شكلت مصادقة الحكومة على مشروع قانون يحدد شروط تشغيل العمال المنزليين، أملا كبيرا في صفوف هذه الفئة، كما منح المدافعين عن حقوق العاملين في البيوت تفاؤلا حول مستقبل هذه الفئة الهشة من المجتمع خاصة في ظل انتشار ظاهرة تشغيل الطفلات في المنازل، وفي ضوء الاعتداءات المتكررة عليهن من طرف مشغليهن، حيث تتعرض عشرات العاملات المنزليات لأشكال متعددة من العنف المعنوي والجسدي كالمعاملة السيئة والشتم والضرب والمضايقات والتحرشات الجنسية، التي قد تصل إلى حد الاغتصاب والقتل، كما يحرمن من أبسط حقوقهن الإنسانية بالعمل ساعات طويلة أو الحرمان من ساعات النوم أو الإجازات الأسبوعية أو تأخير الراتب أو العمل بأكثر من منزل للعائلة نفسها. أنور: المشروع يؤشر على منحى جديد في التعاطي مع القضايا العادلة واعتبرت نجاة أنور، رئيسة جمعية "ما تقيش ولدي"، أن المصادقة على مشروع هذا القانون بداية لمسلسل إدماج المرأة بشكل عملي في التنمية، ومدخلا مهما جدا لكسر جدار الصمت والسرية، اللذين يكتنفان عالم خادمات البيوت. وأبرزت أنور في تصريح ل"المغربية" أن هذا المشروع يؤشر على منحى جديد في التعاطي مع القضايا العادلة، ويعد تكريسا لمطالب جمعيات المجتمع المدني في مجال حقوق الإنسان عامة، وحقوق الطفل على وجه الخصوص، ودعوتها لمحاربة الفقر الذي يجبر الأسر على دفع بناتها للعمل في البيوت. وجاء هذا الإطار القانوني لضبط العلاقات التي تربط الخادمات المنزلية بمشغليهم، في أفق إقرار حماية اجتماعية لهن وتمتيعهن بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية. كما يهدف المشروع إلى القضاء على ظاهرة تشغيل الطفلات اللواتي تقل أعمارهن عن 15 سنة وتجريم هذه الظاهرة. لكن يبقى التساؤل قائما حول مدى قدرة الجهات المعنية على توفير الآليات الناجعة لفرض احترام القانون، وبالتالي جعل حد لمعاناة العاملين في البيوت وأساسا مآسي الخادمات التي طفت على صفحات الجرائد الوطنية وتناقلتها وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وصلت إلى حد طرح هذه الإشكالية ومناقشتها داخل قبة البرلمان. مستغفر: مشروع القانون خطوة مهمة لكن قد لا يطبق وفي هذا السياق، اعتبرت فاطمة مستغفر، محامية ونائبة برلمانية سابقا، وفاعلة جمعوية، أن مشروع القانون الجديد المتعلق بتحديد شروط تشغيل العمال المنزليين، خطوة مهمة في إطار سياسة الإصلاح التي ينهجها المغرب، لكن بالمقابل عبرت، مستغفر، عن تخوفها من أن يعيق هذا المشروع عملية التشغيل بالمنازل، خاصة لدى الأسر المتوسطة، بسبب الشروط التي جاء بها هذا الأخير، ومنها مسألة الراتب، الذي حدده المشروع في أن لا يقل عن 50 في المائة من الحد الأدنى للأجور، وبالتالي، تضيف مستغفر، سيخرق المتعاقدون القانون، لأنهم سيفضلون أن يكون التعاقد تقليديا بمعنى شفويا. وأضافت أنه لا يمكن منع تشغيل الأطفال، لأن هناك أطفال ينقطعون عن الدراسة، وعليهم أن يتعلموا حرفة تنفعهم عندما يصبحون شبابا، وتعلُم الحرف لا يمكن أن يكون إلا في سن مبكرة، مؤكدة أنه لهذه الاعتبارات، لا تتفق مع مسألة تحديد السن، على