اشتهرت مدينة مراكش بعدة أسماء من بينها "سبعة رجال"، وارتبطت برجالاتها، الذين بصموا حياتها الدينية والروحية، وألهموا الكثير من الكتاب والأدباء وشعراء الملحون، من خلال حسهم الإنساني والأخلاقي، ما دفعنا إلى الالتفات لظاهرة هؤلاء الرجالات. الحلقة الخامسة ضريح سيدي بلعباس للوصول إلى المحطة الثالثة في زيارة سبعة رجال مراكش، ينطلق الطواف من جهة باب الدباغ ليخرج من المدينة العتيقة قصد زيارة مقبرة باب الدباغ أو الجهة الشرقية لمراكش، ليجري الدخول من جديد إلى قلب المدينة العتيقة عبر باب الخميس لزيارة أولياء الزاوية العباسية، سيدي غانم، وأبو العباس الجباب. وعبر أزقة الزاوية العباسية سيتأمل الزائر المجال العمراني لضريح أبي العباس السبتي، الذي ظل قبلة لمجموعة من الزوار، للاستمتاع ببركات الولي الصالح والكرامات التي كان يتميز بها، وسيجده يمثل صورة مصغرة للمدينة الإسلامية الوسيطة المطبوعة بالطابع الأندلسي، من خلال تداخل نسيج تلك المتوالية من البنايات والخطوط والمميزات العمرانية لمعظم الدول التي حكمت المغرب، وتفاعل مع هذا الفضاء مسلكيات معقدة لجمهور يعيش عتبة الألفية الميلادية الثالثة. باب تاغزوت هو المدخل الرئيسي لزيارة ضريح "سيدي بلعباس"، أشهر أضرحة الرجالات السبعة في مراكش، وأكثرها زيارة من طرف المراكشيين وعدد من الزوار من مختلف أنحاء المغرب، حيث ينحرف الزائر يمينا فيجد نفسه يخترق بابا ثانيا، وينعطف يسارا ليلج بابا ثالثا يفضي إلى كل من سوق لمجادليين، فالمسجد السعدي الذي ينفتح بابه الشمالي على بعض الأزقة، وصولا إلى ساحة تضم مجموعة من البيوت الشبيهة ب"البنيقات". فمبنى الضريح الذي ينتهي إليه الزائر، بعد أن يمر بتلك المحطات التي تعتبر كلها حرما لأبي العباس السبتي. يفصل بين كل مرفق وآخر باب قوسه على هيئة حذوة الفرس، وعلى يمين الداخل ويساره تنفتح بعض الدروب، ويعانق كل ذلك رياض الزاوية العباسية ودورها القائم منها والمترهل، كلها جاثية بتواضع كالمستجير عند قدم الضريح، الذي يعتبر النواة الأولى لحي الزاوية العباسية. جرت العادة حتى أصبحت متفشية في الوسط المراكشي، أن ضريح سيدي بلعباس يعرف خلال يوم الأربعاء من كل أسبوع حركة دؤوبة لعدد من الزوار، ينتمون إلى فئات اجتماعية متباينة، منهم من هدته عتبة الفقر، أشباح أنهكها الجوع وأقعدها المرض، سترت العورة بما تيسر من الأسمال والخرق الوافد من دول الشمال ما وراء البحار، يمشي بهم "العكاز" إلى قلب الضريح، ومنهم متوسطو الحال. فالمترفون في لباس تقليدي أنيق أو بذلة بآخر طراز، يوقفون سياراتهم الفارهة بساحة باب تاغزوت، ويخترقون هذا الحي الشعبي نحو الضريح. تتلاعب أصابعهم الناعمة بالمفاتيح الفضية لتلك العربات الفاخرة، يتقدمون في خشوع إلى الضريح متضرعين مناجين. يعلم الله ما تحمل كل نفس من ألم وهموم، من تطلع الميسورين إلى نجاح صفقة تجارية، أو نفاق تجارة بائرة، أو توبة من ظلم، أو صرخة تظلم ممن هو أقوى، أو استدامة خطة، أو استرداد مركز بعد عزل، أو ستر فضيحة، أو لطف في جناية أو جريمة، وغيرها من المعتقدات، أما المستضعف فأغلى أمانيه هو الكفاف والعفاف والغنى عن الناس. وتنتهي الزيارة بتقديم صدقة ووضعها داخل صندوق الضريح. تقاليد وعادات ضاربة في أعماق العصر الوسيط، تدور في إطار منظم، يأتيها أناس بكامل القناعة وحسن النية يجدون فيها راحة وتنفيسا وقد يتنكر لها أو ينكرها آخرون، ولكل مستنده ورموزه وشواهده وأهدافه. ظل أبو العباس السبتي، الذي كان يؤمن بتقسيم الثروات بطريقة عادلة، القطب الصوفي الشهير وعميد رجالات مراكش السبعة، أصبح اسمه يتردد في عدد من الأحياء والحومات الشعبية بمراكش، إذ نجد بعض الأشخاص يقسمون ويستعطفون باسمه وآخرون يدعون ويتوعدون به.