أدى أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس٬ نصره الله٬ اليوم، صلاة الجمعة في مسجد " أحد" بأسفي. انطلاقا من أن قضية الحرية من الأمور الأساسية التي احتارت فيها الإنسانية إلى أن جاء فيها القرآن الكريم بالقول الفصل، أكد الخطيب، في مستهل خطبتي الجمعة٬ أن الإنسان حر لأنه لو لم يكن كذلك لما كان مسؤولا عن أعماله٬ موضحا في الوقت ذاته أن حرية الإنسان لا تعني أن أفعاله غير مخلوقة من الله تعالى. أما من الناحية الشرعية٬ يضيف الخطيب٬ فمقام الحرية في الإسلام يبلغ في الأهمية وسلم الأولويات مقام الحياة التي هي اجتماع علاقة الإنسان بكينونته في هذه الدنيا٬ وقد جعل الإسلام هذه الحرية محدودة بحدود الشريعة٬ تحفظها وتؤطرها وتسيجها بما يتوافق مع طبيعة هذا الإنسان وفطرته التي فطره الله عليها. وقال إن "من تجليات الشريعة -في أمر الحرية وغيره-مقتضيات القانون وتطبيقاته٬ لأن العمل بالقانون في بلدنا عمل بالشريعة التي تستمد شرعيتها من مصلحة البلاد والعباد٬ ولا تتناقض قوانيننا-والحمد لله - مع أي نص قطعي من نصوص الدين٬ الذي تحميه وتحرص على مبادئه إمارة المؤمنين٬ التي أكرم الله بها هذا البلد الأمين". وأبرز الخطيب أن الحرية في الإسلام وسط بين نقيضين٬ وهي بمعناها السليم تجعل الإنسان عبدا لله وحده ٬ وتبعده عن عبودية ما سواه٬ وأنها ليست مجرد حق فحسب وإنما إباحة لمساحة تمكن الإنسان من الفعل المعبر عن إرادته في أي ميدان من ميادين الفعل ٬وبأي لون من ألوان التعبير ٬وبذلك جعل الإسلام قيمة الحرية غالية تعادل قيمة الحياة٬ مشيرا إلى أن الشريعة نبهت إلى أن الحرية حياة ٬ وأن العبودية بعكسها بمثابة الموت الصراح. وبعد أن ذكر بالحريات الفردية والجماعية التي قررها الإسلام كحرية التدين والاعتقاد وحرية الرأي والتعبير٬ وحرية التمليك والتملك أكد أنه بالنظر إلى كتاب الله وهدي نبيه المصطفى فان هذه الحريات مصونة بالضمانات التي تحفظها ٬ وتحفظ حق صاحبها ٬كما تحفظ حق الآخرين. وأبرز أنه إذا كانت تلك هي قيمة الحرية بإطلاق ٬ فإن لحرية الاعتقاد في الإسلام مكانة كبيرة ومتميزة ٬إذ هي أصل الحريات ٬ بل إن الإسلام لا يقف عند مجرد إقرار هذه الحرية فحسب ٬ بل نفى أن يكون في هذا الدين أي إكراه للدخول فيه ٬وأن الإنسان يعتنق ويعتقد ما يريد عبر التفكير والتأمل بإرادة كاملة٬ وعقل واع٬ دون أدنى إكراه ٬مستدلا بقول الله تعالى "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي". إلا أنه أشار في هذا السياق إلى أن ما ينبغي التنبيه عليه هو أن إمارة المؤمنين هي التي لها وحدها أن تضبط بالقانون شروط ممارسة تلك الحرية حتى لا تتخذ الحرية ذريعة للتشويش على الأمة ٬أو النيل من كرامتها كأمة٬ لأن للأمة حرمة تتعدى اعتبارات الأفراد. وخلص الخطيب إلى أن نظرة الإسلام إلى حرية الأفراد والجماعات سواء في الاعتقاد أو في الرأي أو في الاقتصاد أو في المعاملات والأخلاق والسلوك ٬ هي المنهج السليم الذي يراعي مصالح البلاد والعباد ٬وأن الإسلام جاء لتهذيب الحرية وتقويمها وتسييجها بسياج الحماية والحفظ وإعطاء الحقوق والوقوف عند الحدود ٬وأن أعظم وأرقى مظهر من مظاهر الحرية في الإسلام هو إفراد الله تعالى بالتوحيد الخالص ٬ الذي هو تحرير للإنسان من قيود الشرك والتبعية لغير الله٬ ثم تشريع الشرائع وتبيين الحقوق ورسم الحدود. وابتهل الخطيب٬ في الختام ٬ إلى الله عز وجل بأن ينصر أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس٬ نصرا عزيزا يعز به الدين ويعلي به راية الإسلام والمسلمين وبأن يسدد خطاه ويحقق مسعاه ٬ ويقر عين جلالته بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن ويشد عضد جلالته بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد وكافة الأسرة الملكية الشريفة. كما تضرع إلى العلي القدير بأن يتغمد برحمته الواسعة الملكين الجليلين٬ جلالة المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني ويكرم مثواهما ويطيب ثراهما.