تحدث عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، في الجلسة الشهرية بمجلس المستشارين، المخصصة للحديث عن السياسات العامة للحكومة، بلغة الأرقام والإحصائيات، متجنبا، نسبيا، تكرار مقولته الشهيرة "فهمتيني ولا لا؟". (ماب) واستعرض رئيس الحكومة في مجلس المستشارين، أول أمس الأربعاء، حصيلة برامج الحكومة المخصصة لتحقيق أهداف الألفية، أثناء جوابه عن أسئلة الفرق البرلمانية حول مدى مساهمة الحكومة في الحد من الفقر طيلة الستة أشهر التي تحملت فيها المسؤولية، وما حققته لضمان تعميم التمدرس للأطفال، ومجهوداتها في نشر المساواة بين الجنسين، وتحسين صحة الأمهات والأطفال، والحد من انتشار فيروس السيدا، والحفاظ على بيئة سليمة. وقال رئيس الحكومة إن "المغرب ملتزم بتطبيق أهداف الألفية للتنمية وبخفض وفيات الأطفال أقل من سن الخامسة بالثلثين، وخفض نسبة وفيات الأمهات بنسبة 75 في المائة". وأضاف أن المغرب حقق، سنة 2011، نتائج مهمة في ما يخص خفض معدل وفيات الأطفال، وتحسين صحة النساء، ومكافحة الأمراض الفتاكة، مبرزا أن الحكومة ماضية في تحقيق كل الأهداف الثمانية لتحدي الألفية. جهود خفض عدد وفيات الأطفال أكد رئيس الحكومة أن السياسات العمومية في قطاع الصحة، وتحسن ظروف العيش بصفة عامة، أدت إلى تقليص مهم في معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة، وإلى تحسين صحة النساء، ومكافحة عدد من الأمراض الفتاكة، موضحا أن معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة انخفض ب 64 في المائة، إذ انتقل من 84 حالة وفاة لكل ألف ولادة حية سنة 1992 إلى 30 حالة وفاة في الألف سنة 2011 الماضية. وأوضح أن مجهودات الدولة في قطاع الصحة نتج عنها تحسن ملموس في العناية بصحة النساء، إذ انخفضت نسبة وفيات الأمهات ب 66 في المائة، منتقلة من 332 وفاة لكل 100 ألف ولادة حية، سنة 1992، إلى 112 حالة وفاة لكل 100 ألف ولادة حية، سنة 2010. والتزم بتحسين المؤشرات الصحية الوطنية، خاصة المتعلقة بالأم والطفل، بهدف التقليص من عدد وفيات الأطفال دون سن الخامسة إلى 20 حالة وفاة لكل ألف ولادة حية، وبتخفيض وفيات الأمهات عند الولادة إلى 50 لكل 100 ألف ولادة حية. وكشف بنكيران أن الحكومة وضعت مخططا جديدا لتقليص وفيات الأمهات والمواليد خلال الفترة 2012 و2016، بهدف تسريع وتيرة بلوغ أهداف الألفية للتنمية في مجال الخدمات الصحية للمواطنين من أجل تحقيق خفض عدد وفيات المواليد من 19 إلى 12 حالة وفاة لكل ألف ولادة حية، وذلك عن طريق رفع تغطية الولادات تحت المراقبة الطبية إلى 90 في المائة، والتغطية بالنسبة للاستشارات ما قبل الولادة إلى 90 في المائة كذلك، وبلوغ نسبة 95 في المائة من التغطية بالنسبة للاستشارات ما بعد الولادة. محاربة السيدا والأمراض الفتاكة أكد رئيس الحكومة أن آخر إحصائية لعدد حالات الإصابة بفيروس فقدان المناعة المكتسبة "السيدا" المصرح بها لدى وزارة الصحة بلغت 6 آلاف و453، وأن عدد الأشخاص المتعايشين مع الفيروس بالمغرب يقدر بحوالي 29 ألفا، منهم 80 في المائة يجهلون إصابتهم بداء فقدان المناعة المكتسبة، مبرزا أن نسبة انتشار هذا المرض تظل محدودة وضعيفة جدا، إذ وصلت إلى 0,11 في المائة سنة 2010، ومن المتوقع أن تستقر، خلال السنة الحالية وفي السنوات المقبلة، في حدود 0,12 في المائة. وأبرز رئيس الحكومة أن وزارة الصحة وضعت مخططا استراتيجيا وطنيا جديدا لمكافحة السيدا، يجري العمل به من 2012 إلى 2016، بهدف تحقيق الولوج الكلي إلى الوقاية والعلاج، والتكفل والدعم في