صدر، أخيرا، عن دار الثقافة الجديدة للنشر، الطبعة الرابعة من رواية "شرف" للكاتب الشهير صنع الله إبراهيم، التي صدرت طبعتها الأولى عام 1997، وجرى تصنيفها كثالث أحسن رواية في قائمة أفضل مائة رواية عربية. تعد رواية "شرف" المنتمية إلى أدب السجون، حسب الناقد محمد الأحمد، إحدى العلامات الروائية الجريئة التي أضافها الروائي المصري صنع الله إبراهيم، إلى المكتبة الروائية العربية، إذ اتسمت الرواية بموضوعية جلية أعطت هويتها لأجل أن يبقى الكاتب الملتزم مزاحما أحقية الرواية على الراوي ذاته... بكل تاريخه الشخصي، وسلوكه. فتكون الكتابة هي الحقيقة التاريخية الوحيدة التي لا تقبل التزوير، فالكتابة هي الثبات في المواقف، لأن مبدعها العبقري ارتضى أن يكون فاضحا لكل خلل بشري كالانتهاك والاستغلال، والظلم... يخطها الأديب الواعي لذاته في حركة التاريخ، وعمق نظرته المحايدة، ليكون الدرس المتكامل، الذي يجعل البشرية تتخطى أخطاءها، وكوارثها الاستنزافية للاقتصاد والعقل. رواية "شرف" نبرة عالية لكلمة عصر احتاج التغيير كأمر واقع بعدما تفاقمت الأخطاء، المتراكبة فوق بعضها البعض، فالخطأ يلد مثله، ولا يمكن أن يصلح إلا ببناء جديد على أسس سليمة.. رواية مشوقة تسرد احدثا، حقيقية مقنعة.. تطوف بين الأسطر التي تحمل وجه الكاتب الحقيقي لتعكس أوقاتا عصيبة تشكل فيها العالم المقصي عن النظر، العالم المحجوب المغيب تحت اسم القانون، حيث تنتشر في تلك الأقبية أوراما سرطانية أكثر شراسة وفتكا بالمجتمع، ومنه تخرج إليه منظمة تحت مسميات تفلت من القانون أو تحت وصاية سدنته.. أقبية لم تكن غامضة على روائي مثل صنع الله إبراهيم، ذلك العالم الذي غمض على الغير فيه ما كل في العالم من حرية رغم تقنينها، ورغم صغر مساحة العالم الضيق، الذي اتسع عميقا من عمق المجتمع فكشفه الرواي من الداخل.. حيث لا ممنوع أو محجوب داخله، بل تخله كل الموبقات، والآفات الاجتماعية وتنتشر فيه جميع أنواع المخدرات المحلية والمستوردة، تحت بصر الرقيب، وهو المستفيد الأكيد من كل تلك.. فالحارس هو الذي يهرب إلى عمق السجن.. فرواية "شرف" تعني الشرف المهني لكل موظف مهما كان موقعه في السلم الإداري لأي دولة في العالم، بعدما التفت المثقف نحو الخلل، بأن تخلف ما حوله نتيجتهُ الفساد الإداري الذي يصوره صنع الله إبراهيم في مجمل عطائه الروائي بأنه السوسة التي تنخر البلدان، وتجعلها في صور متخلفة، وأن تلك السوسة تصل بأطماعها لتؤسس مؤسسات عبقرية شرسة تطول ما تريد، وتهيكل ما تطمح عبر مناهج ذكية للوصول إلى غاياتها... ينتمي صنع الله إبراهيم (1937) إلى جيل الكتاب الملتزمين والمثيرين للجدل في مصر والعالم العربي، الجيل الذي ظهر في مرحلة الستينيات التي كانت مرحلة نهضة سياسية واجتماعية وثقافية، وارتبطت بالآمال في تحقيق العدالة الاجتماعية والديمقراطية، لكن آمال هذا الجيل أصيبت بالإحباط نتيجة الأحداث المأساوية وحملات القمع ضد المثقفين، التي شهدتها المنطقة العربية بعد نكسة 1967 والحروب الأهلية والإقليمية، بسبب مواقفهم السياسية المرتبطة باليسار في غالب الأحيان. كتب صنع الله إبراهيم حوالي 8 روايات، والكثير من القصص القصيرة، تشكل خلاصة تجاربه في الحياة، وتعكس تحليله للنفس الإنسانية ونظرته الإيجابية، والدروس التي استخلصها من فترة السجن والعمل الصحفي والحياة في برلين وموسكو، والأهم من الأحداث في مدينته القاهرة. فكتب روايته الأولى "تلك الرائحة" عام 1966 عن تجربته في السجن، وصادرتها السلطات ومنعت توزيعها، وأعقبتها روايات عديدة منها "نجمة أغسطس" (1974)، و"الدلفين يأتي عند الغروب" (1983)، و"اللجنة" (1981)، و"يوم عادت المملكة القديمة" (1982)، التي نالت جائزة أحسن رواية لعام 1982 من قبل المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم، ورواية "اليرقات في دائرة مستمرة" (1982)، و"عندما جلست العنكبوت تنتظر" (1982)، و"ذات" (1992)، ورواية "شرف" (1997)، و"وردة" (2000)، و"أمريكانلي" (2003) (علما أن تسمية هذه الرواية يمكن أن تقرأ "أمري كان لي"، وتتناول حياة أستاذ تاريخ مصري في جامعة أمريكية.