أن تكون للطفل القدرة على الشغل وأن يتلاءم هذا الشغل مع صحته البدنية وعمره، وأن لا يشكل خطرا على سلامته الصحية والجسدية. وترى مستغفر أن الطبقة الغنية يمكن أن تخضع لبعض الشروط التي جاء بها مشروع القانون، مقارنة مع الطبقة المتوسطة، مؤكدة أنه قبل تنزيل هذا القانون على أرض الواقع يجب في البداية خلق مراكز لتكوين الخادمات في البيوت لتعلم طريقة وكيفية الشغل في البيوت، والشيء نفسه يجب أن ينطبق على العمال المنزليين في المجالات الأخرى التابعة للعمل المنزلي كالبستنة، تضيف مستغفر، لأنه لا يمكن تشغيل شخص في هذا المجال وهو يجهل كيفية وطرق العناية بالبساتين. وأكدت أن القاعدة القانونية بجب أن تكون قاعدة اجتماعية، وأنه يجب ترسيخ ثقافة الاحترام بين المتعاقدين في هذا الباب. وتخشى مستغفر أن ينضم مشروع القانون هذا إلى قائمة بعض القوانين التي صدرت ولم تطبق كقانون التدخين. ويتضمن مشروع القانون الجديد أحكامًا عامة، تتعلق بتعريف مفهوم العامل المنزلي، الذي هو "كل شخص يقوم بشكل مستمر مقابل أجر بإنجاز أشغال مرتبطة بالبيت، كالتنظيف والطبخ وتربية الأطفال أو العناية بفرد من أفراد البيت أو سياقة سيارة لأغراض البيت، وإنجاز الأعمال الخاصة بالحدائق أو الحراسة". ويمنع مشروع القانون، تشغيل الأطفال أقل من 15سنة، بينما يضع شروطًا بالنسبة لتشغيل الأشخاص الذي تتراوح أعمارهم ما بين 15 و18سنة، تتمثل في ضرورة الحصول على رخصة مكتوبة من الأبوين أو ولي الأمر، شرط عدم تشغيلهم في الأشغال الشاقة. ويعاقب مشروع القانون على التجاوزات المتعلقة بتشغيل الأطفال دون سن 15 سنة، بغرامة من 25 ألف درهم إلى 30 ألف درهم كل شخص استخدم عاملا منزليا إذا كان عمره لا يقل عن 15 سنة، وكل شخص استخدم عاملا منزليا دون ترخيص من ولي أمره إذا كان عمره يتراوح ما بين 15 و18 سنة، وكل شخص ذاتي، يتوسط بصفة اعتيادية، في تشغيل عمال منزليين. وفي حالة العود تضاعف الغرامة والحكم بحبس تتراوح مدته بين شهر و3 أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين. وأنه يعاقب بغرامة تتراوح بين 300 و500 درهم، كل عامل منزلي لم يقدم لصاحب البيت كل الوثائق التي يطلبها والمنصوص عليها في المادة 3 من هذا القانون، وكل شخص استخدم عمال منزليين في أشغال تشكل مخاطر بالغة عليهم، أو تفوق طاقتهم، أو قد يترتب عنها ما قد يخل بالآداب العامة. كما يُنظم الباب الثالث من المشروع الراحة الأسبوعية والعطلة السنوية وأيام الأعياد المغربية والدينية، وكذلك أيام العطلات المرتبطة بحالات وفاة أحد الأقارب، أما الباب الخامس فينظم الأجرة التي يتلقاها العامل المنزلي مقابل العمل الذي يُقدمه لصاحب البيت، وتم الاتفاق على إخضاع تشغيل العمال المنزليين الأجانب إلى رخصة من الوزارة المكلفة بالتشغيل، كما تم منح مفتش الشُغل صلاحيات إجراء محاولات الصلح بين المُشغِّل والعامل المنزلي، حيث تُوثق العلاقة المهنية بمقتضى تصريح في ثلاثة نظائر موقع عليها، من طرف المُشغِّل والأجير، بالإضافة إلى الاتفاق على آلية المراقبة والعقوبات في حالة خرق مقتضيات هذا القانون.