مجال مكافحة الفيروس، للوصول إلى صفر إصابة جديدة، وصفر وفاة ناتجة عن مرض السيدا، وصفر حالة تمييز في موضوع السيدا بالمغرب. وبخصوص مرض المالاريا، أو ما يسمى حمى المستنقعات، أوضح أن المغرب وقع فيه الكشف عن آخر حالة إصابة سنة 2004، وقال "منذ ذلك الحين لم تسجل أي إصابة بهذا المرض في المغرب"، مبرزا أن داء السل مازال يشكل مشكلة صحية، إذ وقع الإبلاغ "عن 25 ألفا و530 حالة إصابة جديدة سنة 2009". إكراهات العناية بصحة المواطن وأقر رئيس الحكومة بالإكراهات التي تعترض الحكومة في مجال الصحة العمومية، إذ قال "رغم النتائج المحصل عليها، ومجهودات وزارة الصحة، رفقة شركائها من قطاعات حكومية ومنظمات المجتمع المدني في مجال الوقاية، فإن هناك صعوبات في الوصول إلى الفئات السكانية الهشة والأكثر عرضة للإصابة، لذلك التزمت الحكومة في برنامجها بوضع نظام يقظة صحية فعالة في مواجهة الأوبئة، والأمراض السارية، والاعتناء بالأمراض المزمنة، في إطار متغيرات النمو الديمغرافي والتحول الوبائي وأنماط العيش"، مشيرا إلى أن الحكومة تعمل على تكوين أعداد إضافية من مهنيي الصحة للاستجابة للطلب على الخدمات الصحية، وعلى تخفيض قسم من التكاليف التي تتحملها الأسر في تمويل الصحة. وقال إن "الحكومة تعمل على تحسين أداء المنظومة الصحية، من خلال تعزيز نظام التأمين الإجباري على المرض عن طريق تعميمه لفائدة موظفي ومتقاعدي القطاعين العام والخاص، وقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وتعميم نظام المساعدة الطبية على باقي جهات المملكة خلال سنة 2012 ليشمل حوالي 8 ملايين و500 ألف مستفيد، فضلا عن الرفع من الميزانية المخصصة لقطاع الصحة، حيث وصلت حوالي 12 مليار درهم سنة 2012". التزامات الحكومة في مجال تعميم التعليم أكد بنكيران أن الحكومة تعتزم مضاعفة الجهود لتسريع وتيرة الإنجاز وترصيد المكتسبات الكمية المحققة في قطاع التعليم مع العمل على تعزيز جودة التعليم الأولي والابتدائي والثانوي، انسجاما مع مضامين البرنامج الحكومي الذي أولى أهمية كبرى لضرورة إعادة الثقة والاعتبار للمدرسة العمومية المغربية ولبلوغ هدف تعميم التعليم الابتدائي في أفق سنة 2015. وأشار إلى أن جهود تحسين ولوج الأطفال إلى التمدرس أدت إلى ارتفاع ملموس في معدله، موضحا أن النسب الخاصة بالتمدرس بالنسبة للتعليم الابتدائي، شهدت ارتفاعا ملحوظا بين 2007 و2008 وفي الموسم الدراسي 2011-2012، إذ قال إن "نسبة التمدرس في التعليم الأولي انتقلت من 91,4 في المائة إلى 97,9 في المائة، وانخفضت نسبة التكرار من 12,7 في المائة بين 2007 و2008 إلى 8,2 في المائة بين 2011 و2012". مسجلا أن الحصيلة الإيجابية، في التعليم جاءت ثمرة للجهود المبذولة الرامية إلى توسيع العرض التربوي من خلال إحداث مؤسسات تعليمية جديدة، وبتعزيز الدعم الاجتماعي للتلاميذ وأسرهم، عن طريق توسيع برنامج الدعم المالي المباشر للأسر "تيسير"، وزيادة عدد المستفيدين من المبادرة الملكية للمحفظة والتي تجاوزت 4 ملايين مستفيد. وبخصوص صعوبات تطبيق برامج تعميم التمدرس، أبرز رئيس الحكومة أن الفئة المتبقية لاستكمال الأهداف تتشكل أساسا من الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وأطفال الشوارع، وأطفال المناطق المعزولة، وأطفال الرحل، وهم فئات يصعب الاحتفاظ بهما في المنظومة التربوية، في ظل استمرار ارتفاع نسب الهدر والفشل الدراسيين. مخطط استراتيجي لتحسين جودة التعليم وفي حديثه على مدى تطبيق المغرب لأهداف الألفية، كشف رئيس الحكومة عن أنها منكبة على إعداد