قضى الدولي المغربي السابق مصطفى يغشى أكثر من 15 سنة متنقلا بين الفرق السويسرية، لكنه ظل وفيا لبلده، ولم يكن يتردد في تلبية نداء الدفاع عن القميص الوطني، مثلما ظل هذا الرجل الدكالي وفيا لأصوله، ولدرب السلطان، حيث قضى طفولته، والدارالبيضاء، التي قضى بها مرحلة مهمة من حياته، في هذه الأوراق يقلب يغشى أوراق مسار جميل. الحلقة الرابعة مصطفى يغشى اعتبر إيميل زاتوبيك، عملاق سباقات المسافات الطويلة في ألعاب القوى في منتصف القرن العشرين، ونال في أولمبيادين متتاليين 4 ذهبيات وفضية. ففي أولمبياد لندن عام 1948 نال ذهبية سباق 10000م برقم قياسي أولمبي جديد قدره 29.59.6د وكان بذلك أول إنسان ينزل تحت حاجز 30 دقيقة لهذا السباق في التاريخ الأولمبي. ثم نال فضية سباق 5000م برقم 14.17.80د، إذ حل ثانيا خلف البطل الأولمبي الأمريكي كاستون ريف بالأولمبياد نفسه. عرف عن زاتوبيك حبه الجري عاري الصدر وكانت تظهر عليه مظاهر الألم أثناء جريه فلقب ب"ذي الوجه المتألم"، إذ كان يظهر للبعض أنه سيخسر السباق نتيجة ألمه إلا أنه كان يفوز دائما. واستمر فائزا طيلة 15 عاما في حياته الرياضية وكان يقول دائما "أريد أن أفوز في كل مرة أضع فيها قدمي على مضمار الملعب". وفي أولمبياد هلسنكي عام 1952م أحرز ثلاث ميداليات ذهبية في سباقات 5000 و10000م وسباق الماراثون. وهو إنجاز لم يحققه غيره في تاريخ الأولمبياد وسمي أولمبياد هلسنكي باسمه تخليدا لإنجازه. سجل زاتوبيك انتصاراته الثلاثة في غضون أسبوع، مقدما تراجيديا مفعمة بكل ما يتناب ويختلج في الصدور من مشاعر. أداء يلخص صراع الإرادة والتصميم. كان "يقتل" خصومه، يقضي عليهم واحد تلو الآخر، إذ يضع سيناريو الانقضاض محددا البداية ومقررا النهاية، ويتلذذ في معاناته حتى الفوز المشبع. خلال سباق الماراتون في هلسنكي، لم ينس زاتوبيك الابتسام وهو يرد التحية للجمهور المحتشد على طول المسار. تبادل أحيانا كلمات مع ركاب السيارات المرافقة، المندهشين من سطوته. لاحظوا هدوءه وثقته. فلم ينقصه حينها إلا أن يتوقف ويوقع أوتوغرافات أو يبدي رأيه بالمناظر الجميلة. والأهم من فوزه الكبير هذا هو تسجيله ثلاثة أرقام أولمبية جديدة لهذه السباقات الثلاثة. كما سجل إنجازا لم يكرره أحد حين فاز 70 مرة متتالية في سباق 5000و10000م في أربع سنوات ونصف السنة. وكان أول إنسان في تاريخ سباق 5000م، الذي فاز به 46 مرة متتالية، وفاز 38 مرة متتالية في سباق 10000م. وكانت قمة إنجازاته أنه عاد وأنزل رقم 10000م عن 29 دقيقة، إذ سجل 28.54.2 دقيقة. ولعل أعظم إنجازاته نجاحه بتحطيم 18 رقماً قياسياً عالمياً في 9 سباقات مختلفة خمسة منها في سباق 10000م. يتذكر زاتوبيك أنه طمح دائما لتقديم الأفضل وتحقيق الإنجازات، "لكن ذلك تطلب كدا وتعبا وتدريبا يوميا مكثفا لتحطيم الأرقام وإحراز الألقاب، تماما مثل الأشغال الشاقة، لكنني كنت أستمتع بها". وتوفي زاتوبيك يوم 22 نونبر عام 2000 عن عمر 78 عاما، بعد صراع طويل مع المرض.