظيم القوات المسلحة التابعة للأسد -في الأرجح بناء على نصيحة من حلفائه بالمنطقة- لمواجهة مقاتلي المعارضة هو العامل الأكبر وراء المكاسب التي حققها في ساحات المعارك في الآونة الأخيرة.
وأكد في إشارة إلى وحدات تشكلت من ميليشيات محلية يبلغ قوامها مجتمعة عشرات الآلاف أن "هناك خطة استراتيجية لإعادة هيكلة الجيش السوري وأقسامه لجعله أكثر فاعلية في حرب المدن ولتشكيل قوات جديدة."
ومضى يقول "إعادة الهيكلة مسألة مهمة.. القوات الإضافية مهمة وأنا أضع حزب الله في المركز الثالث بتلك القائمة.. كلّها عناصر لا يمكن للنظام الاستغناء عنها لكن هناك درجات متفاوتة."
وقال بارنس ديسي إن عدد مقاتلي حزب الله في سوريا حتى الآن من المرجح أن يكون "آلافا محدودة" مع وجود الكثيرين في الاحتياط. وقال نصر الله نفسه يوم السبت إن حزب الله يمكن أن يستدعي عشرات الآلاف بكلمتين.
وقال نصر الله "في كلمتين فقط ستجدون عشرات الآلاف يذهبون إلى تلك الجبهات." ومضى بارنس ديسي يقول "لا أعتقد أن حزب الله سيترك نفسه عرضة للخطر في فنائه لتأمين الأسد لكن من الواضح أن لديه قوة قتالية كبيرة ويمكن أن يزيد العدد الذي يرسله إلى سوريا إلى درجة كبيرة جدا قبل أن يتعين عليه اتخاذ هذه الخيارات."
وخصوم الأسد في الغرب عازفون بالفعل عن الالتزام بالتدخل في سوريا أو الدعم العسكري لمقاتلي المعارضة ومن بينهم مقاتلون مرتبطون بتنظيم القاعدة معادون للولايات المتحدة وأوروبا تماما مثل عدائهم للرئيس السوري.
لكن في المنطقة العربية خصوم الأسد ليسوا مقيدين بصورة كبيرة. إذ يعبر مقاتلون سنة من طرابلساللبنانية الحدود إلى سوريا لمحاربة قوات الأسد في حين أن مدينتهم تحملت قتالا استمر اسبوعا قتل فيه 25 شخصا، مما يظهر كيف أن الدول المجاورة لسوريا يمكن ان تعاني في الوقت ذاته من امتداد الصراع إلى أراضيها.
وقال الشيخ سالم الرافعي وهو رجل دين من السنة إنه عندما أرسل حزب الله مقاتلين إلى سوريا وسيطر على قرى سنية استفز هذا السنة في إشارة إلى المنطقة المحيطة ببلدة القصير الحدودية حيث يشن مقاتلو حزب الله والجيش السوري هجوما منذ أسبوع لإخراج مقاتلي المعارضة.
وقال الرافعي لرويترز من طرابلس "اخواننا في القصير طلبوا مساعدتنا.. لذلك كان من واجبنا أن ندعو كل قادر على الجهاد إلى دعمهم."
وتبرز لافتات في ساحة بطرابلس للاحتفال "باستشهاد" المقاتل أحمد الشيهب من المنطقة في معركة القصير، كيف ان البلدتين أصبحتا ساحة معركة في حرب واحدة. وقال الرافعي "ليس هناك شك في أن ما حدث في طرابلس هو صدى لما يحدث في سوريا خاصة القصير."
وحث كل من الرافعي ونصر الله مقاتلين لبنانيين على عدم نقل القتال خارج سوريا مما يظهر حالة من القلق شبه العام من امتداد الصراع إلى لبنان بسبب شبح الحرب الأهلية اللبنانية التي دارت خلال الفترة من عام 1975 و1990.
وقال نصر الله السبت "نحن نجدد دعوتنا إلى تجنيب الداخل اللبناني أي صدام وأي صراع.. مختلفون على سوريا؟ أنتم تقاتلون في سوريا؟ نحن نقاتل في سوريا؟ فلنقاتل هناك.. ونقول لإخواننا وأهلنا في طرابلس لا أفق لهذا القتال."
لبنان بلد يسكنه أربعة ملايين نسمة من مختلف الطوائف المسيحية إلى جانب السنة والشيعة ويسعى جاهدا لاستيعاب ما يقدر بمليون سوري منهم لاجئون وعمال وأسرهم.
وما زال لبنان ايضا يعاني من عبء ثقيل من الديون منذ الحرب الأهلية بسبب تكلفة إعادة الإعمار ويعاني من تباطؤ حاد في النمو الاقتصادي. كما أنه يواجه أزمة سياسية بعد استقالة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي قبل شهرين.
ولم يتمكن تمام سلام رئيس الوزراء الجديد حتى الآن من تشكيل حكومة جديدة والصراع على قانون جديد للانتخابات البرلمانية يعني تأجيل انتخابات التي من المفترض أن تجرى الشهر المقبل مما يهدد البلاد بفراغ سياسي.
وقال وليد جنبلاط زعيم الدروز الأحد إنه لابد من تمديد فترة البرلمان لمدة عام واحد على الأقل بما أن الاستقرار السياسي هو أكبر أولوية إذا كان للبنان التغلب على تحدياته الأمنية.
وقال كامل "ما زال هناك قدر محدود من التزام التيار الأساسي من السنة والشيعة والأحزاب المسيحية بعدم السماح لأن يكون لبنان ساحة معركة.. لكن هذا أصبح صراعا إقليميا لذلك برز احتمال وجود سيناريوهات غير محسوبة."
بالنسبة للوقت الحالي فإن التفوق العسكري الواضح لحزب الله في لبنان ذاته يعني أن حزب الله الذي حارب اسرائيل في حرب استمرت 34 يوما قبل سبع سنوات، من غير المرجح أن يواجه تحديا مستمرا من خصوم محليين.
وقال بيتر هارلينغ من مجموعة الازمات الدولية إن زيادة انخراط حزب الله في حرب سوريا ربما يواجه تحديات اكبر من أي تحديات، ربما واجهها في قتاله للقوات الاسرائيلية لثلاثين عاما.
ومضى يقول "سيدرك حزب الله قريبا أن هذا الصراع أكثر دموية من أي صراع شهده قبل ذلك.. إنه صراع فتاك للغاية.. إذا خاضوه جميعا فسوف يتكبدون خسائر هائلة."