مخطط استراتيجي لسنتي 2015 و2016، بهدف توفير عرض مدرسي يأخذ بعين الاعتبار أولوية الإنصاف وتكافؤ الفرص وتحسين جودة التعليم وتطوير حكامة المنظومة التربوية والتدبير الجيد للموارد البشرية، مبرزا أن المخطط الجديد سيركز على مواصلة تعزيز برنامج إحداث المؤسسات التعليمية وتوسيع طاقاتها الاستيعابية بجميع الأسلاك، ومواصلة تأهيل المؤسسات التعليمية، وإنجاز البنيات التحتية غير المتوفرة وإرساء نظام الصيانة الوقائية للحفاظ على ديمومة جودة المؤسسات، والانتقال من المنطق الكمي في خدمات الدعم الاجتماعي إلى منطق الاستهداف والتأطير. حصيلة الجهود في مجال محاربة الأمية سجل رئيس الحكومة تحسنا ملحوظا في مؤشر محاربة الأمية، الذي انتقل من 58 في المائة إلى 79,5 في المائة بين سنتي 1994 و2009، مؤكدا لأعضاء مجلس المستشارين أن جهود الحكومة في مجال محاربة الأمية تهدف إلى تحقيق معدل مائة في المائة في ما يخص الإلمام بالقراءة والكتابة بين الشباب البالغ أعمارهم ما بين 16 و24 سنة. وقال إن "تحقيق هدف محاربة الأمية بصفة نهائية، بنسبة مائة في المائة، سيظل مرهونا بتحسين برامج التربية غير النظامية ومحاربة الهدر المدرسي". وأشار إلى أن الحكومة ستعمل على التفعيل السريع للوكالة الوطنية لمحاربة الأمية في أقرب الآجال. الأغلبية تشيد بالمنجزات المحققة عكس رأي فرق المعارضة، عبرت فرق الأغلبية، بقيادة الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، عن اعتزازها برصيد المنجزات المحققة ومجموع الاختيارات الصائبة التي جعلت المغرب في العشرية الأخيرة ينخرط في بلورة الأهداف المسطرة في إعلان الألفية، من خلال جعل الأهداف الثمانية في قلب السياسات العمومية، وتأطيرها بمناخ سياسي عام عمق الخيار الديمقراطي وفتح المجال لمصالحات تاريخية بمضمونها الحقوقي والهوياتي والاجتماعي. وأشادت فرق الأغلبية بالتقرير الوطني الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط سنة 2009، والذي يظهر وجود حصيلة إيجابية في مجال تحقيق أهداف الألفية للتنمية البشرية، لاسيما ما يهم تراجع نسبة الفقر المدقع وتعميم التمدرس وارتفاع مؤشر التكافؤ بين الجنسين وانخفاض معدل وفيات الأطفال وتراجع حالات وفيات الأمهات، مشيرة إلى أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي اعتمدها المغرب سنة 2005، وشكلت نموذجا رائدا لطبيعة أوراشها الهادفة إلى التصدي للفقر والهشاشة والتهميش التنموي والاجتماعي، خاصة في الوسط القروي وهوامش المدن، وكذا الحصيلة الإيجابية للعمل التضامني ولعمل النسيج الجمعوي بمختلف مستوياته. إذ أبرزت أن المغرب توج مساره بالحماية الدستورية لجيل جديد من حقوق الإنسان، المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واللغوية والبيئية، وهو ما وفر للحكومة الارتقاء بالأهداف التنموية الواردة في إعلان الألفية إلى قواعد دستورية ملزمة في مجال صناعة القرار وتخطيط السياسات العمومية. المعارضة تشكك رغم تشخيص بنكيران لمدى تطبيق المغرب لأهداف الألفية، شككت فرق المعارضة، التي تتكون من فرق الأصالة والمعاصرة، والاتحاد الاشتراكي، والاتحاد الدستوري، والفيدرالية الديمقراطية للشغل، في قدرة الحكومة على الوفاء بالتزامات المغرب في ما يتعلق بتحقيق أهداف الألفية الإنمائية على بعد حوالي سنتين ونصف من حلول الموعد النهائي لتحقيق كل تلك الأهداف في متم سنة 2015، إذ عقب رؤساء تلك الفرق، في ردودهم على أجوبة رئيس الحكومة، أنه رغم المجهودات التي بذلت لتحقيق أهداف الألفية، خاصة في مجال تعميم التمدرس ومحاربة الفقر والهشاشة والإقصاء وتحسين ظروف العيش بالعالمين القروي والحضري وتخفيض نسبة الوفيات والنهوض بالمساواة بين الجنسين، فإن مؤشرات تحقيق أهداف الألفية للتنمية لاتزال مقلقة، في ظل ارتهان تحقيق التنمية الاجتماعية بتحقيق نسب نمو مرتفعة وبناء نموذج اقتصادي تنافسي. وقال حكيم بنشماس، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة، إن مجهودات الحكومة المبذولة تظل غير كافية أمام حجم الخصاص الاجتماعي القائم، وارتفاع نسبة الفقر، وحجم البطالة، وتدهور وضعية الطبقة المتوسطة، واستمرار وفيات الأمهات والرضع أثناء الولادة، وضعف التمدرس في العالم القروي، خاصة في صفوف الفتيات وما يواكبه من ارتفاع الهدر المدرسي، ومحدودية الوعي البيئي وتدهور الثروة الغابوية، وغياب سياسات محكمة لتدبير النفايات، مشيرا إلى أن الاقتصاد الوطني يعاني صعوبات، خلال الستة أشهر الأولى من هذه السنة، تجسدت على الخصوص في فقدان 109 آلاف منصب شغل، وانتقال نسبة البطالة من 9,1 في المائة إلى 9,9، وتراجع معدل النمو إلى ما دون 3,4 في المائة، وتفاقم الخصاص في السيولة، وارتفاع توقعات التضخم، وتراجع تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، وتدهور القطاع السياحي، وتباطؤ إنجاز نفقات الاستثمار، وارتفاع عجز الميزانية. وأبرز أن الوضعية الاقتصادية الصعبة سيكون لها تأثير سلبي على مجهودات الحكومة في تحقيق أهداف الألفية للتنمية، لارتباط تحقيق الأهداف بمدى قوة ومناعة الاقتصاد الوطني. بالمقابل، أكدت زبيدة بوعيد، رئيسة الفريق الاشتراكي، أنه لا يمكن للحكومة تحقيق التنمية الاجتماعية في غياب اقتصاد قوي وتنافسي، ودون تحقيق التنمية الاقتصادية، داعية الحكومة استدراك التأخر المسجل في تحقيق التزامات المغرب في بعض الجوانب المرتبطة بأهداف الألفية، وباعتماد إجراءات وتدابير ملموسة من أجل القضاء على اقتصاد الريع والفساد. كما طالبت الحكومة بتسريع وتيرة العمل من أجل تحقيق أهداف الألفية في شموليتها، في أفق سنة 2015، من خلال البحث عن مصادر تمويل والاجتهاد وابتكار الحلول الملائمة ومحاربة التهرب والتملص الضريبي، وتهريب الأموال إلى الخارج والقضاء على ظاهرة الموظفين الأشباح. أسئلة المستشارين تمحورت أسئلة الفرق والمجموعات البرلمانية بمجلس المستشارين حول أهداف الألفية التي ترمي إلى القضاء على الفقر المدقع والجوع، بغاية تخفيض نسبة السكان منعدمي الدخل إلى النصف. وإلى تحقيق تعميم التعليم الابتدائي، عبر تمكين الأطفال في الأماكن النائية من إتمام مرحلة التعليم الابتدائي بحلول سنة 2015، وتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة بالعمل على إزالة التفاوت بين الجنسين في التعليم، في أفق سنة 2015. والعمل على تخفيض معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة بمقدار الثلثين في الفترة ما بين 1990 و2015، والعناية بحسن صحة المرأة، ومكافحة فيروس السيدا والملاريا وغيرهما من الأمراض الفتاكة، وضمانة الاستدامة البيئية، عبر إدماج مبادئ التنمية المستدامة في السياسات والبرامج، وتخفيض نسبة الأشخاص الذين لا يمكنهم الحصول على مياه الشرب المأمونة إلى النصف، وتحقيق تحسن كبير لمعيشة سكان الأحياء الفقيرة. بينما لم يحظ الهدف الثامن من أهداف الألفية، الداعي إلى إحداث شراكات دولية في مجالات التنمية والمضي في إقامة نظام تجاري ومالي يتسم بالانفتاح والتقيد بالقواعد وعدم التمييز والالتزام بالحكم الرشيد وتحقيق التنمية وتخفيف وطأة الفقر، إلى بنصيب قليل من الأسئلة.